بقلم : عزالدين قدوري

 في حديث للصحافة و الإعلام حول حياة من يسمون أنفسهم بفنانين و حول مشاكلهم و مشاجراتهم و مشاحناتهم التي لا تنتهي و التي هي في اغلب الأحيان تكون مصطنعة لأجل إثارة الانتباه. قالت المتحدثة أنها تعرضت لفعل السب و الشتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت حلبة للملاسنات بدل أن تكون منصة لتبادل الأفكار و مناقشة المواضيع المهمة . و للأسف أن مثل تلك المواضيع المنحطة الهابطة تلقى اهتماما كبيرا من طرف الصحافة اللامهنية التي تتسابق نحوها وهي تعلم أنها لا تسمن ولا تغني من جوع و ليس لها أي مساهمة في تقدم عجلة التنمية في البلاد.
ولكن، و لسوء الحظ، أن الفئات الشعبية التي تتابع تلك التفاهة و ترفع نسبة مشاهدتها تعتبر المساهم الأكبر في هذا التردي . فبئسا لزمن أضحى فيه الصرصار أكثر أهمية من النملة … و بئسا لزمن بات فيه الطبل أكثر أهمية من المجلد …
و إن في التاريخ لنا عبرة لو كنا نتدبره ، فمعظم الحضارات التي مضت والتي ساهمت فيما وصلت إليه اليوم الدول المتحضرة من تطور يظهر في البنايات الجديدة التي تشق عنان السماء و تنطح السحاب و في التكنولوجيا و أجهزة الحاسوب و في ترصيف الطرق و إنشاء المستشفيات و بناء السكك الحديدية و في ما حققوه من نبوغ في علم الذرة و الكهرباء و الفضاء …. كل ذلك لم يأتي عبثا و لم يكن نتاجا لسهرات الغناء و الرقص و إنما جاء نتيجة لمجهود متواصل من العلم والعمل و اخذ العبرة من التاريخ الذي يشهد على مسار أمم بنت اكبر صروحها بالعلم و الفكر و انهارت بسبب حياة اللهو و الغناء و الرقص و إن في بلاد الأندلس لشاهد على ذلك.
إن ما نعيشه اليوم من خلل متمثل في رفع الداني و خفض العالي يعتبر من الأخطار التي ستأتي بأضرار وخيمة على المدى البعيد ، وإذا لم يتم اللجوء إلى وضع خطط حكيمة لوقف تلك الموجة المدمرة من التفاهة ، فان البنية الاجتماعية مهددة ، و فقرات الهيكل الاجتماعي ستتآكل شيئا فشيئا لتنتهي بالانهيار.
إنني في هدا المقال لست متشائما ، و لا ابخس دور الفن الجاد داخل المجتمع ، لكن أطالب بوضع الأمور في نصابها و إنزال كل مكون من مكونات المجتمع منزله و حيث يجب أن يكون ، و أن ينال الاهتمام الذي يستحقه وفق دوره داخل المجتمع ، ولكن حين تساهم بعض المنابر الإعلامية والصحفية و بعض المؤسسات في قلب الموازين داخل المجتمع فترفع شأن التفاهة والتافهين و تحط من قدر العلم وأهل العلم حينئد يجب أن يلغى دور تلك المنابر الإعلامية وتلك الصحافة وتلك المؤسسات .
إن المجتمع في حاجة إلى قوى حية و فاعلة ، تستطيع أن تحدث ثورة في الإنتاج و تستطيع أن تقود التغيير و إن ذلك لن يكون إلا بركوب قطار العلم .. و العلم وحده لن يكون كافيا بل هناك شيئا خر هام يجب استحضاره.. هو عنصر الضمير و القيم التي تشكل اللبنات الأساس للبنيان و التي بدونها سيكون مهدد بالسقوط مهما بلغ من قوة .
فتذكروا .. ما بالغناء و الرقص تبنى حضارات الأمم .