بقلم : عزالدين قدوري

تاوريرت

 

كما تمت الإشارة في خبر على موقع تاوريرت بريس حول تنظيم منتدى بمقر عمالة تاوريرت بعنوان برنامج التدريب الترابي والدي جاء بهدف تحفيز الحوار بين الجماعات المحلية والمجتمع المدني من اجل تضافر الجهود اللازمة لتحقيق التنمية البشرية المستدامة بالمجال الترابي .والدي تم خلاله تنظيم ثلاث ورشات كانت أهمها ( ورشة البناء و ممارسة القيادة في المجال ) والتي تم فيها التركيز على دور القيادي . إلا أن هدا العنوان الضخم الفضفاض لا اضن أن مدة نصف ساعة تقريبا كافية لأخذه بالمناقشة . خصوصا وان هذا الموضوع كانت له دراسات فلسفية وفكرية مند زمن كونفوشيوس واستمر البحث فيه لعقود طويلة إلى أن تم تناوله بالبحث المنهجي من قبل العلماء ابتداء من القرن التاسع عشر .
لقد حضي موضوع القيادة باهتمام مختلف الفلاسفة و المفكرين والعلماء على اختلاف مناهجهم وانتماءاتهم الى الحقول العلمية أو الاديولوجية و الفكرية … فكان أن اعتبرت ( القيادة ) من قبل علماء النفس محرك أساسي لتنشيط الجماعة . وعلماء التواصل يعدونها وسيلة مهمة من وسائل الاتصال الناجح أما علماء الاجتماع فيعتبرون كل فرد من داخل الجماعة فهو عنصر أساسي في انبثاقها كظاهرة اجتماعية ….
فما معنى أن تكون شخصا قياديا ؟
لقد اتفقت معظم البحوث و الدراسات حول مفهوم القيادة على انها الرغبة الأكيدة للشخص في مساعدة الجماعة والسعي بأفرادها نحو الاتجاه المرغوب الذي يتوخون منه تحقيق هدفهم المشترك .
ادن فالقيادة هي دور حيوي وأساسي من داخل كل جماعة جماعة سواء كان هذا القيادي شخص منتخب أو إنسان جمعوي أو غير ذلك . فهو يبقى شخص قيادي له دور حاسم كلف به بناء على مجموعة من الشروط التي استوجبت دوره كقيادي بعدما توفرت ضمن تركيبته الشخصية وهذه بعضها :
– الصدق
– القوة
– العدل والمساواة
– الحزم
– الايمان والخوف من الله قبل اتخاذ أي قرار ….
إن هذه المبادرة التي تم تنظيمها بمدينة تاوريرت تبقى خطوة مستحسنة خصوصا وأنها تستهدف عينة من سكان الإقليم والتي أنيط بها تسيير الشأن المحلي وتنشيط الساحة الثقافية والاجتماعية …..
لكن السؤال المطروح
– قبل تنظيم لقاء بهذا الحجم هل تم تهيئ أرضية مناسبة له ؟
إن فكرة القيام بدورات تكوينية أو تأطيرية حول مفهوم القيادة وأسسها و تقنياتها يستوجب أولا وقبل كل شئ تهيئ أرضية صلبة لنجاحها وذلك من خلال إعطاء هذه المهمة لأشخاص في مستوى المسؤولية أشخاص مثقفون ملمون بمختلف المعارف والآداب التي تمكنهم من التواصل مع مختلف شرائح المجتمع و استيعاب أفكارهم ومبادئهم لتحقيق نظرة من فوق ، نظرة شاملة ، كما هو الشأن بالدول الغربية التي نجد بها من الشروط المنصوص عليها قبل تسليم القيادة توفر الأهلية من حيث المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي و قوة العزم ، والصبر المتواصل، و الصفات النفسية والخُلُقية والخَلْقية و نجد القيادي يتقن فنون التعامل و التواصل مع الجماعة ، وحسن التوجيه، والتخطيط السليم، ذا إدراك عميق لمجريات الأمور، ، والتحديات التي تقابله.
