بقلم : محمد السعيد مازغ

تكريم

 

 

احتفوا بمكرمكم، واعطوه من الهدايا ما شئتم،

اقتنوها بأموالكم الخاصة وليس بمال الشعب
بعض جمعيات المجتمع المدني والمؤسسات العمومية والخصوصية،و المجالس المنتخبة ..اصبحت تتسابق اليوم من أجل تكريم شخصيات من عالم الفن و الفكر، و الرياضة والسياسة….، تكريم أو ما اصطلح عليه ب”موضة العصر، وإن كان يحمل في طياته اعترافا بالجميل، والتفاتة رمزية إلى المحتفى به،إلا أن التهافت على التكريم بمناسبة وبدونها، يدعو إلى كثير من التروي والاستفهام، حتى لا يتم خلط الأوراق،و إفراغ هذا العمل الإنساني النبيل من غاياته ومراميه، والانزياح به نحو الاستهلاك الإعلامي وتوظيفه خارج المتعارف عليه، وأيضا  حتى لا يتم التدليس على العقول واستغفال البسطاء ممن تغريهم الواجهة، فلا ينتبهون إلى ما وراء  الأكمةوتجنبا لكل لبس أو فهم خاطئ، نعيد القول أن المشكلة ليست في تكريم الإنسان والاحتفاء به، وإنما في الأساليب المبتكرة، والأسماء المنتقاة،والجهات المدعمة، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد كرم بني آدم وشرفه بخلقه على أحسن الهيئات وأكملها، كما جاء في قوله:” لقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا.”

فكيف يتنكر الإنسان لمن أسدى خدمة جليلة، أو قدم عملا متميزا لصالح مجتمعه ووطنه، أو لصالح الإنسانية جمعاء، وماذا يضر لو رفعنا من شأن الشاعر والكاتب والرياضي، والعالم والفقيه والموظف الشريف، ولم لا يلتفت إلى مطهر الأزقة والطرقات، أو مطهر الأجساد من الأدران داخل الحمامات
التقليدية،ولم لا يكرم إمام ألمسجد أو مؤذنه ممن تعلمنا على ايديهم في الكتاب وصلينا خلفهم في المساجد، ورددنا معهم التكبير والتحميد و الشهادتان، هل بالضرورة ان يكون المحتفى به من الأعيان وذوي النفوذ ممن هربوا أموالهم إلى الأبناك الخارجية، ولم يقدموا مشروعا واحدا يشغل أبناء
عشيرتهم وينعش اقتصاد بلادهم ؟، هل يستحق من راكم الثروات على ظهور
العباد، واستغل خيرات البلاد، وصنف ضمن ذوي السوابق في نهب المال وتبذيره أن يصفق له بحرارة، ويحاط بالعناق والقبل وبالأحضان يا “ولدي” ؟ هل بلغ بنا العبث درجة الاحتفاء بسياسي فاشل يبحث لنفسه عن موقع قدم في الاستحقاقات المقبلة، فيتم تكريمه بإيعاز منه، وبدعم  مادي من مالية الجماعات والمؤسسات والأشخاص الذاتيين ممن ترتبط مصالحهم بمصالح ولي
النعمة المحتفى به، وبأي حق يتم تسخير المال العام لخدمة الحفلات والولائم والمهرجانات التي تكرس الميوعة والعبثية والمسخ السياسي، وهل المال العام اصبح ” سائبا ” لدرجة إغداقه على الجمعيات والمنتديات التي تأخذ الطابع التكويني، التثقيفي، أو الترفيهي،  التعبوي، وما هي في حقيقة
امرها سوى لقاءات خادعة تنزف مالية الجماعات والمؤسسات العمومية، وتصرف في غير محلها، لغايات غير سليمة….عجبا كيف للمتهافتين على التكريم ، أن يقدموا الشهادات ويتفننوا في
انتقاء كلمات المدح والمجاملة،وعبارات الوصف التي تكاد تصور المحتفى به وكأنه من طينة فريدة لم ينجب الوطن مثيلا لها، شخصية متشبعة بمكارم الأخلاق وشيمها، بالذكاء والموهبة والتميز،فيمجدونه ويبجلونه ويقولون في حقه ما لم يقل احد غير مالك في الخمر….شهادات ثقيلة ينطبق عليها قوله تعالى في تلك الشهادات التي أبت السماوات والارض والجبال ” ـ أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا، ويالانكى من ذلك انهم يسلموه الهدايا النفيسة التي حصلوا عليها بالسؤال والاستجداء، وربما خصم ثمنها ومصاريف الحفل برمته من مال الشعب. مما يصدق
عليهم القول” زيد الشحمة في بطن المعلوف “.