بقلم : عزالدين قدوري

تاوريرت بريس

 

 في البداية لابد من الإشارة إلى أن العنوان الذي اقترحته لمقالي ، جزء منه هو عنوان لمبحث فلسفي ” جدلية العبد والسيد ” الذي خاض فيه فلاسفة ومفكرين و باحثين  كثر ، ولا زال مثار جدل إلى عصرنا هذا ما دامت العملة النقدية ومعدن الذهب هو من يحكم القيم الإنسانية  والأعراف الاجتماعية والدينية و الضمائر الثقافية الحية

التي تبدل أقصى ما لديها حبا و طمعا في مستقبل مشرق يعم ربوع  هذا الوطن العزيز …..    لذلك ارتأيت أن انقل العنوان من طابعه العام إلى طابع خاص من خلال تحليل ومناقشة الاختلالات العميقة التي تنخر الجسد التاوريرتي سياسيا وثقافيا واجتماعيا محاولا  تسليط الضوء على بعض النقط والنماذج من ضمن كم هائل يكاد لا يعد ولا يحصى نتيجة لما راكمته السنون من نقط سوداء تسببت في أزمة ومأزق كبير  لهذه المدينة و التي يجمع اغلب المتتبعين للشأن المحلي على  أن لا حل لها لتشعب خيوطها وتداخل عقدها  . 

قد يتساءل متسائل من سكان تاوريرت أو من أبناء الجالية المنحدرين منها أو ربما حتى من سكان مدن أخرى متتبعة لشأن الوطني . هل فعلا مدينة تاوريرت تعيش أزمة حقيقية؟

أقول بكل تأكيد نعم ، فمثلا :

  • باعتبار أن الاقتصاد هو المحرك الأساسي لدينامية كل تجمع سكاني فإننا نرى بمدينة تاوريرت تمركز رأس المال و ثروة المدينة في يد فئة محسوبة على رؤوس الأصابع جمعتها خلال ظرف وجيز بطرق غير شرعية ولا قانونية كنهب المال العام والترامي على البقع الأرضية – كما سبق و أشرت إلى ذلك في مقالات سابقة – إضافة إلى الصفقات المشبوهة …. الشئ  الذي ساعد هذه الفئة على خرق قانون التطور ومراحله  وأعانها على القفز من الفقر مباشرة إلى درجة الغنى المدقع حتى باتت عائلات مثيرة للانتباه معروفة لدى الداني والقاصي بل هناك من وصل به الأمر إلى تسمية حي كامل باسمه . وفي الجانب الأخر الذي يشكل ضررا ويمارس العنف النفسي و المعنوي على اغلب سكان المدينة إذ نجد توسع دائرة البطالة والتوزيع الغير عادل للثروات المحلية إضافة إلى ممارسة علاقة العبد والسيد بين العمال وأرباب العمل وذلك يبدو بشكل جلي وواضح من خلال وقفات واحتجاجات عمال النظافة بتاوريرت وحراس الأمن التابعين لشركات الخاصة والعديد من العمال الدين يتعرضون لتهديدات متكررة  بالتسريح من العمل ، وعدم احترام قانون العمل . أضف إلى ذلك أن هناك من يستغل الأطفال كيد عاملة رخيصة و غير مستقرة لا تشكل قوة ضاغطة تطالب بالتأمين على الصحة وتطالب بتسجيل ساعات العمل .. تصرفات ومعاملات لا تحترم المبادئ الإسلامية ولا تعمل ببنود و معاهدات حقوق الإنسان الدولية . هذا هو حال مدينة تاوريرت الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا .
  • في المرتبة الثانية أو نقول الدعامة الثانية لبناء كل مجتمع أو تجمع سكاني بعد الاقتصاد هناك الجانب الثقافي الذي يحلل ويناقش كل مشكل مشكل ويبحث عن الحلول الفعالة من اجل مصلحة الجميع و عن أفكار منيرة وسبل من شأنها أن تعود بالنفع على الجميع وتخلق جيلا كله طموح ورغبة في إتمام ما بناه الأولين والارتقاء به إلى أعلى سلالم التنمية . إلا أننا بمدينة تاوريرت نسجل بكل وضوح فساد المسئولين على الجانب الثقافي الدين يضمون عناصر سياسية منتخبة وأخرى منحازة إليها . يحاولون ليلا نهار خلق التنافر بين المواطن البسيط والنخبة المثقفة من اجل جعل دلك المواطن العادي خارج التغطية و في غياب تام عن كل التطورات الفكرية والسياسية و الثقافية التي يشهدها الوطن حتى لا يتجاوب معها ويطالب بها هو الأخر كمواطن مثله مثل جل المواطنين المغاربة .

