بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

في إطار الجهوية المتقدمة تبدو عمالتي إقليم جرادة وجرسيف المتنافستان من اجل احتلال الرتبة الأولى في هذا الإطار، لاشك في أنهما معا تتوفران على حظوظ قد تؤهلهما لتبوئ هذه المكانة ، من حيث بنيتهما التحتية التي تجعل عاصمتي هذين الإقليمين تشهدان تقدما ملموسا يساعد على نهضة تنموية شاملة ، قد تعزز موقعهما في إطار الجهوية المتقدمة ،التي تروم إلى استقطاب الاستثمار بأشكاله وألوانه وأنواعه ، باعتباره قطاعا قد يعول عليه لتنمية الاقتصاد المحلي والإقليمي والجهوي .
ومازال تنافس الأقاليم الأخرى المنضوية للجهة متواصلا من اجل الحصول على مكانتها اللائقة بين مكوناتها داخل هذا الإطار، لتكون عضوا له وزنه وثقله في مجلس الجهة ، وإذا كانت البنية التحتية من أهم المميزات الأولية التي يمكن اعتمادها لهذا الغرض ،ومن المعايير الأساسية التي ينبغي الأخذ بها في هذا الشأن ، فان هذه المميزات والمعايير قد تكون متوفرة إلى حد ما لدى هاتين المدينتين باعتبارهما عاصمتي الإقليمين ،وان كانتا لا تتوفران على المؤهلات والإمكانات ،والموارد المتوفرة لدى الأقاليم الأخرى ،كإقليم بركان وتاوريرت على سبيل المثال لا الحصر، إلا أن سوء تدبير هذه المؤهلات ما يجعلها لا ترقى إلى مستوى تطلعات سكانها، وتصنيفها ضمن خانة الأقاليم الاقتصادية والسياحية والإدارية والصناعية والفلاحية والثقافية ، رغم كل هذه المؤهلات والموارد الطبيعية والبشرية الثمينة ،والتي تبقى في غياب حسن التدبير غير ذات قيمة أو فائدة ، بالطبع إذا كانت ساكنة هذه الأقاليم لا تنتفع منها ذاتيا ،ولا تمنعها من الهجرة وشد الرحال إلى الأقاليم الأخرى ،بحثا عن لقمة العيش الغير متوفرة .وما دام مستثمروها لا يحصلون على مساعدات مادية ومعنوية ،ولا يلاقون تشجعيات إدارية من اجل إنجاح مشاريعهم التجارية والصناعية والفلاحية والسياحية وغيرها ،حتى يمكنها احتضان طاقاتها وكبح نزيف أدمغتها المهاجرة ،فإذا كانت الدولة تشدد على عدم تهريب العملة الوطنية ،فان هذه الأدمغة في اعتقادي هي ثروة وطنية تفوق قيمة كل ثروة طبيعية أو صناعية أو فلاحية ،ولا تقدر قيمتها بثمن. ومن أهم الآليات والثروات الخام التي ينبغي العناية بها ويجب رعايتها ،كما يعتبر التفريط فيها خسارة لا تعوض لأقاليمها
فإذا كان هذا البلد قد يعاني من خلل ما في مجاله السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي، فقد يكون ذلك ناجما دون شك عن خلل ما في مجاله الثقافي ،مما يتوجب معه على مدبري الشأن المحلي أن يولوا اهتمامهم إلى تنمية هذا المجال وان يوجهوا عنايتهم بالأجيال الصاعدة ، و يؤمنوا بان ثقل الأوطان يزان بميزان المثقفين فيها ،من علماء ومفكرين وأطباء ومهندسين وأدباء ومعلمين ،كل هؤلاء يعتبرون ضمائر المجتمعات ،وبصائر الأمم ،وذاكرة الشعوب ،وبالتالي دواليب في محركات التنمية. فان نهضت تنهض بنهضتها الأوطان ،وان خملت تعشش في أركانها العناكب ،ويبول على فراشها الزمان .فلا أحيا الله امة جاهلة تعتمد في ولوك طعامها على أسنان مصطنعة، ولا بورك في مجتمعات خاملة تعيش على ما تستورده ،ولا تنتج ما تستهلكه. فيحق عليها أن تستعبد ويجمل بها أن تستعمر
فهل يكون مدبرو الشأن المحلي في إقليمنا على وعي مما ذكرناه ،وكانوا قد اعدوا عدتهم لكسب هذا الرهان الذي ينتظرهم ،أم كانوا يحسبون إدراك المعالي بالتمني واستئجار الكراسي قد يغني عن الجد في الجد. أم كانوا يضنون خسارة الحرب وربح المعركة سيان ،أو كانوا يرون ربط المسئولية بالمحاسبة سيبقى مجرد حبر على ورق إلى مالا نهاية ،أم يكون من السياسة ومن الكياسة ومن الفراسة أن يخلوا المكان ويمنحوا الفرصة لمن يجدون لذيذ العيش في النصب
نجدد دعوتنا للصقور أن يخلوا الجو للعصافير، ويسمحوا لها ببعض الوقت لتنشر أجنحتها فترفرف وتصفر، ويمنحوا لها قليلا من الحرية لتغرد وتعبر.