بقلم : عزالدين قدوري

 بداية أشير إلى أن قراءتي لرواية “آلهة الأرض و صراخ الأشقياء” ، للكاتب المغربي الخضير قدوري ليست قراءة نقدية من متخصص في النقد، وإنما لقارئ مفعم بحب اللغة العربية ، عاشق لفنونها من رواية وشعر ومقالة …. قراءة تأتي في إطار التلقي وخارج المنظومة النقدية الصارمة.
رواية “آلهة الأرض و صراخ الأشقياء” ، للكاتب المغربي الخضير قدوري . تعتبر رواية واقعية خيالية.

 اختار فيها الكاتب حقبة زمنية محدودة لسرد الأحداث، ونجح في وصف الحياة الاجتماعية و الاقتصادية لأسرة مكونة من الأبوين سعيد و سعيدة والابنتين نرجس و نسرين، في أحداث حقيقية، مطعمة بالخيال الواسع. و الوصف الدقيق للمناظر الأخاذة للطبيعة بجبالها و أشجارها و زهورها و عصافيرها… وهذا ما أعطى الرواية بعدا جماليا أسهم في تمتين عناصرها، بل ومدها بزخم من اللوحات و المشاهد التي تجعل القارئ يظن بأنه يعيش تلك الفترة و تلك الحياة الاجتماعية بين القرية و المدينة باختلاف مظاهرها، وكذلك الحياة الدينية وأماكن العبادة والطقوس.

و قد دمج الكاتب و أخذ وضعيات متعددة للسرد بفنية متقنة. انتقل فيها بين وضعية الراوي من فوق و وضعية الراوي المشترك داخل الرواية. و ذلك من اجل الإحاطة بالأحداث من مختلف الزوايا الممكنة، لتقديم صورة واضحة عن تلك الأم ( سعيدة ) المغامرة الكادحة المتحملة لقساوة الظروف والطبيعة ، الأم المواجهة للصعاب من اجل القيام بواجبها تجاه أسرتها الصغيرة، كذلك الحال بالنسبة لزوجها ( سعيد ) الذي يبذل أقصى ما يملك من جهد لتأمين شظف العيش وسط ظروف محفوفة بالمفاجآت والمخاطر. و قد نجح الكاتب في تصوير الحالة المزرية لتلك الأسرة المقاومة لمختلف مظاهر القساوة ، و ربطها ببعض المظاهر السلبية التي كانت تعرفها البلاد بسسب المسيرين السلبيين و المجتمع السلبي . هنا تبادر إلى ذهني التساؤل التالي :
– ترى هل أراد الكاتب الخضير قدوري أن يبعث للقارئ برسالة مشفرة حين اختار اسم سعيد و سعيدة لزوجين يعيشا أقسى ظروف الحياة و يجسدا أصعب المشاهد التراجيدية في مسرح حياتهما ؟

كانت الإشارة للفوارق الاجتماعية حاضرة أيضا في رواية ” آلهة الأرض و صراخ الأشقياء” في مقارنة بين جنازة سعيدة و جنازة أبي ضرع .

و أبرز الكاتب الخضير قدوري في روايته ظاهرة التضامن المجتمعي، و أشار إلى أن المجتمع مهما طغت فيه مظاهر الشر و الفساد فان الله لا ينسى عباده الصالحين الأبرياء ، و أبرز مظاهر التعاون ، هو ظهور شخصية “محسن” الذي ظهر كمنقذ لنرجس و والدها بعد أن جار الزمان عليهما.

اغتنت الرواية بعنصر التشويق، الذي طغى على الأحداث كلها، وذلك من خلال أسلوب السرد الروائي المتنوع الزوايا ، والحوار ، والحبكات المتعددة التي تجعل القارئ يتابع تفاصيل المجتمع ككل و ما يعرفه من تناقضات و اختلالات ، و من جهة أخرى يتابع الأحداث و الوقائع التي تعيشها شخصيات الرواية .
فالرواية لم تكن تتحدث عن واقع سطحي فحسب، بل إنها تعمقت أكثر و تغلغلت في هذا الواقع و تمفصلاته و تداعياته السياسية، التي اشتغل فيها الكاتب على ثيمة الرمز و الإيحاء التي تمخضت عنها علل و أسباب متعلقة ومرتبطة ببعضها. إذ أن الكثير من تفاصيلها لا زالت مستمرة لحد الآن في حياتنا ، داخل القرى و الأرياف وحتى في المدن ، لذلك ترك الكاتب العنان للقارئ لسبر أغوار تلك العوالم السياسية الخفية . وفهمها وفق إيديولوجيته و قناعاته الفكرية . و هو ما عبر عنه الخضير قدوري بشكل صريح في توطئة الرواية بقوله :
” .. وهي رواية و إن كان جل أشخاصها و معالمها رموزا فهي تنبثق من صميم الواقع ، صغتها في قالب خيالي حاولت أن أضفي عليها نكهة من السرد المشوق حتى اجعل قراءتها تتجاوب مع فهم كل قارئ ، انطلاقا من موقعه السياسي و الاجتماعي و مستواه الثقافي و وفق إحساسه و شعوره بملامس الحياة التي يحياها مجتمعه البدوي أو الحضري أو القروي أو المدني “.
و لجعل روح الرواية أكثر جمالا ، و تنساب أحداثها انسيابا، وتأخذ منعرجا عجيبا ، استخدام الكاتب اللغة الفصحى ، و وظف لغة جميلة مرصعة بالمحسنات البلاغية.

أما من حيث القالب الروائي فقد بني على الحنين للماضي أو ما يسمى بـ “النوستالجيا” ، و اختيار الخضير قدوري حقبة زمنية من الماضي البعيد، لجأ فيها إلى نبش الذاكرة و استحضارها في الوقت الحالي، رغم ما قد تؤججه من مشاعر الحزن و الكآبة و الألم عند تذكر كل تلك المواقف المؤلمة.
إِن معظم الأحداث في الرواية تشير بوضوح لاستخدام “النوستالجيا”، كما هو الشأن عندما وصف الخضير قدوري مشاعر الشوق والحنين التي انتابت سعيد لزوجته سعيدة.
قبل الختم، أشكر الخضير قدوري الذي كشف عورة المجتمع المليء بالتناقضات و الأفكار البالية .
وأشكره أيضا على ملامسته لجانب مهم يتعلق باحترام المرأة التي لا زال يتجاهلونها كثير من الرجال المتشبعين بالأفكار والعادات والتقاليد التي عفا عليها الزمن.
خلاصة القول:
تعتبر رواية “آلهة الأرض و صراخ الأشقياء” للروائي المغربي الخضير قدوري، ذات جودة عالية، حيث راعت معظم العناصر الأساسية لبناء الرواية . إذ حرك الروائي الشخصيات ببراعة في مواقف مختلفة، وانتقل الراوي بحرية بين العاملين التاريخي والجغرافي مما ساهم أيضا في نجاح الرواية.
فهنيئا للروائي المغربي الخضير قدوري، الذي ساهم في إغناء المكتبة المغربية و العربية، بهذا المولود الإبداعي الجديد ، هذه الرواية التي تعتبر حلقة جديدة تضاف إلى سلسلة رواياته الناجحة التي قدمها سابقا. حبذا لو تحظى هذه الرواية، بنصيبها من الاهتمام الذي حضيت به أعماله الأدبية السابقة .