كما نسجل أيضا أن من بين مظاهر الأزمة الثقافية بتاوريرت ، وجود دار شباب وحيدة في حالة غير لائقة  يعود عهدها إلى سنوات كانت تاوريرت فيها لا تزال بلدية تابعة لعمالة وجدة أنجاد .  زد على ذلك عدم وجود مسارح لتشجيع الطاقات المحلية . و عدم توفر مدينة تاوريرت على ملاعب رياضية في المستوى للفرق المحلية و  لاستقبال الفرق الزائرة ….. وقد كانت كل تلك العوامل التي تتمثل في التهميش والإقصاء و سوء التعامل سببا في استقالة جل المثقفين المحليين ودوي الخبرات عن أدوارهم التاريخية في النقد والإبداع وقيادة قاطرة الفكر والتأمل و التنمية بالإقليم .

  • أما الجانب السياسي بمدينة تاوريرت والدي يعتبر نتيجة للعاملين السابقين فانه يعرف عزوفا ملحوظ عن المشاركة الحزبية للمواطن التاوريرتي والانخراط السياسي للشباب بسبب الهوة التي خلقت بين عبدة رأس المال المسيطرون على هدا الحقل والدين يزدادون غنى في غنى يوما بعد يوم وبين البؤساء الدين يزدادون فقرا في فقر . مما  جعلهم يفقدون الثقة في المؤسسات السياسية و الممثلين السياسيين الدين أصموا أداننا باسطواناتهم التي كلها تسويف و نفاق سياسي والتي لم يتحقق منها ولو جزء ضئيل قد يبعث في الساكنة الأمل فلازالت تاوريرت تعاني من سوء أحوال الشوارع والطرقات والبنية التحتية والشباب لا زال عاطلا  و… و… و… و …

بعد هده اللمحة وهذه الصورة الثلاثية الأبعاد التي نقلتها لك أخي القارئ عن مدينة تاوريرت من زواياها الثلاث ( اقتصاد ، ثقافة ، سياسة ) نعود إلى عنوان مقالنا لنرى مدى ارتباطه بالمشهد التاوريرتي . فبعد أن تخلصت الإنسانية عبر التاريخ من مظاهر وممارسات الرق والعبودية خلال العصور الوسطى ، عصور الإقطاع والفيودالية وخروجها من ذلك المأزق الذي كان يجثم على أنفاسها بآمال كبيرة نحو فضاء حالم بالمساواة والديموقراطية والحرية . ها نحن نشاهد من خلال المحاور الثلاث السالفة الذكر كيف يعيش المواطن التاوريرتي في القرن 21 مظاهر وحالات  شبيهة إلى حد كبير  بحالات سكان ومدن العصور الوسطى ، لا تزال تطبعها علاقة العبد والسيد . إذ نرى تمركز الثروة لدى فئة محدودة و حرمان و معاناة اغلب الساكنة من الفقر وممارسة كل أساليب التعذيب النفسي المتمثل في الحرمان من الحق في الوظيفة والشغل و الحرمان من حقوق العامل المتمثلة في التامين الصحي وتسجيل ساعات العمل ، و الاقتصار في عمليات الإصلاح على جنبات محلات وشوارع و أزقة سكن تلك الفئات الغنية في مقابل أحياء شعبية غارقة في برك الوحل وعتمة الظلام وندرة الماء الصالح لشرب …. تلك هي تاوريرت باختصار .

  • شبح البطالة والفقر المدقع في مواجهة اقتصاد الريع .
  • مستوى ثقافي يعاني من إقصاء الرأي والفكر واغتراب المثقف .
  • ممارسة سياسية هشة بسبب انعدام الثقة بين الناخب والمنتخب لسوء المعاملة وعد الالتزام بالبرامج الانتخابية .

إذن فمتى يتم تطبيق البنود الدستورية التي أكدت على تلازم ممارسة المسؤوليات بالمحاسبة وتعزيز آليات المراقبة كركائز أساسية لدولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون،و الوقاية من الفساد ومكافحته .