بقلم : ذ يوسف بوزغبة

Untitled-1

 

الدكتور حافظ السيد من مصر الشقيقة ضيف الشرف ، والدكتورمحمد حرفي تكريم مستحق لا يحتاج الى جدال .
في إطار تقوية علاقاتها المسرحية مع محيطها المباشر وضمان اتساعها المحلي والوطني والدولي نظمت جمعية كوميدراما وجدة المغرب فعاليات المهرجان الدولي للمسرح تحت الرعاية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وذلك خلال الفترة الممتدة من12ماي 2016 الى غاية 16 منه بمسرح محمد السادس وهي أول معلمة ثقافية تصادفك عند دخولك لمدينة وجدة من جهة الغرب حيث صال فرسان الركح من فرنسا واسبانيا وسويسرا والمكسيك والجزائر والمغرب على امتداد خمسة ايام متتالية من الفرجة المسرحية لعب فيه الجمهور المسرحي الوجدي دوره بكل إتقان ومهارة تفاعل بحرارة وهدوء تامين بصرف النظر عن اللغة التي كانت تنطق بها وسواء اختلفنا أم اتفقنا على جدوى مايرسخه هذا المهرجان من قيم وأفكار وتقاليد مسرحية واثر اقتصادي مقارنة مع باقي المهرجانات التي ترصد لها الإمكانيات الضخمة فان رهان نجاح هذا المهرجان يتوقف دائما على الطاقات البشرية ونخص بالذكر أعضاء مكتب الجمعية وكل منخريطها والمتعاونين معها وسعيهم الحثيث الى الرفع من جودة المهرجان في كل دورة وبالتالي نجد الجمعية تخطو خطوات ثابتة وملتزمة بهواجس الفرجة المسرحية على المستوى الدولي صنف الهواة حتى يظهر هذا المهرجان في أبهى حلة والملاحظ أن هذه السنة ينظم المهرجان في غياب المهندس المسرحي الذي وضع التصاميم الأولى لهذه التظاهرة السنوية الأستاذ محمد بنجدي والموجود حاليا بالديار الفرنسية قصد العلاج ومهما يكن من أمر وبشهادة المتتبعين والمهتمين وارتياح المنظمين فان هذه الدورة حققت الأهداف المرجوة منها بقيادة مدير المهرجان الدكتور مصطفى رمضاني الرجل الذي وضع منذ زمن مبكر مشروعا علميا في مستوى التأريخ للحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة وأيضا رئيسة الجمعية عمارة حجرية التي ظلت ولا تزال تعانق الخشبة وتمارس بدون ملل ولا كلل العمل الجمعوي
حفل الإفتتاح : عشية يوم الخميس 13 ماي 2016 رفع الستار وأكدت تصفيقات الجمهور الحادة بداية حفل الافتتاح حيث جاء في الكلمة الترحيبية لمدير المهرجان الدكتور مصطفى رمضاني إن الاحتفال بالمسرح هو احتفال بالجمال وان المسرح لا يتحقق إلا بالمناخ الديموقراطي وحرية التعبير والاعتراف بالأخر ونبذ كل أشكال التطرف والإقصاء اما كلمة السيد رئيس الجماعة الحضرية بوجدة فكانت خفيفة ظريفة حيث رحب بالضيوف الفرق المشاركة في المهرجان وأثنى على كل من ساهم وتعاون في انجاز هذه التظاهرة الفنية الدولية أما كلمة السيد المدير الجهوي لوزارة الثقافة لجهة الشرق فقد تحدث عن الانتعاش الذي عرفته الحركة الفنية بمدينة وجدة خاصة في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بتنظيم المهرجانات وكذا المجهودات التي قامت بها جمعية كوميدراما في إطار الإستعدادت لتنظيم هذا المهرجان وتوفير كافة الظروف لإنجاحه إن أهم ما ميزفقرات حفل الافتتاح في بساطته وروعته الصوت الطروب للفنانة الصاعدة السعيدي سارة وباقة من الرقصات الجميلة تجمع بين الحداثة والأصالة من ثراتنا المغربي الأصيل من فن الموسيقى لكناوية والسوسية وفن الركادة من أداء الفرقة العالمية شكشوكة