والمتتبع لشأن الوطني و المحلي بمدينة تاوريرت على الخصوص ، يلاحظ انه شتان بين القياديين الحقيقيين الذين شاركوا و اندمجوا و احتكوا بمختلف فئات المجتمع ، وصاغتهم التجارب . وبين القياديين بإقليمنا الدين يعيشون في كوكب بعيدا عن كوكبنا . و يغردون دائما خارج السرب .
إن إقليم مدينة تاوريرت يفتقر ، بل تنعدم فيه مراكز خلق العناصر القيادية الصحيحة التي ستحمل لواء المستقبل بسبب وجود مجموعة من العناصر المتعصبة إيديولوجيا وحزبيا والتي قامت بالسيطرة على اغلب مراكز التكوين و التنشيط الثقافي والاجتماعي بالمدينة بطرق مباشرة أو غير مباشرة وأصبحت تعمل على توجيه النشأ الجديد نحو اتجاه بعيد كل البعد عن ما هو ثقافي و اجتماعي من شأنه أن يخلق جيلا واعيا يهدد مصالحها الشخصية التي بنت صرحها لسنوات طويلة والدليل الصارخ والذي يقف شاهدا على ذلك متمثل في التهميش المتعمد لكل الطاقات الأدبية والفكرية والفنية و الرياضية التي كانت في الماضي سببا في إشعاع المدينة على مستوى الوطن رغم صغر مساحتها أنداك. في حين نجد الجهات القيادية اليوم لا تهتم سوى بمصلحة المقربين والموالين لها الذين ينظمون أنشطة شبه ثقافية لا تليق بمستوى المدينة وساكنتها وكل ذلك طبعا من اجل بقاء قادتها في القمة و الريادة . دون الاهتمام بمصلحة الأغلبية الساحقة التي تضم شباب حامل للشهادات الجامعية والمهنية ، عمال وفلاحين . جنود ومقاومين ، صناع وتجار …
إن هذه الممارسات المتعمدة للقياديين الحاليين بمدينة تاوريرت تعكس بشكل جلي وواضح غياب الايجابية وروح المبادرة إلى مصلحة العامة لديهم وذلك بسبب برمجة هدفهم نحو تحقيق المصالح الخاصة ولا شئ أخر غير المصلحة الخاصة . ومما يؤكد قتامة هذه الصورة هو ما تعرفه المدينة من احتجاجات ضد بعض الجمعيات و بعض القياديين الدين يسيرون عكس الاتجاه رغم كل ما استلموه من تنبيهات وملتمسات و ملفات مطلبية .
عموما فالموضوع يبقى فضفاضا قابل للمزيد من النقد والتحليل والمناقشة . ومقالتي هاته كانت بهدف الإشارة و رسم الصورة الحقيقية لساحة التاوريرتية
التي بدأت تعرف في السنين الأخيرة فراغا روحيا وفكريا وانتشار الأفكار السطحية لدى الشباب وهجر القيم الأخلاقية و العقدية الناتجة عن عدة عوامل كسوء التدبير والتسيير للشأن المحلي إضافة إلى القهر والفقر والفساد الذي تعانيه مجموعة من الميادين المكونة لهذا النسيج الاجتماعي . وهذا ما يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر الذي يهدد شباب المدينة الذي بات يلجأ إلى الإدمان والانتحار كحل انهزامي هروبا من الواقع المرير وهذا ما يجعلنا أيضا نلح بشدة على ضرورة إعطاء هذه المعضلة حقها من الاهتمام والبحث الجاد و الإرادة الصلبة لإيجاد حلول جوهرية من شأنها تكوين ثمرة شباب قيادي فعال ذو همة عالية عسى أن يجعل الله فيها صلاح هذه المدينة بعدما ضاقت أرضها وعسى أن يكونوا سببا في استرداد مجد مدينة تاوريرت الضائع .