عزالدين قدوري:

استضافت قاعة المحاضرات التابعة للمجلس العلمي المحلي لإقليم تاوريرت أمس الاثنين 29 ابريل 2019 مجموعة من السادة الأساتذة ، والذين قدموا عروضا حول أخطر القضايا بالمجتمع المغربي «أطفال الشوارع» في ندوة علمية بعنوان : ( اطفال الشوارع : مقاربات متعددة ) ،نظمها المجلس العلمي المحلي بتاوريرت و بتنسيق مع الخلية المحلية للتكفل بالنساء و أطفال و ضحايا العنف ، حيث خاضوا فى أعماق القضية و تمكنوا من مقاربة كل جوانبها و وقفوا على أسبابها و كيفية التعامل معها واستيعابها، وحددوا السلبيات و العوائق التى تعترض طريق الحل النهائى لهذه الظاهرة.
فى البداية رحبت الأستاذة نوال الرمضاني في كلمة افتتاحية باسم المجلس العلمي و الخلية المحلية بالسادة المؤطرين وأعربت عن شكرها لاستجابتهم للمشاركة فى ندوة عن «أطفال الشوارع : مقاربات متعددة » موضحة ان هذه الندوة تهدف إلى التحسيس بخطورة هذه الظاهرة والخروج بتصور حول السبل العلاجية والوقائية.
    بدوره أكد الأستاذ خالد سلام ممثل المجلس العلمي المحلي بتاوريرت في عرض له حول ” ظاهرة اطفال الشوارع مقاربة شرعية ” على أن هذه الظاهرة تعتبر من الظواهر المقلقة والمسيئة لمجتمعنا، خصوصا أمام تناميها وتفاقمها مشيرا الى ان هذه الظاهرة ترتبط بالتحولات التي عرفها المجتمع المغربي والتي مست بالخصوص بنية المجتمع وبنية الأسرة وألقت بظلالها على وضعية الطفل داخل وسطه الأسري والمجتمعي.و مضيفا ان التفكك الأسري يعتبر قاسما مشتركا لدى أغلبية الأطفال موضوع الندوة كالطلاق و الهجرة و الوفاة ..إلخ.
    من جهته قام الأستاذ عبد الحق الباكوري أستاذ كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة في عرضه حول ” ظاهرة أطفال الشوارع مقاربة سوسيولوجية ” بالتأكيد على أهمية البحث الميداني في تفكيك وضعية الشارع لدى الأطفال في المدن، من أجل تدقيق الفهم حول أهم العناصر التي تعتمل في تشكيل السياق المركب الذي تعيشه هذه الفئة. مشيرا إلى ما جاءت به أهم المدارس الفكرية السوسيولوجية كمدرسة شيكاغو التي اعتبرت ظاهرة أطفال الشوارع، حصيلة تراكمية للتدفق القوي للساكنة القروية نحو المدن مع نشوء الحواضر الكبرى، وقد عزت هذه الظاهرة بالأساس إلى تراجع مجموعة من القيم الاجتماعية التي كانت تعرف عادة في القرى، أهمها قيم التضامن الاجتماعي.
لذلك فقد نبه الأستاذ الباكوري إلى ضرورة التركيز على التربية من أجل النهوض بوضعية هذه الفئة أو استباق تشكلها في المجتمع، ذلك أن التربية حسب المنظور السوسيولوجي هي التي تنقل الانسان من الطبيعة إلى الثقافة وتكسبه آدميته، ولا شك أن ذلك يحيل على الدور التربوي الذي يجب أن تلعبه المؤسسات الاجتماعية التقليدية في هذا الشأن وعلى رأسها الأسرة والمدرسة من أجل الحد من ظاهرة أطفال الشوارع.
    اما من الزاوية القانونية فقد تناول الأستاذ احمد النابوتي نائب وكيل الملك و رئيس الخلية المحلية للتكفل بالنساء و الأطفال ضحايا العنف عرضا مفصلا حول ” دور النيابة العامة في حماية الاطفال في وضعية صعبة “. موضحا أن عمل النيابة هو دعم كل المؤسسات الإيوائية التى ترعى الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية، من خلال إتباع منهجية قانونية واجتماعية .
