بقلم : الخضير قدوري 

الخضير قدوري

 

 

حينما تبدأ أركان الديمقراطية في الاهتزاز فإنها  تتكشف عن مهازلها ،ومن مهازل ديمقراطيتنا الفقيرة ،بما لكلمة الفقر من معنى ، قيامها على تعددية متسيبة وبما للتسيب من معنى، الاعتماد في قيامها على  حرية جاهلة وأمية قاتلة ،فإذا كان نظام الحزب الواحد في نظر الديمقراطيين ، هو نظام ديكتاتوري معاب بقمع حريات الشعوب ، فان نظام تعددية الأحزاب في نظر الديكتاتوريين، هو أيضا  نظام ديمقراطي مغلف بالفوضى والتسيب ، ويشجع على الفساد بوضعه السيف بيد مجانين الأمة ،ويدعي محاربة الجريمة . ليبقى السؤال حول مكاننا بين هذه وتلك ومدى تموقعنا  بين ديكتاتورية قمعية تدعي محاربة الفساد وبين ديمقراطية متسيبة تدعي الإصلاح  ؟

     فالتعددية الحزبية في بعض الدول العربية حديثة العهد بالديمقراطية قد تجاوزت الستين حزبا، بمعدل إجمالي يقل من نصف مليون نسمة لكل حزب ،كل زعمائهم  لا يكتفون بالرئاسة والوصول إلى الحكم في الدولة بالطرق الديمقراطية، وإنما يريدون بها كرسيا لا يبلى وملكا لا يفنى ،حتى بعد فنائهم لا باس من توريثه لا بنائهم في إطار دستور مفصل على مقاسهم باسم ديمقراطية قد تضمن لهم الفوز بنسبة 99,99 . ومن أبى غيرها واستكبر وقال برأسه كذا، قيل له بالسيف كذا .ثم يأتي بعد ذلك بإعلامهم  الرسمي ليعلن باسم الديمقراطية عن مرور الانتخابات بحرية ونزاهة وشفافية تحققت  نسبة المشاركة فيها  بأكثر من  99,99  ثم تعلق النتائج على مدفع الدبابة .

   وأما التعددية الديمقراطية أو الحزبية في مغربنا فهي جد متطورة وقد تتميز عن غيرها بمميزات عدة ، رغم  أنها لا تختلف عن محيطها إلا من حيث عددها المتجاوز لثلاثين حزبا الموافقة لتعداد سكانها المتجاوز لثلاثين مليون نسمة .أي بمعدل يقل من ربع مليون نسمة لكل حزب .في حين يبقى لجمعيات المجتمع المدني حظ الأسد في احتواء ما تبقى من الرافضين لارتداء مسوح الأحزاب عامة ،وقد اختاروا منطقة حرة فأووا إليها  قبل أن تصبح هذه المنطقة مطوقة  من قبل حزب الأحرار الذي اختار انتسابه لهذه المنطقة ، ومنها انتقلت هذه الفئة الرافضة إلى منطقة أخرى تسمى منطقة المحايدين ،قبل أن تصبح  هذه المنطقة محرمة من طرف الدولة ، إلا أن رحلة الرافضين لم تتوقف عند هاتين  المرحلتين  حينما أوت إلى منطقة أخرى تسمى منطقة اللامنتمين، قبل أن تصير هي الأخرى منطقة ممنوعة ،ومازال نزوح هذه الفئات مستمرا عبر هذه المناطق إلى أن انتهت مسيرتها إلى منطقة أخرى تسمى  منطقة العازفين ، فهي لم تبارح مكان اعتصامها إلى اليوم رغم أنها باتت مهددة بشيء ما قد تطاله  أبحاث علماء السياسة وبحوثات مهندسي الأحزاب الجارية على قدم وساق من اجل إيجاد مخرج وفتح باب جديد من اجل إفراغ هذه المنطقة وفض المعتصمين بداخلها والذي لا ترى بعض أحزابنا العليمة بمعية وزارة الداخلية سبيلا إلى ذلك غير سبيل العنف والتصوات وتبريرهما بعرض المشروع على البرلمان الذي يصوت بأغلبيته  وفي إطار ديمقراطيته على إعطاء العازفين حق الاختيار بين التصويت أو التصوات  .

 ومن مميزات أحزابنا عن غيرها أيضا ومن تجلياتها الديمقراطية ، كونها تنبثق  من أصل حزب ولود ومن سلالة ودودة ،قد انحدرت  من رحمها كل هذه الأحزاب التي تبدو لناظرها أنها تختلف في تلويناتها وتشكيلاتها. ولكنها  لا تختلف في انتساباتها ،وهي لا تفرط في أصولها ومفاصلها وفروعها والتزاماتها تجاه بعضها وكذا حرصها على أواصر الدم وصلة الرحم ،كما أنها لا تختلف في مذاهبها السياسية ،ولا في أعرافها الثقافية ،ولا في تقاليدها وعاداتها الاجتماعية ،ولا تتوفر على  برامج متباينة قد تفرقها أكثر مما تجمعها ،اجل فأحيانا قد تفترق مع بعضها عند مفترق الطرق لأغراض شخصية ،ولم تلبث إلا قليلا  فتلقي مرة أخرى  عند ملتقى الطرق وكان شيئا لم يكن والاختلاف في الرأي لا يفسد  للود قضية ، وفي النهاية  كل الطرق ستؤدي بها إلى غاية واحدة  ويعفو الله عما سلف .

    لست ادري إن كنت قد استطعت أن أنفذ من قطر هذه السياسة العمياء، واصل بسلطاني الأعرج إلى ما أريد أن أوصله إلى من لا يزالون يخضعون للمباضع التي تمزق أطرافهم تحت تأثير مخذرات هذه الأحزاب الخالية  وأفيون هذه السياسات  البالية ،فيعلمون شيئا مما وصل إليه احد زعماء أحزابنا الديمقراطية، وما يريده من  لقائه الأخير مع وزير الانتخابات ،إلا إجبار المواطنين على التصويت  بالتصوات .بما لهذه الكلمة الأخيرة من معنى ومفاهيم جديد للديمقراطية كحل بديل يراه بعبقريته يحد من حدة عزوف الطبقة المثقفة الواعية عن ممارسة  سياستهم المبتذلة وابتعادهم من سياسييهم المغرضين ، وعدم الانخراط  في أحزابهم المميعة وراء زعمائها المميعين .وكما يقال أن الوزير قد حبذ الفكرة  إلى حين إيجاد صيغة توافقية قد تتماشى مع الحرية ،وتتسامح مع الديمقراطية ولا تخل  بحقوق الإنسان .وذلك ليس بعزيز على صناع القرار، إذن لم يعد للمواطن من خيار، بين الاقتراع والانقطاع ،وإنما أصبح خياره  بين التصويت أو التصوات .