بقلم : الخضير قدوري

taourirtpress

 

 

        ورحم الله من قال في حقهم ، لا تأسفن على تقلب الزمان ،لطالما رقصت على جثث الأسد البراهيش .ولا تحسبن برقصتها تعلو على أسيادها، بل ستبقى الأسود اسودا، والبراهيش  براهيش .

في زمن التسيب ورداءة الأخلاق ،وباسم حرية التعبير أصيب بعض الخفافيش بصدمة القبس الحضاري ،وهم يحاولون إدراك المعالي دون تعب وركوب المطايا دون سبب. ومنهم من يبحثون عن الشهرة في خضراء الدمن ،والزعامة دون ان يقدموا لها البرهان، ويحبون الإمارة  ولو على الحجارة. انهم مساكين…

  في ظل حرية النباح ينبغي للعقلاء متى اعترض سبيلهم هؤلاء البراهيش أن يتبينوا قبل أن يصابوا بسعارهم  فيصبحوا بعد ذلك  نادمين. وللعظماء أيضا أن  يتسنموا مطاياهم ويمروا بقوافلهم ،تاركين البراهيش تنبح وتعظ على أثارهم     

   وما ينبغي لأنصار النبي محمد صلى الله عليه وسلم  في زمن التسيب  وحرية الكلام المباح ،أن يتركوا الجواب عن الجاهلين فهو الجواب ،وبذلك يمكن لذي عقل سليم ان يفرق بين العالم والجاهل ،وبين الذكي والغبي، والبليد والسوي .أولئك من جعلتهم الحضارة وحرية التعبير يتيهون في كل الاتجاهات ،لا يعلمون الشمال ولا الجنوب، ولا الشرق ولا الغروب ،ولا حدودا على الأرض للتحرر والتسيب.

   باسم حرية التعبير ينهش البراهيش في أعراض المشاهير من الرسل والأنبياء ،الى العلماء والفقهاء ،والكتاب والأدباء ،فالى عظماء  الرجال والنساء .حتى بات اللاديني يسخر من الأديان، كلا أخلاقي  يهزأ من الإيمان ،وكفاسق يخبر بلا بيان ،ويحسبون إدراك المعالي بأقوال الزور والبهتان، ومراكمة الثروات بالنصب والاحتيال والضحك على الأذقان  وخداع ضعفاء الإيمان.

         فإذا كانت الصدمة الحضارية من تسمو بالبراهيش الى سماء حرية لا منتهية في القول والفعل، وتدفع بالخفافيش إلى الخروج من ظلمة الكهوف فقد  حق على الأسياد  امتلاك العبيد  والرجوع إلى زمن التسيب، الذي يرقى بهم إلى أعلى مراقي العبودية ،حيث يبقى السادة سادة والعبيد عبيدا .

    فأما اذا كان بطون الأقلام الحرة مليئة بالحبر النقي ، وكانت  قلوب  المتماسكين بها مليئة بالأحقاد الدفينة، وأنيابهم تتقاطر سموما معتقة ،فليبقي مرد ذلك للسيوف القاطعة ،وهي ادعى للشر والانتقام وسفك دماء الحاقدين وقطع السنة الحاسدين .

    واذا كان واجب الدفاع عن النفس حقا مشروعا ،فلم لا يكون واجب رد الخطر عن النفس كذلك ،وإذا كان علاج المريض واجبا مفروضا، فلم لا تكون الوقاية من مرضه أفضل. وإذا كان أصل الحرب كلمة فلم لاتزان الكلمة بميزان الحذر من وقوع حرب قد لا تبقي ولا تذر. وإذا كان أصل الحريق شرارة ،فلم لا يتقى شر الشرر. ولم لا تكون مراعاة كل هذه الأسباب لتكون حصنا حصينا لحرية التعبير من كل هذه الشرور، التي يجب ان تتوقف عند حدود ما يحذر منه دون الوصول الى مغبة كل ما يوضع دونه خط احمر. فحرية التعبير ليست في التطاول على حرية الآخرين، ولا في تجاوز ما ذكر، وتخطي السياج الموضوع حول حديقة المرء وكسر باب غرفة نومه، وفي هذه الحالة قد لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يراق على جوانبه الدم .وبذلك  يتميز الإنسان العربي والإسلامي على غيره بقولهم “اقتلوا من لا غيرة له ” ليس في القول ما يدعو للإرهاب والتحريض على العنف، وإنما بالتسامح المطلق لهؤلاء صنفوا ضمن خانات الجبناء المستضعفين في الأرض، رغم كثرتهم  التي تتجاوز نصف سكانها، لقد كان للتسامح الإسلامي والمسلمين أيضا حدود عليا لا ينبغي تجاوزها الى مستوى الإفراط  والتفريط . وحدود دنيا  لا ينبغي  النزول عنها الى مستوى الذل والخنوع والاستكانة، في ظل ما يسمى أيضا بحقوق الإنسان على الإنسان ،وحقوق الكبار على الصغار، والأقوياء على الضعفاء ،والأغنياء على الفقراء، وكل ما دون ذلك فهو في شرعهم إخلالا بمبدأ حقوق الإنسان وحرية التعبير، فهل كانت حبة القمح مقسمة بالفطرة العادلة إلى نصفين ،نصف لهم والأخر للآخرين. فمتى كان للفقراء حقوق على الأغنياء فأنصفوهم، وللضعفاء واجبات  على الأقوياء فنصروهم، ومتى كان ذلك ولم نكن أغبياء فنؤمن بقوله تعالى  «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم»    لقد نصر الله دينه ورسوله  ولن  ينصر المتخاذلين ،وقد لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .فهل كنا على التغيير قادرين .؟ ام لمجرد كوننا ببغاوات نردد ما نلقن  من الشعارات، ونستهلك ما يصدر إلينا من المعلبات السياسية والثقافية ومن تعاليم أسس الديمقراطية الغربية .ولبس ما يفصل لغيرنا من ملابس الموضة بغض النظر عن مقاساتنا ،ولكن متى كانت نسبة الأمية التي حطمت قوائمنا ، والجهل الذي كسر أجنحتنا، دون سبعين بالمائة في وسطنا فنتحدى بفضل العلم والمعرفة كل ما يفرض علينا .