بقلم : الخضير قدوري 

الخضير قدوري

 

منذ عشرات السنين كان المشكل القائم بين الدولتين الجارتين المتباعدتين قد انتهى وطويت كل الملفات المتعلقة بها ،وان كان المغرب قد ارتكب عدة أخطاء ما كان ليرتكبها لولا تهاونه في التعامل مع هذه الملفات بنوع من العطف والمرونة المفرطة ،التي اخطأ قادة الجزائر تفسيرها وأساءوا فهمها.فإذا كان من أخطاء المغرب مراعاته لحقوق الجوار وواجب الاحترام للجار وبحفاظه على الأواصر العائلية والعرقية والروابط التاريخية والجغرافية التي تربط الشعبين الشقيقين، فان حكام الجزائر قد اعتبروا ذلك نوعا من الضعف في سياسة المغرب ، حتى وان كان هذا الأخير قد بين للجار بالواضح والمرموز وبالقول الفصل والفعل النافذ بان الأمر ليس كذلك ، لكن هذا لم يكن ليثني هذا الأخير فيفهم الرسائل ويقتنع بالرجوع عن غيه الى جادة الصواب ،إلا أن ذلك لم يزده إلا شططا وحقدا وحسدا .
إن استفزاز حكام الجزائر للمغرب قد بدأ مع بداية الستينيات وبعد استقلال الجارة الذي اعتبره الملك محمد الخامس طيب الله ثراه مكملا لاستقلال المغرب باعتبار الشعبين الشقيقين شعبا واحدا بحكم التاريخ والمصير المشترك ،يومئذ بدأت شعوب المنطقة تتمخض بفكرة وحدة المغرب العربي الكبير الذي سيزيد في إحكام هذه الروابط أكثر فأكثر، وتجعل من شعوبه كتلة قوية في مواجهة كل التكتلات الاقتصادية والتحديات السياسية في العالم ، إلا أن فكرة التوسع الجغرافي والترفع السياسي والتأثر العاطفي بالأحكام الاستبدادية التي يتشبع بها الحكام الجدد باسم الثورة الذين اختاروا ظهر الدبابة مطية للاستيلاء على الحكم في الجزائر وليبيا محاولين بناء المغرب العربي الكبير على مزاجهم وبزعامتهم وفق إرادتهم لكن النظام الملكي في المغرب كان يشكل عقبة في هذا المسار مما يجب العمل على إسقاطه على غرار نظيره في ليبيا ، وقبل ذلك ظلوا يختلفون فيما بينهم من اجل انتزاع الزعامة والاستيلاء على الكراسي ، وباختلافهم أصبح الوضع يفرض عليهم إخلاف وعودهم ونقض عهودهم مع جيرانهم وخاصة ما يتعلق بترسم الحدود بين البلدين ، الشيء الذي أدى إلى حرب الرمال التي زهقت خلالها مئات الأرواح من الجانبين ،وأحدثت في الجسمين جروحا غائرة ظلت نزعة الانتقام تراود العسكريين في الجزائر وحليفهم في ليبيا منذ أكثر من أربعين سنة من المحاولات الاستفزازية الفاشلة للمغرب بكل الوسائل لجره إلى حرب ثانية كانوا قد اعدوا لها ما استطاعوا من عدة وعدد ، تارة باستعمال كل الوسائل من اجل زعزعة استقراره والمس بوحدة ترابه ، وتارة بالعمل على الإطاحة بنظامه ،وأخرى من اجل استنزافه اقتصاديا لإضعاف قدراته على النهوض بأعبائه وجعله مطرحا يلقى إليه بازبال الفتن الداخلية ، مباشرة بعد قيام المغرب بخطوته الأولى من اجل استرجاع أرضه وتحرير صحرائه ،لكن عبقرية الحسن الثاني لم تجعله يأمن جانب الجار الشرقي أو يتغافل عما يكنه من حقد وضغينة وشر ورغبة في الانتقام ، وما دام جيش الحلفاء يتأهب للقيام بدوره لمجرد تبادل إطلاق النار بين الجيشين المغربي والاسباني كان الحسن الثاني يخلط الأوراق ويخطط لاختراق الحدود واسترجاع الصحراء بواسطة المسيرة الخضراء التي أربكت الأحزاب ، رغم ذلك فان هذه الممارسات قد خلقت للمغرب متاعب ومعانات على مدى نصف قرن من الزمان نتيجة تسامح النظام وتعامله مع هذه الممارسات بالمرونة المفرطة ،التي يراها الشعب المغربي من الأخطاء السياسية التي مددت في عمر القضية إلى مدة تجاوزت أربعين سنة