لحظات التكريم: لحظات باهرة لم تغادرها العين أعادت الحضور إلى البدايات الجنينية للمسرح والنضال النقابي بمدينة وجدة في حضرة الأستاذ الدكتور محمد حرفي المحتفى به هذه الدورة الرجل الذي يعيش داخل جغرافية ثقافية ونقابية لا حدود لها تتلاءم مع أسئلته و قلقه وأحلامه وشغفه الدائم بالكتابة والعمل الجمعوي الإنساني لحظات اهتزت لها القاعة بالتصفيقات ووقف لها الجميع تحية واحتراما لهذا الرجل الذي امن وعمل بصمت بعيدا عن أجندة الإعلام المغربي وكما جاء على لسان الدكتور مصطفى رمضاني سوف تظل الكلمات عاجزة في هذا المقام عن منح هذا الرجل المناضل من العيار الثقيل ما يستحق من الثناء والتقدير كما استحضر الأستاذ والمخرج المسرحي يحي بودلال عمدة المسرح العمالي بوجدة مجموعة من المواصفات والمبادئ التي ميزت المسار النضالي والثقافي للسيد المحتفى به محمد حرفي وخلال مراسيم حفل الإفتتاح هذه وفي جو تطبعه الحميمية والإخاء سلمت الهدايا ودرع المهرجان للسيد المحتفى به محمد حرفي
ضيف الشرف للمهرجان : لقد سبقتني أقلا م اتفقت جميعها على التميز الإبداعي و الفكري والفني بدون منازع السيد: الدكتور حافظ السيد ضيف الشرف لهذه الدورة من مصر الشقيقة خمسون عاما من المسرح وألف ترسنة من المسرحيات أزيد من 120 مسرحية واشرف على 52 رسالة جامعية في مختلف الجامعات العربية
حفل توقيع كتابين وتنظيم ندوة فكرية وورشات تكوينية
في إطار الأنشطة الثقافية والفكرية الموازية للمهرجان عرفت رحاب قاعة الندوات بمسرح محمد السادس عشية يوم السبت 14 ماي 2016 حفل توقيع كتابين الأول بعنوان في رحاب مسرح وجدة للدكتور محمد حرفي والثاني بعنوان : المسرح الفردي في الوطن العربي مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا من تأليف الأستاذ الطاهر الطويل الصادر عن الهيئة العربية للمسرح كما نظمت يوم الأحد 15من ماي 2016 بنفس القاعة ندوة فكرية في موضوع : دور المسرح في ترسيخ حوار الثقافات شارك فيها السادة :الدكتور الحسين الشايط و الدكتور محمد النوالي والدكتور مصطفى رمضاني من المغرب والدكتور حافظ السيد من بلاد مصر الشقيقة وحرصا من الجهة المنظمة كوميدراما على التكوين في المجال المسرحي لفائدة الشباب فقد نظمت ورشات تكوينية طيلة أيام المهرجان حيث وزعت شواهد المشاركة على كل المشاركين عشاق هذا الفن النبيل .
العروض المسرحية : عملت جميع الفرق المسرحية المشاركة في هذا المهرجان على تقديم الفرجة الراقية للجمهور طيلة زمن العرض وقد أكدت جميعهما اهتمام مبدعيها بكل عناصر العرض المسرحي بنسب متفاوتة وقد ظهر الاختلاف جليا بين الفرق المشاركة من حيث المواضيع والتقنيات المسرحية المستعملة كما أن جل العروض راهنت حقيقة على الممثل باعتباره أداة أساسية في نجاح العملية المسرحية وللإشارة فقط عملت إدارة المهرجان عند نهاية كل عرض مسرحي ا على تكريم المشاركين وتوزيع شواهد المشاركة ودرع المهرجان
الواقع أن تتبع الخطوات الدرامية والمكونات الإخراجية للأعمال المسرحية الستة المبرمجة خلال هذه الدورة ليس بالأمر السهل في غياب لجنة تعمل على تقويم هذه العروض ولكن مهما يكن من امر سوف نحاول تسليط الضوء على مختلف الملامح الدرامية والتي تميزيها كل عرض مسرحي على حدة
العرض المسرحي الأول : طبيب المعجزة من فرنسا وهو عرض محكوم برؤية مخرجه اعتمد على الغناء الأوبرا لي مما أعطى للعرض نكهة وإيقاعا ثابتا قدم متعة بصرية وسمعية السنوغرافيا توقفت عند صالون فاخر طاولة مستطيلة الشكل وثلاثة كراسي وبعض الكؤوس والصحون فوق الطاولة و بشكل لافت للنظر وضعت آلة البيانو في جانب من الصالة تم توظيفها حيث لم يتوقف العزف عليها طيلة العرض المسرحي
إن براعة هذا العرض يرجع بالدرجة الأولى إلى السياق الغنائي الأوبرالي والحركي على المسرح وتوالي الأحداث بصورة منطقية مترابطة في عمل فني تطبعه فخامة المكان وعذوبة الألحان
العرض المسرحي الثاني : أنا و أوتا ووادي هيروشيما من سويسرا خشبة المسرح فارغة تماما من الديكور إلا من بعض الكتل الصغيرة الحجم يتم الجلوس عليها , تتقاطع الأحداث بين ماض بعيد و بتوظيف ذكي للحكي وتتداخل الموسيقى والإضاءة و مجموعة من التسجيلات الوثائقية بطريقة سينمائية تعرض مباشرة على الشاشة الكبرى للمسرح وكل أمور هذا العرض المسرحي محسوبة بدقة متناهية من طرف الفريق التقني ومخرج العرض
