تاوريرت بريس :

الملك-محمد-السادس

 

 

      يبدو من خلال ما يروج بين أوساط ساكنة تاوريرت وبخاصة الشباب الذين ينتظرون الزيارة الملكية بفارغ الصبر، أن استقبالهم لصاحب الجلالة يجب أن يكون هذه المرة من نوع خاص وذي دلالات معبرة ،وقد لا يقف عند حدود الهتاف بحياة صاحب الجلالة، والتعبير عن الفرحة بخطواته الميمونة ،التي ينتظرون من ورائها جلب كثير من المشاريع والمنجزات التي تساعد على توفير الشغل وتحسين الأوضاع المعيشية لعامة المواطنين ،وترقى بالمدينة إلى مستوى عواصم الأقاليم الأخرى التي تفضل صاحب الجلالة بزيارتها ،فان كانت مدينة تاوريرت قد ظلمت يوم ارتقت إلى مستوى عاصمة إقليم لا يقوم على أساس سليم وهي لا تتوفر على مواصفات المدن ، ربما يكون كل من سعوا إلى ذلك بحسن النية قد اخطئوا العنوان كمن راموا إليه بسوء النية على حد سواء جميعهم اجمعوا على اختيار غير صائب  أدت نتائجه إلى تفاقم الفساد فيها على نطاق  واسع ،وتفشى الجشع فيها بشكل ذريع ، قد استعصى أمر إصلاحه إلا إذا كان تدخل جلالة الملك بالصرامة التي تفوق اللزوم ، باعتباره المخلص والمنقذ الرحيم لهذا الشعب الذي يرزح تحت نير بعض المتسلطين الذين لا يخافون الله ولا يرحمون ،وشعارهم في الحياة أبدا ، هم ولا أحيا الله  بعدهم أحدا . وبوصفه المحرك الوحيد لقاطرة التنمية في هذا الوطن الحبيب ،التي تجر من ورائها عربات مهترئة ومتهالكة ،على سكة صدئة ومتآكلة، وككونه المشجب الأوحد الذي يعلق عليه هذا الشعب  أماله وأمانيه ،وكل ما يرتبط  بحياته اليومية التي يكاد اليأس يفنيها ويكدر صفو العيش في ربوع هذه المدينة التي باتت التلقائية سيدتها وأصبحت العشوائية ربتها .

      غير أن سكان هذه المدينة بما يحسونه من حرج وألم وأوجاع، وغيرة تجاه مدينتهم التي باتت مشاريعها المجمدة أشبه ما تكون بأطلال مهجورة ،يتبول على أسسها الزمان ، وينعب على سقفها البوم . مما جعل انتظارهم لهذه الزيارة واستقبالهم لطلعة صاحب الجلالة بما يليق لمقامه الجليل من مراسيم التعظيم والتبجيل ،أمرا يجعله يختلف  نوعا ما عن أعراف غيرهم من سكان المدن المغربية الأخرى ،باعتباره الفرصة الوحيدة التي تسمح لهم بالتعبير عن خلجات صدورهم  بصوت عال ،دونما حاجتهم إلى ميكرفون ومكبرات صوت .ومن ضمن هذه المطالب التي يرونها من الأساسيات ومن الضروريات والحتميات التي تشل كل التحركات ويتعلق الأمر بمحاسبة عسيرة ومحاكمة قاسية كل من امتصوا عناصر هذه المدينة وأكلوا لحمها وكسروا عظمها وشربوا دمها وقطعوا جلدها اربا اربا فعاثوا فيها فسادا ثم مروا عليها كراما ، دون ذلك فلا إصلاح يرجى لما أفسده المفسدون في هذه المدينة ، فالترحيل بأي حال من الأحوال قد لا يشفي الغليل ،

      فإذا كان بعض المسئولين والبيروقراطيين ،الذين يعتبرونهم سلبيين وغير ناشطين ،ولا مهتمين بشئونهم وقضاياهم ،ولا قادرين على الاستجابة لكثير من مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، من اجل امتصاص غضب المواطنين قد يكون بعد ذلك إعفاؤهم اقرب إلى الصواب  . لاشك في أن أصوات المستقبلين المحتشدين على جنبات طرق الموكب الملكي ،سوف تنبعث من حناجر مختلفة وقلب واحد ،وتتصاعد من صدور عدة وتنصب في اتجاه واحد ، قد يصل صداها إلى أعماق مسامع صاحب الجلالة بكل وضوح ،وهي صافية خالية من كل تزييف وتلفيق وتنميق للشعارات الفضفاضة ، وتتضمن عدة  مطالب وقد لا يرى هناك مانع يستطيع الحيلولة دون إيصال هذه الأصوات إلى الأذان المصغية، أو قادر على قطع  الألسنة التي تعبر بصدق عما يخالج صدورا محتقنة .

     إذا كانت مدينة تاوريرت عبر العقود الماضية وجهة التائهين ،ومأوى ألأيتام ومغنى العائلين ، فقد أصبح ربعها اليوم ربع ذئاب ومسرح انتهازيين ،ومحمية صقور ومرتع الجشعين ، وليس ثم من منقذها دون الله رب العالمين ،ولا من مغيثها بعد إذنه غير من وكل إليه شان هذا الوطن وأمر هؤلاء المواطنين ،الذين لا يملكون لديه سوى النداء والاستغاثة … فوا محمداه