فان كانت صحراء الجنوب المغربي جراء ذلك قد كلفت شعبه ثمنا غاليا، لكن كيفما كان الحال ستبقى الصحراء مغربية وأهلها مواطنون مغاربة، يختلف أمرها بالنسبة للجارة التي صرحت أمام الرأي العام الدولي بان لا أطماع لها في هذه الصحراء، إذن فما دافعها إلى بذل ثروات الشعب الجزائري من عائدات البترول من اجل انتزاعها من مغربها، وما جزاء احتجاز مواطنين صحراويين مغاربة عن وطنهم ، امن اجل سواد عيونهم أم فقط من اجل وضعهم كحصاة في حذاء المغرب ليعطل مسيرته التنموية في هذه الأقاليم ،أم من اجل مقايضته في صحرائه الشرقية التي مازالت أرضا مغربية من جملة الأراضي المغتصبة التي لابد من استرجاعها بأية وسيلة ، إيمانا منا أن قضية الأرض والوحدة الترابية هي قضية شعب وليست قضية دولة وحسب ،ولو كان الملك الحسن الثاني يرى الأمر غير ذلك لفصل فيها بصفة نهائية خلال لقاء افران .
إذن فقضية الصحراء الشرقية يجب أن توضع على المحك مباشرة بعد إرساء قواعد نظام الجهوية المتقدمة ،وان المسيرة الخضراء التي انطلقت جحافلها أثناء عهد الحسن الثاني من شمال المغرب إلى جنوبه ، لابد لها أن تنطلق مرة أخرى من غربه إلى شرقه بحلة بيضاء أو سوداء من اجل تحرير الصحراء الشرقية وبناء جدار فاصل بصفة نهائية بالصلب والحديد والنحاس والاسمنت المسلح
فإذا كان نظام الحكم الذاتي المعروض على سكان صحراء الجنوب المغربي هو نظام لا يختلف عن النظام الجهوي المتقدم في إطار العدالة الاجتماعية واقتسام ثروة الوطن بالتضامن دون تمييز أو عنصرية ، بين من هم امازيغ وشلوح وعرب و بين شماليين و جنوبيين و شرقيين وغربيين، يعملون سويا في إطار منافسة بناءة من اجل تنمية جهوية متقدمة داخل حدود آمنة في مغرب موحد ونظام مستقر تحت الرعاية السامية والقيادة الرشيدة لضامن الحرية والساهر الأمين على وحدته الترابية صاحب الجلالة نصره الله
نتمنى مخلصين أن يتمتع إخواننا العرب والامازيغ الشاوية والقبائل وطوارق الصحراء في الجزائر الشقيقة بنفس الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، في ظل عدالة اجتماعية في اقتسام الثروة البترولية التي انعم بها الله على هذا الشعب الشقيق ،فتكفل له العيش الكريم كغيره من شعوب البترول الرافهة في حلل ألرفه والتقدم والازدهار والتمتع بنعمة الحرية والاستقرار
والشكر موصول للدبلوماسية المغربية التي طرحت قضية الشعب القبائلي على منبر الأمم المتحدة كنقطة ايجابية في سجل حسناتها ،نتمنى أن لا يدخر النظام المغربي أي جهد من اجل دعم كل الشعوب المضطهدة في أوطانها والمحرومة من ممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية والإنسانية ، في ظلمة الأحكام الاستبدادية العسكرية وشبه العسكرية المهترئة الموروثة عن المعسكرات الشرقية التي أكل عليها الدهر وشرب منذ أن استيقظت شعوبها من غفلتها واستفاقت من سباتها ،فأرادت الحياة ثم استجابت لقدرها