بقلم : جمال يجو – مستشار في التوجيه التربوي –

 جمال يجو

 

 

عدة وزراء تعرضوا للتعنيف أو قطع الطريق أو الرمي بالحجارة ، منهم رئيس الوزراء بنكيران الذي حال بينه وبين سلك الطريق مجموعة من المنادين بحق الشغل المشروع، و تعرض الوزير الوردي لتهديد و تعنيف لفظي هو و ابنته لثنيه عن القيام بإصلاح جذري لأثمنة الدواء المرتفعة، أما آخر المعنفين فهو نبيل بنعبد الله ، وكان أشد تعنيفا حيث رشق بحجارة أدمت رأسه. 

هو التسيب إذن من طرف مواطنين أو جمعويين أو مهنيين ضد وزراء معنيين بتنفيذ قوانين يشرعها البرلمان، فهل تنفع الحراسة الشخصية لهؤلاء وعددهم كبير مع دواوينهم وكتابهم ؟ أم أن مقاربة سوسيولوجية اقتصادية أمنية سياسية قد توفر مال تلك الحراسة الشخصية وتفيد هؤلاء المتسيبين ؟ 

التسيف ضد المواطنين في أوجه ، حيث أصبح تقليعة كل متسكع أو متشرد ، و نسبة هؤلاء كبيرة في مجتمعنا المغربي ، تخشى الحكومة أن تدرس وضعيتهم القابلة للانفجار، فكل من لم يجد قوت يومه أو أراد سلب غيره إلا وحمل سيفا أوساطورا أو سكينا كبير الحجم ليتسيف به على أبناء شعبه الفقراء المغلوبين على أمرهم ، وقد يتسيف داخل فكره غالبا فتاوي شيطانية تنبني على مبدأ أن “الكل شفار” ، والكل سيقول “عفا الله عما سلف وعما خلف” ، و قد يحسب ذلك “الشفار” المتسلط حسابا سهلا في ذهنه السيكوباتي بأنه رابح لا محالة من جرمه فإما سيأخذ ملايين من السنتيمات نتيجة قطعه الطريق وسطوه على المحلات ، أو يفضح و يعتقل . فإن اعتقل قد يمضي بضعة أشهر ، وقد لا يرجع المسروق، ويعاود الكرة بعد خروجه من السجن رابحا.

 بل إن هناك من يزهق الروح في جريمة قتل دون حق ، فيمضي في السجن سنين وقد يعفى عنه ، فيعود لقتل نفس أخرى دون حق ، وقد يدافع بعض الحقوقيين عن حقه في الحياة و يعادون شريعة الإعدام ، مع أن هذا السيكوباتي يعدم أكثر من مرة أكثر من نفس دون وجه حق ، ودون عقاب موقف لتمرده.

التسيف الذي تعاني منه أمهاتنا وبناتنا و أخواتنا خاصة ، قد يواكب باغتصاب أو جريمة قتل فتذبح الضحية كالكبش أو كما أصبحت تذبح الأنفس بسوريا وغيرها ، فيحتاج الأمر لسن قوانين استباقية صارمة ترفع عقوبات حامل السلاح الأبيض بأنواعه لغير غرض ذبح كبش عند جزار أو باتوار ، على أن يصاحب القانون الملزم تطبيقه عاجلا حتى لا يستفحل الأمر فينزلق من تهديد بعض الأبرياء لتهديد كل الخلق في كل وقت فتعم الفتنة و القتل، وما نحن من ذلك ببعيد قياسا على تجارب بعض الدول القريبة ، فعلى المشرع المغربي سن تنظيمات قانونية تهم ما يلي :

ü    إصلاح قطاع القضاء ونشر العدل بين المتقاضين ورفع الرشوة والمحسوبية.

ü    إصلاح منظومة العفو ومنحها بعدا استثنائيا خاصا مرتبطا بالسلامة العقلية و السلوكية .

ü    إصلاح القانون الجنائي بتجريم كل حامل للسلاح الأبيض و رفع العقوبات الزجرية والحبسية إلى أقصى حد ممكن.

ü    إصلاح قطاع السجون و نفي الفساد المنتشر بأنواعه هناك.

ü    إصلاح مساطر الاستماع و الاعتقال و التحفظ على المجرمين وعدم إطلاق سراحهم بدعاوي باطلة متسامحة وتغييب المساطر مع البعض دون الآخر.

ü    إدماج وحدات ثابتة لتدريس التربية الحقوقية ضد أنواع الإجرام في منظوماتنا التعليمية.

