بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

يجب على المثقف العربي والأوروبي على حد سواء عدم الانسياق بالعاطفة وراء ما يحدث في العالم من جرائم باسم حرية التعبير واستفزاز الآخرين من اجل ابتزازهم فقضية جريدة شارلي ابدو الساخرة من الأديان والدين الإسلامي على الخصوص قد يعز علي ذكر هذا الاسم ولكن لاباس من أن أساهم بدوري ليس جهلا مني في تشهير هذه الجريدة التي أصبحت تتوق بعد الحادث الأخير الذي هز المجتمع الفرنسي لا أقول هو عمل شبه مفتعل إلى إصدار أكثر من مليون نسخة كما حصلت على ألاف الاوروات من بعض دول أوروبا إنها لعبة ناجحة إلى حد ما استطاعت أن تحرز بواسطتها هذه الجريدة ربحا ماديا وثروة طائلة على حساب شباب متهور ومتعصب لدينه أو عرقه هذا التعصب الذي يعتبر في شرع  الآخرين في بدايته عملا عنصريا قبل أن يتحول إرهابيا ربما يكون هؤلاء ضحايا بدافع من الدوافع الاجتماعية وقد تم استغلالهم بهذا الأسلوب البشع من طرف تنظيمات متطرفة ترمي إلى أهداف مختلفة غالبا ما تكون هذه التنظيمات ممولة من جهات سياسية .

   فالإسلام والدين الإسلامي والعقل العربي الناضج لم ولن يكون بهذه السذاجة ليعطي الفرص للبعض من اجل استغلاله سياسيا وماديا فجد نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام قال قولته الشهيرة لصاحب الفيل الذي جاء من اجل دك أركان  الكعبة حتى يمكنه بذلك تغيير وجهة الحجاج عن الجزيرة العربية  نحو كنيسة كان يعتزم  بناءها في الحبشة وقد كان الهدف سياسيا واقتصاديا دون أن يكون دينيا  وقبل أن يصل إلى هدفه   وجد بجواره إبلا ترعى هي في ملك عبد المطلب جد النبي وقد تولى حجزها وهو يرمي بذلك إلى  استفزاز صاحبها باعتباره سيد مكة حينما دعاه صاحب الفيل وخيره بين الإبل وهدم الكعبة لكن بفضل تدبره ورجاحة عقله  وحنكته السياسية  أجابه بقوله المشهور ” أما الإبل فإنها لي وأما البيت فان له ربا يحميه ” وفعلا كان للبيت ربا فحماه قد حدث هذا قبل الإسلام وأما بعده فهو قائم بذاته وقد نصره الله انه ليس في حاجة إلى دعم أو مساندة  وقد جاءت سورة الكافرين لتكون الحكم الفاصل بين هؤلاء وغيرهم من المؤمنين والمسلمين – لكم دينكم ولي ديني ـ  ما أنا بعابد ما تعبدون ولا انتم بعابدين ما اعبد ـ وانتهى الأمر الذي كانوا فيه يختلفون  ـ لقد هدى الله عباده النجدين فمنهم  مؤمنين ومنهم كافرين ـ ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم عليهم بمسيطر في إيمانهم واعتقادهم فالمسلمون اليوم أو قبله لم يكونوا إرهابيين ولم يكونوا مشاغبين ولم يكن مطلوبا من احدهم  أن يخلف خير البرية  في مهمته بعد أن اكتمل من أداء رسالته  ثم حكم على من يبتغي غير الإسلام  دينا  فانه لن يقبل منه وقد حسم الأمر .

       هذا رأي معظم فقهاء الإسلام المتشبعين بمبادئه ومعظم المقتنعين بأهدافه وما خلق الله للجنة ولجهنم إلا لتكونا مأوى خلقه وليس فيهم من سيظل بينهما دون مأوى  ولا تزر وزارة وزر أخرى .