العرض المسرحي الثالث : راحلة من الجزائر : رائحة البخور تنبعث من خشبة المسرح نحو الصالة نحن أمام سينوغرافيا خالية من المفردات البصرية وسط الخشبة توجد اكسيسوارت عبارة عن نافذة وكرسي ودمية معلقة في الهواء وهو فضاء اللعب حيث جسدت فيه الممثلة الجزائرية الوحيدة جميع الأدوار عبر مونولوج أجادت فيه مختلف الصراعات الداخلية والخارجية و التقلبات النفسية في حوارها مع الذات والأخر تميز أداؤها بالحيوية ومعايشة جميع الأدوار يسار الخشبة علقت ستارة تفصل بين الفضاء الأول والفضاء الثاني حيث نجد عوالم أخرى خاصة بشاب يدون أشياء في مذكرته مرة يغني ويعزف على قتارته ومرة أخرى يعزف على الطبل أما الإضاءة اعتمدت على نظام البقع الضوئية الملابس تيمة مكملة لباقي عناصر العرض والتي اعتمدت على طغيان اللون الأسود مع حضور المؤثرات الإيقاعية و الغناء الحي كل هذه العناصر جعلت المتلقي ينغمس في طقوس احتفالية مسرحية رائعة
العرض المسرحي الرابع كوميرا من اسبانيا المنظر المسرحي واقعي يحيلنا على مكان العرض السيرك هو وعرض مسرحي صامت يعتمد على الممثل الواحد المهرج الذي لم ينطق حرفا واحدا إلا أنه كان مؤثرا ابهر الجميع بحركاته و إيماءاته التعبيرية استمر أكثر من ساعة وهو يتحرك ويسير فوق الخشبة مرة نحو اليمين ومرة نحو اليسار ومرة نحوا لخلف يستغل اكسيسواراته صندوق كبير دمى مختلفة الأحجام لتفسير الحدث دون الدخول في تفاصيل مركبة ومعقدة العين تتكلم والأيادي تتكلم وتقاسيم الوجه تتكلم روحه إيقاعا وفي سكونه حيوية وقد نجح المخرج في استخدام الموسيقى المرافقة والتي وافقت مختلف المواقف والحالات الدرامية لهذا العرض الشيق
العرض المسرحي الخامس : غربة من المغرب اعتمد على الأسلوب الكوميدي وعلى كل ما هو واقعي وطبيعي سواء في حركة الممثلين أو في الملابس أو في الإضاءة المسرحية أو في الديكور غير الثابت الذي كان عبارة عن زقاق يتحول إلى غرفة نوم ثم إلى مركز حدودي لقد تميز هذا العمل تميز بطابع المحلية و أصبح كل ما يصدر عن الممثل تفوح منه رائحة البيئة الوجدية صوتا وحركة وإيماءة خلاصة القول استطاع المخرج محمد بوبقرات رغم مرضه أن يأخذ بزمام المبادرة و أن يقود العمل لتجسيد رؤية المؤلف بكل وضوح وتجلي وحقق العرض تفاعلا ملحوظا مع الجمهور
العرض المسرحي السادس بعنوان : بوبل فوه من المكسيك اختتمت فعاليات المهرجان الدولي بعرض مسرحي من المكسيك عشية يوم الاثنين 16ماي2016اعتمد على الرقصات الاستعراضية وسط إيقاع متدفق ينسجم مع اللحظات الدرامية للعرض وسينوغرافية متناغمة بصرية مزركشة وقد شكلت الإضاءة المسرحية احد العناصر الموحية للعرض المسرحي حيث يجد المتلقي نفسه أمام عوالم تتداخل وتتعايش مع بعضها البعض بين ماهو واقعي طبيعي وماهو سحري خيالي كما أن الحكاية التي يدور حولها موضوع العرض المسرحي ليست كمثل الحكايات التي تعودنا عليها وفي هذا الصدد وبطريقة ذكية عمل المخرج على وجود من يشرح الأحداث من حين لأخر باللغة العربية كما نراها ونحياها على خشبة المسرح و بطريقة فنية رائعة والجميل في هذا وهو مشاركة ثلة من أعضاء فرقة كوميدراما وجدة المغرب في هذا العرض مما أعطى نكهة فنية مزدوجة لا خلل فيها
وفي الختام إن هذا الزخم من العروض المسرحية خلق بدون شك مناسبة إبداعية لا تقل أهمية بمدينة وجدة تستحق الإشادة والاهتمام لتكون مرجعا يستفيد منها طلاب الجامعة والباحثين والمبدعين كلما دعت الضرورة كما يتعين على الجهات المسؤولة على القطاع الثقافي والمسرحي والاقتصادي زيادة الدعم المالي و المادي للمهرجان من اجل أن يتجدد كل سنة و يتبوأ مكانته اللائقة به ضمن خريطة المهرجانات المسرحية العربية والدولية .