تاوريرت بريس :

الخضير قدوري

 

منذ أكثر من نصف قرن مازال النظام العسكري الحاكم في الجزائر يبحث عن صيغة دستورية توافقية تؤسس لقيام دولة مدنية حرة ديمقراطية ،الا ان هذا التوافق بين هذه الأخيرة والنظام القائم لم يتحقق ولن يجد له مسلكا سالكا الى طموحات الشعب الجزائري، الذي مازال بعضه يحن الى أنظمة الحكم المتعاقبة على هذا البلد عبر التاريخ ،وبالأخص الأنظمة الملكية المستبعد انبعاثها من جديد في ظل الحكم العسكري القائم بهذا القطر، الذي ينصب لها كل العداء ويكن لهذه الأنظمة عموما نوعا من الكراهية المتجذرة في أعماقه، وان كانت بعض ممارساته السياسية والبروتوكولية لا تخفي تعلقه بها رغم ذهابه في كل المذاهب السياسية من دكتاتورية واشتراكية الى ديمقراطية ورأسمالية فإلى جمهورية مطعمة بنكهة ملكية ،ونذكر على سبيل المثال لا الحصر حرص الرئيس الحالي على تعديل البند المتعلق بتحديد ولاية الرئيس من واحدة الى أربعة فإلى مدى الحياة ،وربما ما يطبخ في كواليس النظام قد يدور حول تعديل بند في الدستور الحالي يتعلق بولاية العهد لخلافة رئيس قد ينهي الموت ولايته ، فاذا كانت دساتير الأنظمة الجمهورية في العالم الديمقراطي كله تحدد ولاية الرئيس بولايتين على الأكثر، باستثناء الجمهوريات العربية التي لا تختلف عن الأنظمة الملكية المتوارثة ،ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أيضا نظام جماهرية القذافي الذي ظل متربعا على عرش ليبيا عشرات السنين ،وقد تطاول الى إنشاء إمبراطورية افريقية تمتد من حدود مصر الى أعماق إفريقيا مرورا بما يسمى الجمهورية الصحراوية الوهمية التي عمرت هي الأخرى أكثر من أربعين سنة ،تحت نظام حكم عبد العزيز الذي نصب نفسه رئيسا لدولة على جزء من ارض جزائرية المتاخمة للصحراء المغربية والموريتانية والمالية .بغض النظر عن جمهورية الأسد مرورا بكل الجمهوريات التي دمرها إعصار الربيع العربي الذي تخطى الملكيات ،ان دل ذلك على شيء إنما يدل على صلابة أسسها ورص قواعدها الضاربة في أعماق التاريخ ، وقوة المناعة التي تتمتع بها من اجل ضمان الأمن والاستقرار لشعوبها
فإذا كانت الجمهورية الجزائرية قد تفادت دون غيرها إعصار الربيع العربي الى حين ، قد لا يعني ذلك انها أصبحت في مأمن من عودته ذات يوم ، وعندما يبدا الاهتزاز الشعبي ينذر بتصدع أركان النظام القائم ، الذي يريد ان يقيده الى أوتاد التخلف والعبودية بتمريره لدستور يحميه من مثل هذه الهزات دون ان يعرضه على استفتاء شعبي ،إيمانا منه ان هذا الشعب كغيره من الشعوب الراغبة في التغيير التواقة الى مستقبل زاهر يريد بدوره ان يتنعم بما انعم الله على وطنه من ثروات طبيعية في إطار ديمقراطية وحرية وعدالة اجتماعية تضمن له الأمن والاستقرار والعيش الكريم كغيره من شعوب الأوطان البترولية
الشعب الجزائري كغيره من الشعوب التي تريد الحياة ،وقد أصبح من المفروض عليه ان يستجيب القدر، وان يكسر القيد ويفتح بابا يتطلع منه الى مطلع الفجر والى أفق مشرق ينفتح على عالم التحرر والأمن والسلم والاستقرار، والتعايش مع كل الشعوب التواقة الى الرقي والازدهار، في زمن يلغي الاستبداد والاستعباد ويرفض العزلة والانفراد ،ويفرض التكتل والاندماج من اجل مسايرة التحضر ومواكبة العولمة