كما ابرز السيد احمد النابوتي دور النيابة العامة في تفعيل المقتضيات القانونية لا سيما المقتضيات المتعلقة بالأطفال في وضعية صعبة و الأطفال المتخلى عنهم من أجل القضاء على هذه الظاهرة، وتوفير ملاذات آمنة لهم سواء داخل أسرهم أو عن طريق تطبيق تدابير الحماية أو التهذيب أو تدابير الحراسة المؤقتة المنصوص عليها في المادتين 471 و481 من ق.م.ج”.
وأضاف احمد النابوتي أن النيابات العامة بالمملكة تعمل بشكل جاد للمساهمة إلى جانب باقي مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في توفير هذه الحماية لهؤلاء الأطفال، وفقا لما يحدده القانون.
   أما الأستاذة فاطمة قدوري رئيسة مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بتاوريرت فقد سلطت الضوء على أهم النقط و المحاور في عرض حول “الإشكالات القانونية و الواقعية لكفالة الطفل المهمل”. حيث اوضحت اختلاف الرؤى و وجهات النظر في موضوع الكفالة، بين مؤيد للعمل على تحصينها وتشديد المراقبة، خاصة على الأجانب الراغبين في التكفل بطفل مغربي خارج المغرب، وبين نظرية المجتمع المغربي بشأن وضعية الأطفال المهملين وصعوبة الإجراءات القانونية التي تعرقل موضوع الكفالة. كما اثارت الاستاذة فاطمة قدوري إشكالية إسناد الكفالة للأجنبي، والتي ينبغي أن تراعى فيها مصلحة الطفل المكفول به، بحيث ينبغي أن يحافظ على هويته.
كما دعت أيضا إلى خلق التوازن بين رغبة الكافل، ومصلحة المكفول عبر توفير ضمانات واقعية و قانونية يكون فيها لقاضي شؤون القاصرين دورا في السهر على شأن الطفل المهمل و تتبعه حتى خارج المملكة، وتضمين الأمر بإسناد الكفالة أو إلغائها وإلزامية التبليغ عن الطفل المهمل وتقديم المساعدة ، ودعت الى ضرورة دعم التكفل بالاطفال المهملين داخل اسرهم ( التكفل عن بعد).
    ومن جهته تناول الاستاذ عبد الله الامين قاضي الاسرة بتاوريرت عرضا حول ” الحماية القضائية و القانونية للحدث من خلال مقتضيات المسطرة الجنائية ” ابرز فيها حالات تدخل القضاء لتوفير الحماية اللازمة لفئة من الأحداث لم يقترفوا أفعال مجرمة قانونا، ولكنهم يستحقون الحماية والرعاية لكونهم ضحايا أشخاص اقترفوا أفعال إجرامية أدينوا من أجلها قضائيا، وكذا إبراز حالات تدخل قضاء الأحداث قبل حدوث الجريمة للحيلولة دون وقوعها، ويكون هذا التدخل لفائدة فئة من الأطفال يوجدون في وضعية وصفها المشرع بالصعبة التي قد تؤدي بهم إلى الانحراف والإجرام.
كما وقف الأستاذ عبد الله الأمين في عرضه على حالات تدخل قضاء الأحداث من خلال قراءة في مقتضيات قانون المسطرة الجنائية التي تناولت الموضوع، كما أبرز الإشكاليات القانونية والعملية الناتجة عن تطبيق هذه المقتضيات.
     اختتمت أشغال هذه الندوة العلمية بفتح باب الحوار و المناقشة التي انتهت الى ضرورة توعية الأسر بمخاطر التفكك الأسري وزع الأخلاق في وجدان اطفالهم لحمايتهم من الاندماج مع الجانب المظلم للشارع بالإضافة إلى ضرورة تكاتف جهود المؤسسات المهتمة بالطفولة والشباب و التضامن الاجتماعي و منظمات المجتمع المدني، في رصد الظاهرة وعلاجها بكافة الطرق المتاحة.