بقلم : عزالدين قدوري

11057831_1601930803381666_8635977293548013515_n

 

بالأمس وبينما كنت انتقل في قراءتي بين المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية وقعت عيني على صورة لإحدى فرق المسرح بمدينة تاوريرت خلال سنوات السبعينات وقد ساقتني إلى صفحة الناشر مثيرة فضولي للاطلاع على المزيد من هذا الأرشيف الغني الذي يؤرخ لفترة النشاط الثقافي والفني … الذي جعل من مدينة صغيرة أنداك وسط مدن المغرب الشرقي يكون لها صدى و إشعاع على المستوى الوطني رغم قلة الإمكانيات المادية والمعنوية.
الشئ الذي دفعني إلى طرح سؤال قد لا أكون أنا الأول أو الأخير الذي يطرحه بعد الاطلاع على كل تلك الوثائق الحية والاستماع إلى تلك الشهادات التي تؤرخ لمرحلة مجيدة بمدينة تاوريرت .
لكن مهما كان مستوى الثقافة والفن والرياضة والكتابة الأدبية والشعرية ومختلف النوادي الإبداعية بمدينة تاوريرت خلال تلك الفترة فقد باتت جزءا من حكايات وتاريخ الماضي الذي وان كان يجعلنا نفتخر به إلا انه من ناحية أخرى يجعلنا نأسف و نتألم قمة الألم لما يعانيه اليوم بهده المدينة .
طارحين الآلاف من علامات الاستفهام حول هدا الركود الثقافي الذي باتت تعيشه مدينة تاوريرت ، فلم نعد نسمع عن تنظيم جولات مسرحية أو أمسيات شعرية أو ندوات فكرية كما في سابق عهد هذه المدينة المنكوبة ثقافيا .11084264_1601934856714594_6463122219276007075_n
– فما أسباب هذا الكساد الفني والثقافي ؟
بالرغم من تباين الأجوبة على هدا السؤال و من خلال استطلاع للرأي مع بعض المهتمين من الشباب والمثقفين وقدماء الفاعلين الجمعويين بمدينة تاوريرت إلا أنهم اتفقوا على أن توقف عجلة الإنتاج الثقافي بهذه المدينة توقفا كليا يعزى في حقيقة الأمر إلى مجموعة من الأسباب المتداخلة ، الكل يتحمل فيها المسؤولية الكاملة انطلاقا من المواطن التاوريرتي ووصولا إلى المعنيين و الساهرين على الشأن الثقافي . وهذا يبين أن المتأمل في المشهد الثقافي بتاوريرت لا يحتاج إلى عناء كبير ليدرك ما تعانيه الساحة في مختلف الفعاليات والأنشطة الثقافية .
وذلك ما يجعل الأسباب و الآراء وزوايا الرؤية تتباين من شخص لأخر حسب اختلاف التوجهات والاديولوجيات ، إذ يرى البعض أن الدور الكبير وراء هذا الكساد الثقافي يرجع بالأساس إلى الحالة الاقتصادية لمعظم سكان المدينة الكادحين من اجل توفير لقمة العيش ونظرتهم إلى الثقافة والفن نظرة دونية بمعيار مادي يرفضها رفضا مطلقا مادامت هذه الثقافة لا تسمن ولا تغني من جوع ، أما من حيث العمل الجمعوي كما قال احد الشباب فبالرغم من وجود بعض الوجوه الثقافية القديمة التي لا زالت تناضل في صمت بتمويلها المادي الخاص وتقاوم من اجل الخروج من هذا المأزق رغم كل الظروف فلا زال المشهد الثقافي بالمدينة يسير إلى الانحطاط بسبب التكاثر الغير العادي للجمعيات ذات الصفة النفعية وحمل شعار التنمية مغطية على العمل الجمعوي الجاد . في حين يرى البعض الأخر أن هذا التصحر الثقافي جاء نتيجة لتقصير المؤسسات المعنية بالنهوض بهذا الحقل واكتفائها بالتسيير الإداري فقط . دون وضع مخطط استراتيجي للثقافة في تنوعاتها سواء في شقها الإبداعي أو في شقها التنظيمي .1560750_1601947133380033_372964596661336392_n
كل هذا فيبقى الجواب و السؤال اللذين يطرحا نفسيهما دائما لدى تلك الفئة المتفائلة المقاومة لكل أشكال الفساد من خلال تنظيم تظاهراتها الفنية والثقافية والرياضية المتطلعة إلى مستقبل أفضل. هما :
هل هذا المشهد الثقافي المتصحر يبرر حالة الإرباك التي تعيشها الساحة الثقافية بتاوريرت؟
يبقى هذا السؤال قائما وأجوبته متعددة بتعدد وجهات وزوايا النظر ، لكن وكما قال احد المهتمين بالشأن الثقافي المحلي ، فمهما كانت العوائق ومهما كان تقصير الجهات المسئولة فان المبدع و الفنان والرياضي و المثقف الحقيقي يبقى متمسكا بحقه في الاستمرار والوجود ويناضل ضد كل العوائق التي قد تقف أمام قدرته على العطاء شعاره في ذلك هو العمل الجمعوي من اجل العمل الجمعوي ، والفن من اجل الفن ، والثقافة من اجل الثقافة …
والعبرة يجب أن تؤخذ من جمعية مسرح الأمل التي استطاعت أن تصنع لها ولمدينة تاوريرت صدى ثقافيا على المستوى الوطني رغم كل العراقيل والظروف الصعبة التي واجهتها خلال سنوات السبعينات .
فكما يقول المثل المأثور
” لا يقاس النجاح بالموقع الذي يتبوأه المرء في حياته .. بقدر ما يقاس بالصعاب التي يتغلب عليها ..!!”

و ” إن غرست اليوم شجره تنم في ظلها غداً . “

ملحوظة : الصور المرفوقة لفرقة مسرح الأمل بتاوريرت خلال سنوات السبعنات .