بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

 

      إذا كانت الشغيلة المغربية قد احتفلت بعيدها كغيرها في العالم ، وقد استجابت الحكومة ضمنيا لبعض مطالبها بغض النظر عن كل مطالبها ، يظل الوعد مرتبطا بالتنفيذ ، أو سيبقى الأمر مسكتا للأصوات مسكنا للحركات إلى حين تتبخر هذه الوعود وتصبح مجرد كلام ليل يمحوه النهار . أو مجرد وعد من الوعود الانتخابية التي دأبت عليها الحكومة الحالية منذ تأسيسها ، قلما تحقق منها إلا ما يتعلق بالزيادات المتتالية حتى في الكلام والوعود العرقوبية

     ولكن ما يهمنا هو ذاك المغيب في أجندة الحكومة ، رغم صراخه من بعيد ورغم تذمره من سياسة التهميش ، لم يكن له من حق سوى بعض الشطحات التليفزيونية ، والوصلات الاشهارية ، والرحلات المكوكية للوزراء المتعاقبين على حسابنا نحن أفراد الجالية المغربية الضائعين في الأرض التائهين تحت السماء الذين تعد لهم حكومتهم معداتها كلما اقترب موسم العبور ، حينما  تجند لهم أبواقها ووسائل إعلامها لترحب بهم في وطنهم ، وفي نفس الوقت تستعد لمفاجئتهم بترسانة من القوانين والمراسيم والقرارات التي تزيد من تذمرهم وسخطهم ، وتقتل في داخلهم الروح الوطنية ، وتطفئ في صدورهم لواعج الشوق والحب والإخلاص لأهلهم وأحبابهم . فتكرههم  في وطنهم الذي حرموا من حق شربهم لمائه واستنشاقهم لهوائه والاستدفاء بشمسه ،  منذ أكثر من أربعين سنة خلت.

     مئات الأسر إن لم تكن ألاف قد حزمت حقائبها وعمدت إلى الرحيل بصفة نهائية ، منها من قد شرت واشترت مساكنها واستقرت بدولتي اسبانيا وايطاليا ومنها من قد عادت بخفي حنين إلى مواطن إقامتها في أية دولة أخرى ، بعد أن يئست من ضحك حكومتنا على أذقانها ،وعدم استجابتها ولو لمطلب واحد من مطالبها التي ظلت تنادي وتتضرع منذ عشرات السنين من اجل تحقيقها . فلا إذن سمعت ولا عين رأت ولا حياة لمن تنادي.

    لقد ذئرت الجالية المغربية من سوء المعاملات والممارسات اللا مسئولة، ومن ثقل الحمولات والصبر الطويل الذي تحملته منذ عشرات السنين ، على عدم لامبالاة الحكومة بهذه الشريحة التي ضحت بغاليها ونفيسها، بشبابها وشيبها وبكل مراحل عمرها . باعتبارها الشريحة التي انخرطت بكل إخلاص ووفاء في مسيرة محمد الخامس الجهادية الكبرى ، والتي تفانت في خدمتها منذ فجر الاستقلال في ظل الهجر والحرمان والشقاء والاغتراب ، الذي من الأجدر أن يجعلها  تستحق كل تقدير وعرفان .

     من واقع الجالية وموقعها ، ومن وسطها ومحيطها نعبر بلسان صدق عاجز عن التعبير ، من تذمرها وسخطها ومن أداء هذه الحكومة المقصرة في حقها . استغلالا لتواضعها وآدابها ،ولسلوكها وأخلاقها ، ثم غيرتها الوطنية . حتى حين نفاذ صبرها فهاهم متقاعدوها يطوون حقائبهم وشروا ممتلكاتهم ودورهم بأبخس ثمن ، وعمدوا إلى الرحيل حين ملوا ليعودوا من حيث أتوا دون رجعة ، وهم يحملون في صدورهم أوجاع الندم و غصات الألم . اجل إن لم تدر حكومتنا وهي أبدا لا تدري أن أجيالنا وأبناءنا خلاص لم يقتنعوا بأدائها تجاههم ، لذلك أنهم  يشدون الرحال إلى دول أخرى من اجل قضاء عطلهم ، حتى فعالياتهم الفكرية والثقافية والاقتصادية لم ترغب بالقطع في الرجوع يوما إلى وطنها ، مادام لم يعد هناك ما يشدها أو يربطها به ، بعد أن  سحبت ثقتها حتى من دولتها . إلا من ملك ما زال يشكل الأمل الأوحد الذي نتعلق بأهدابه ،عله يرحمنا فينقذنا من مصيبتنا في وطننا مع حكومتنا ، ويعيد ألينا  الاعتبار في بلدنا ، ليبقي لنا على الأقل حق مواراة جثاميننا تحت أطباق ثرانا .

     فان كان الدستور يضمن لنا حق المواطنة فعن أية مواطنة نتحدث ويتحدثون إذا كنا كمواطنين  محرومين  في وطنهم من أدنى حقوقهم ، المتمثلة في حدها الأقصى بالاستجابة على واحد أو اقل منه قليلا ،أو جزء من مطالبه المشروعة أم تراه يبقى كذلك رازحا تحت ثقل المستغلين لطيبوبته وثقافته وتربيته وأخلاقه ، على حساب حقوقه ووطنيته . كفى وكفى وألف كفى ، فان كنا كآباء وأجداد احتملنا ما استطعنا من الحيف والظلم ، فالأبناء والأحفاد لم يقبلوا وبالأحرى أن يتحملوا وسيخرجون عن صمتهم فيقولون و لا يقولون إلا ما يفعلون . وارض الله واسعة لسعيهم.

    أم كان علينا أن ننتظر دائما مبادرة صاحب الجلالة ، ووقوفه بنقط الحدود لنمر بأمن وسلام ؟ ونعاين حضوره بأبواب الوزارات والإدارات لنتمكن من حقوقنا ،أم كنا سنتوجه مباشرة لنعتصم بأبواب القصر لنعرض على جلالته معاناتنا ؟  لطالما تكلمنا عن مشاكلنا ، وعبرنا عن همومنا ، وشكونا ألامنا ، ورفعنا أصواتنا على المآذن الدينية ، والصوامع الإسلامية ، وعلى كل المنابر الإعلامية ، وفي كل المحافل الوطنية . وعبرنا عن ذلك بكل لغة ، عربية و أمازيغية وأجنبية . فلا أذن سمعت ولا عين شهدت ، ولا خطر على بال من يتحملون مسئوليتنا أن يحركوا ساكنهم تجاهنا . إلى أن أعيانا الانتظار ، وأتعبنا طول الأمل ، فمللنا وكرهنا حتى شخنا وهرمنا ، ثم قلنا كفانا ما عانينا، ويكفينا ما نعاني من حرمان.

        فان كانت كلمات الترحيب المملة لم يعد لها تأثير على عواطفنا ومشاعرنا  وقد نفذ مفعولها  فتحول عنا المرحبون بتسويقها نحو الوافدين الجدد من الشرق والجنوب  على وطننا ، وكان لهم الحظ أن يتمتعوا فيه بما حرمنا منه ، وما لم يتسن لنا . فما علينا إلا أن  نندب حظنا ونولي أدبارنا للأبواب الأمامية المغلقة في وجوهنا . فلا احسب أن الأبواب الخلفية إلا مفتوحة على مصراعيها وصدق الشاعر حيث قال  :

وان نبت بك أوطان نشأت بها ….  فارحل فكل بلاد الله أوطان .