ü    الرفع من توظيف رجال الأمن و الدرك والرفع من أجرتهم و دعمهم وتعويضاتهم وتدريبهم على كسر شوكة الإجرام احترافيا ، و التخطيط لاستباق تكون أوكار الفساد و المخدرات و تكوين عصابات إجرامية. 

العنصر الثالث في هذا الثالوث السلبي الذي يزحف على بداية هذه السنة الملغومة 2014 هو التسيج ضد الأشقاء الجزائريين من مدينتي السعيدية و أحفير إلى بوعرفة وفجيج ، حيث تعتزم الإدارة المغربية الرد على حفر الخنادق و تهريب القرقوبي و المهاجرين الأفارقة بإقامة سياج ، قد يعود سلبا على ساكنة الحدود كما يتوجس و يتخوف سكان مدينة أحفير الحدودية التي تعتبر باب المغرب على الجزائر إلى جانب معبر زوج بغال بوجدة. حيث تقوم أنشطة المنطقة الشرقية على التكسب من تهريب البنزين ، الذي قد يعود على الميزان التجاري المغربي إيجابا حيث لا تتحمل المقاصة المغربية جزءا كبيرا من تغطية كمية مهمة من البنزين المهرب ، الذي سيعوض ببنزين مستورد بالعملة الصعبة، في حالة توقيف التهريب نهائيا. لا ينبغي أن ندافع عن شرعنة التهريب ، بل نوضح أضرار مقاربة التسييج ضد مصلحة أبناء المغرب الشرقي مع عدم وجود آفاق تشغيل و تأهيل بالمنطقة الفقيرة من كل النواحي. 

الأوضاع الأمنية في المغرب عامة في تدهور مستمر خلافا لما تريد أن تبينه وزارة الداخلية من تهوين و تقزيم لعدد الجرائم النوعية المتصاعد والمتواتر، و تبعا لذلك لا ينبغي ترك رجال الأمن وحدهم يواجهون هؤلاء المجرمين الضالين المضلين، الذين يتناسل عددهم ، نتيجة الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية، لذلك وجب تكاثف جهود كل المسؤولين وممثلي المجتمع المدني و المربين والأعيان لمساعدة الأمن والدرك كل من جهته للتخفيف من وطأة الإجرام أو الحد منه، لأنه أصبح كالسرطان المنتشر في جسد الأمة الآمنة ، وجبت محاصرته ومهاجمته و التخطيط له بخطط شبه عسكرية صارمة. 

لكن كل هاته الخطوات والخطاطات لن تنجح أمام فساد الإدارة المغربية، وازدواجية التعامل وانعدام العدل الاجتماعي و العدل في ولوج المرافق والتعامل مع المواطن، لأن أصل الداء الأول سيكولوجي يتجلى في فقدان المنحرف والمجرم للإحساس بالأمان والانتماء والوطنية ، لأنه يحس بالظلم والحكرة وأنه مسلوب الحقوق في بلده، وأن غيره يشبع وهو جائع وغيره يملك أجرة وهو لايملك درهم يومه ، وسياسة عفا الله عما سلف ، تؤدي إلى إبداع مذهب جديد هو عفا الله عما خلف.

 فدور الحكومة و الوزارات و المؤسسات جذري في هذا الباب لكسب ثقة المواطن الفقير والمعدم والمريض والمظلوم، قبل التفكير في تربيته و إدماجه، وهذا هو مربط الفرس.

و سنحتاج دوما للتذكير كحاملين للهم الاجتماعي ومفكرين في وسائل سيكولوجية ، وآليات عملية في نفس الآن للنهوض بالأمة المغربية ، على وجوب مد الوزارات المسؤولة أهمية جد خاصة لإدارتي الأمن الوطني والدرك الملكي ، لما تشكله من صمام أمان لوحدة المغرب واستقراره و التحكم في مسار الإجرام المتنامي في البؤر الأكثر تضررا اقتصاديا نتيجة انعدام فرص الشغل و انعدام البنية التحتية الصناعية و الاستثمار ، خاصة بالمدن الكبرى و بالمناطق الحدودية كالمنطقة الشرقية بوابة المغرب نحو الجزائر وإفريقيا، التي باتت تئن من توافد المهاجرين الأفارقة والسوريين ، وتئن من ولوج القرقوبي نحو أدمغة أطفالنا و عقول تلاميذ المدارس، كما ستئن و تتأثر أكثر نتيجة السياج المزمع وضعه وخنق ما بقي من نفس لهاته المنطقة المنقطعة.