   لكن بالنسبة لبعض المسلمين المتعصبين لهذا الدين قد لا يتوغلون بأفكارهم إلى هذا الحد الذي صار إليه منفذوا عملية الهجوم على إدارة هذه الجريدة المشاغبة وليست الأولى ولا الآخرة من تتعرض لمثل هذه العمليات في العالم والتي تستغل تسامح المسلمين وترفع الإسلام عن مثل هذه الأعمال لكن استفزازهم بالقذف والشتم والتشهير السيئ بنبيهم ورموز دينهم  طبيعي أن يكون عملا  من المنتظر أن يكون الرد قاسيا لأنه  مؤذ للمشاعر ولو فرضنا أن محمدا صلى الله عليه وسلم  مجرد زعيم حزب سياسي وتعرض لمثل هذا الاستفزاز دون شك سيكون رد   مناصريه اشد مما قام به هؤلاء الشباب فما بالك بنبي ورسول امة تتكون من مليار ونصف نسمة يقدسونه وهم أنفسهم لا يجرؤون على إظهار صورته في أبهى حلله على أي شريط سينمائي فما بالك بمن يفعل ذلك في أبشع صور لا تليق بمقام أي نبي أو رسول ما يعني ذلك عدم احترام مشاعر المسلمين ومن لم يحترم لا يحترم ولا يعتبر القذف والتلاعب بصور أناس وتشويه خلقتهم حرية في التعبير استسمح وأنا اعلم أن  لكل شخص حريته وحرية كل شخص قد تنتهي عندما تبتدئ حرية الأخر لطالما انذر أصحاب هذه الجريدة واخبروا بان ما يقومون به هو عمل مستفز ومؤذي لمشاعر المسلمين الم يكن لهم شان أخر أم كانوا لا يجدون مادتهم الدسمة في غيره  ولكن حينما يصبح النهش في أعراض العظماء سبيلا إلى ابتزازهم قد لا يكون ذلك عملا يذر عليهم الربح دائما على حساب المقدسات والأعراض والشرف الرفيع الذي لا يسلم من أذى أمثالهم  حتى يراق على جوانبه الدم فإسلامنا  يدعو إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة ويدعو إلى التعايش والتسامح ويحرم قتل الأنفس  واقتلاع الأشجار وهدم بيوت العبادة وقذف المحصنات ونبذ العنف بأشكاله وألوانه إلى غير ذلك  لكن لما يكون الطرف الأخر عن كل ذلك في صمم  هدفه الاستفزاز من اجل الابتزاز في ظل ما يسمونه في شرعهم حرية التعبير كان أولى بهؤلاء أن يعلموا أن حرية التعبير يجب أن يكون لها حدود على الأرض وليس على الفضاء اللامحدود واللامنتهي لست مدافعا عن الإرهاب والإرهابيين ولست متعصبا لدين الإسلام والمسلمين ولست ممن يدعونهم إسلاميين ولا ممن يسمونهم  اسلاماويين أو شيئا من ذلك القبيل ولكن إذا كان هؤلاء الشبان إرهابيين أو إسلاميين أو متطرفين أو يسمونهم كما يشاءون فكيف نسمي من يستفزهم ويؤذي مشاعرهم ويقذف في دينهم وأصولهم ولا ترقى أفكارهم إلى رقي من يحاورهم من فقهاء المسلمين وعلماء الدين الذين طالما حذروا من مغبة التطاول على مقدسات المسلمين الذين يكنون لكل الأديان احتراما موسعا ويتعايشون معها كأناس متحضرين وديمقراطيين قد لا يهمهم أن يكونوا يهودا أو نصارى أو ملحدين لكل دينهم ومعتقداتهم وهم لا يجبرون أحدا  على أن يترك دينه كما لم تتناول الصحافة العربية ولا الإسلامية ولا الكتاب أو الأدباء أو أي مفكر عربي أو إسلامي أي نبي بهذه الوقاحة التي يتناول بها أمثالهم في الغرب نبي الإسلام على غرار سلمان رشدي وأتباعه فإذا كان الغرب يعتبر الإسلام وحده من يصدر الإرهاب يجب أن يعلم بان اللادينيين هم من يصنعون الإرهاب باستفزازهم لمتطرفي كل الأديان من اجل ابتزازها ماديا واستغلالها سياسيا هذا لا يعني عدم تضامننا مع الشعب الفرنسي الصديق والشقيق ومن نشاطره في صرائه وضرائه وسنبقى ونظل نندد بكل عمل إرهابي يضر بالمجتمعات في العالم أيا كان لونه واصله وفصله وضد كل استغلال سياسي وربح مادي لسذاجة منفذي مثل هذه الأعمال باعتبارهم مجرد آلات مأجورة متحكم فيها عن بعد من طرف ذوي المصالح الخاصة الغير المتخلقة والتي لا يهمها التقتيل ومصير القاتل والقتيل واستقرار المجتمع أو خسارة الدولة بقدر ما يهمهم الربح المادي والمنصب السياسي ومراكمة الثروة بذلك ننتهي إلى قناعتنا بان الإسلام كان ضحية فكر إرهابي قبل أن يتحول هذا الفكر إلى عمل إرهابي ومن ينفذه أشخاص باعتبارهم مجرد آلات متحكم فيها عن بعد بدوافع سياسية واقتصادية  فهل يمكن القضاء على هذه الدوافع والأسباب والعمل على تعطيل كل الآلات المتحكم فيها بذلك قد تنتهي  كل الأعمال الإرهابية التي تبث الكراهية في المجتمعات وتهدد الأمن والسلم  و تروع  العالم