بقلم : قدوري عزالدين

السرقة الادبية

 

 

يعرف الإطار الثقافي بالعالم العربي عموما وبالمغرب على الخصوص حركة ديناميكية وانفتاحا موسعا أسهمت فيه مجموعة من العوامل و الوسائل كانتشار المطابع ودور النشر والمجلات والصحف إلى جانب تقنيات الانترنت من حيث تعدد مواقع التواصل الاجتماعي  والجرائد الالكترونية التي تسجل لها نقطة ايجابية في فسح المجال أمام جل الطاقات الإبداعية القديمة منها والحديثة والكشف والتنقيب حتى عن الطاقات التي لم تخرج بعد إلى النور ومدها بتقنياتها المتطورة في التدوين والنشر والتسويق والانفتاح على الأخر ونفض الغبار عن روائع التراث العربي الذي تزخر به مكتبة ثقافتنا العربية والإسلامية .

كل ذلك يعزى وبحسب شهادة جل المهتمين بالشأن الثقافي إلى تطور وسائل الإعلام الالكتروني وعلى رأسها الشبكة العنكبوتية التي بفضلها غدت أبواب الإبداع مشرعة على على سعتها أمام الجميع الشئ الذي جعل بعض المختصين يعتبرونها من حسنات هذا العصر بل هناك من أطلق عليها اسم الربيع الالكتروني ولكن من منظور أخر وحسب ما كشفت عنه عبر التاريخ عدة دراسات وبحوث فما من ميدان إبداعي كان يشهد حركة ازدهار وتطور إلا وكانت تصاحبه العوائق التي تعرقل سيره وتقف حاجزا أمامه كما كشف عن ذلك النقد العربي القديم والحديث والذي جعل من أولى أولوياته و انشغالاته التصدي لتلك الإشكالات وتلك الشوائب كقضية اللفظ والمعنى ، المطبوع والمصنوع ، واللياقة الأدبية و الأخلاقية ، ومبدأ الجودة المثالية ، ومشكلة الأصالة والانتحال والتي هي صلب موضوعنا . هذه المشكلة التي استفحلت في الماضي بشكل كبير و انتشرت انتشارا واسعا كان يراد من ورائه الربح المادي و المعنوي وتحقيق الشهرة عن طريق السطو على العمل الأدبي أو الفكري أو جزء منه ونشره باسم غير اسم صاحبه الحقيقي .

وقد كانت لهذه الظاهرة الأدبية الممقوتة في ميدان الإبداع نتائج سلبية أثرت على نفسية المبدعين ضحايا النحل والسرقة الفكرية الشئ الذي دفع العديد من النقاد القدامى إلى تخصيص كل جهودهم و طاقاتهم واستنفاد سنوات حياتهم لمحاربة هذه الظاهرة الأدبية وإرساء قواعد السيطرة عليها من جميع النواحي نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر :

–         محمد بن احمد بن طباطبا

–         الحسن بن بشر الامدي

–         القاضي عبد العزيز الجرجاني

–         محمد بن سلام الجمحي

وقد نجحوا في مهمتهم لما وضعوا من قواعد وضوابط للكتاب والرواة فلم يدعوا أي منفذ أمام  رواد النحل والانتحال والسرقة الأدبية المتطاولين على الإبداع الأدبي والفكري . وبذلك أصبح مجال الإبداع لا يفتح مصراعيه لكل من هب ودب بل إلا أمام من كان مؤهلا له ولا تسمح الاستعانة بإعمالهم في أعمال أخرى إلا داخل إطار محدد وبشروط أساسية متفق عليها ، شروط ظلت سارية التطبيق إلى عصرنا هذا وقد زكتها أعمال باحثين ونقاد معاصرين ووضعت لها قوانين وضوابط أهمها الإحالة بشتى أنواعها والتي تختلف وتتعدد بحسب تعدد وتنوع المصادر والمراجع ( كتب ، مقالات وبحوث ، مقالات شخصية ، مواقع الكترونية ….) وهي جلها تتفق وتلتقي عند ضرورة ذكر :

–         اسم المؤلف

–         عنوان الكتاب

–         رقم الصفحة

–         رقم الطبعة

كل هذه الجهود من طرف النقاد والباحثين القدامى وحتى المحدثين تعتبر مجهودات محمودة محترمة لما لها من هدف نبيل في حماية الملكية الفكرية و خلق الظروف الملائمة للمجال الإبداعي والاضطلاع به و الحيلولة دون عمليات النحل و السرقة الفكرية . لكن ورغم كل ذلك يبقى هذا الميدان وهذا المجال في حاجة ماسة إلى تحديث وتجديد آليات ووسائل الحماية ووضع قوانين لردع كل من سولت له نفسه القيام بمثل هذه المماؤسات خصوصا في عصرنا الحالي ومجتمعنا العربي و المغربي على الخصوص لما عرفته الساحة الثقافية في الآونة الأخيرة من عمليات سطو وسرقة أدبية استعان فيها المترامين على الملكيات الأدبية والفكرية بالجانب السلبي للشبكة العنكبوتية التي كانت سببا رئيسيا في تكاثرهم وانتشارهم بشكل ملفت وممارستهم لعمليات الانتحال والسرقة على نحو رحب ظنا منهم أن ليس هناك رقابة وليس هناك متتبعين لشأن الثقافي والدليل على ذلك ما حدث مؤخرا حين اتهمت شهرزاد الكاتبة الإماراتية لبشرى ايجورك الكاتبة المغربية بالسرقة وتوعدتها حسب بعض المصادر الإعلامية بمتابعتها قضائيا أمام المحاكم . 

إلى هنا ونظرا لاستفحال هذه الظاهرة الأدبية والتي انتشرت بشكل مهول وخطير أصبح يهدد استمرار المبدعين الحقيقيين في الممارسة الأدبية . يبقى السؤال المطروح

–         إلى متى تبقى هذه الممارسات مستمرة ؟

–         و كيف سيتم ضبطها في خضم التشعبات التي تعرفها خيوط الشبكة العنكبوتية يوما بعد يوم ؟.