بقلم : الخضير قدوري 

Speed Star 1.1335310  00

 

 

 في إطار أنشطتها المتتالية نظمت الخلية المحلية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف لقاء اعتياديا بجناح النيابة العامة  بقسم قضاء الأسرة لدى المحكمة الابتدائية بتاوريرت يوم 16 /6/2014 على الساعة العاشرة صباحا برئاسة الأستاذ بشيري

إبراهيم نائب وكيل الملك ويهدف هذا اللقاء إلى جمع ترسانة من المقترحات التي يمكن أخذها بعين الاعتبار إلا أن بعض  المداخلات إن لم نقل في مجملها قد تناولت الظاهرة كظاهرة  دون التوغل في أسبابها ومسبباتها القائمة التي تتنامى في أحضانها هذه الظاهرة الخطيرة بشكل عادي في المجتمع المغربي بصفة  عامة إذن فانه ليس من السهل بماكان معالجة الظاهرة من جانب واحد في حين أن هناك عشرات الجوانب قد تساهم في تطويرها وانتعاشها وتقويتها وتنميتها بدءا بالأسرة والمدرسة والمجتمع والقضاء والدين والدولة  بكل مكوناتها فإذا كانت كل هذه الجهات مستعدة لمعالجة الظاهرة فقد يبدأ العمل بإصلاح العش الأسري المخرب من داخله والذي يكون قد ساهم في تخريبه عديد من المكونات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والدينية ثم الثقافية .

      هذا إذا كانت الرغبة أكيدة في معالجة ظاهرة العنف بشكل عام وهي ظاهرة لا يمكن فصلها عن بعضها كعامة وخاصة قد يكون الطفل ضحية عنف  وقد تكون المرأة وقد يكون الرجل وقد تكون الأسرة والمدرسة والمجتمع والشارع وبالتالي يبقى المعنف هو الدولة  ولكن ما ينبغي أن نعيه جيدا أن الأبوين لم ولن يكونا أبدا يعنفان أبناءهما من اجل العنف وليس ثم من يحب الطفل ويعطف عليه أكثر من أبيه وأمه وما ينبغي أن نعيه جيدا أن المعلم و الأستاذ لم ولن يكونا أبدا يعنفان التلميذ من اجل العنف وليس ثم من يكره أن يخلق لذاته ولشخصه نموذجا في الحياة كما أن المجتمع لا يسمح بالعنف في الشارع العام من اجل الفرجة على المعنف والمعنف وليس ثم من يحب أن يرى الدماء ويمشي على الأشلاء ويبقى المشرع والقانون والدولة في واجهة من يتحملون مسئولية كل ما يحدث في هذا المجتمع من جرائم العنف والتعنيف بأنواعه وأشكاله التي يأتي بها الشاب أو الشابة كمشروع حمله منذ أن كان طفلا  ترفع عليه الدولة حضر رقابة الأبوان في الشارع والبيت باعتباره ضحية عنف الاب او الام خلافا للمبدا الديني بخصوص ما يسمى ضحايا العنف الذي يمارسه الرجل كرب اسرة ” علموهم لسبع واضربوهم لعشر بالنسبة للأطفال  وكذلك عظوهن واهجروهن واضربوهن بالنسبة للنساء يومئذ كانت مسئولية ما يحدث من هذا النوع من الجرائم محددة وناجمة عن سوء تربية الأب والأم باعتبارهما ربا الأسرة.

      لقد كانت فتاة الأمس قبل زواجها تلقنها أمها تربية خاصة في القيام بشئون بيتها وزوجها وأسرتها وكيفية التعامل مع الأسرة الجديدة أباء الزوج وإخوانه وأخواته   بنفس التعامل الذي كانت تتعامل مع أبويها وإخوانها وتعدها للاندماج في الأسرة الثانية بسهولة عكس ما تقوم به الأم في الوقت الراهن تجاه فتاة اليوم التي يقتصر دورها على الشحن والإفراغ والحمل والوضع وإلقاء ما تبقى من مسئوليتها في تنشئة النشء وتربيته إلى دور الحضانة والخادمات حتى أصبح هذا الطفل يفقد عطف الأم وحنانها ولا يكون لها في قلبه أدنى ما يشده إليها  حتى أصبحنا نرى ظاهرة عقوق الوالدين وتخلص الأبناء منهم دون رحمة ولا شفقة فكيف يرجى  تعامل هؤلاء بالحسنى مع غير أبائهم .

     كما كان المجتمع بدوره يساهم مساهمة فعالة في تنشئة وتربية الطفل في الشارع إذ لا يسمح له بممارسة حتى بعض الألعاب التي قد تشكل خطرا عليه مثل اللعب بالتراب والقاذورات والرشق بالحجارة واللعب بالآلات الحادة وغيره ومن ثم يمكن للجار أن يعاقب ابن جاره إذا كان لا يحترم الكبار وبعد ذلك قد يتدخل الأمن في كثير من الأحوال التي تؤدي بانحراف الأطفال  كالسرقة والاعتداء على بعضهم وعلى الممتلكات العامة والخاصة كما كان للمدرسة دورها الخاص في التنشئة والتربية والتقويم وكان دور المعلم والأستاذ يحاكي الأب والأم  والقاضي ورجل الأمن باعتباره الصانع الذي يصنع من طفل اليوم  رجل الغد الذي سيصبح أبا و أما وجنديا وشرطيا و دركيا فقاضيا فعالما فرئيس دولة .

     ولما أصبح الأب اليوم وفي ظل القوانين والنواميس المستوردة  يحاكم لأنه أراد تنشئة ابنه وتربيته كما  يحاكم المعلم لأنه عاقب التلميذ الذي ساءت أخلاقه وتربيته الدينية والوطنية والإسلامية ويحاكم المجتمع  لأنه رفض التطرف الديني والعقائدي والاجتماعي و الإجرام و السلوكات الطائشة للأطفال المشردين أو” المشرملين” وأجبرت المحاكم على تطبيق القانون المستورد  وتتعامل مع هذه الظواهر طبقا للموحيات الديموقراطية الداعية  إلى ضمان حقوق الطفل والإنسان في الحرية المعلبة الملفوفة  بشعارات حقوقية  يصعب على القاضي التعامل معها وفق وضعنا الاجتماعي ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وتعليميا وقد أدى كل ذلك إلى خلل اجتماعي خطير يصعب إصلاحه

     اجل للطفل حقوقه الطبيعية كطفل في التربية والتكوين والتعليم والصحة ككثير من الكائنات الغير بشرية التي تحكمها غريزة الأمومة وللمرأة حقوقها الطبيعية أيضا في رعاية وعناية الزوج وحسن معاشرتها ومشاركتها  في بناء الأسرة كطرف مكمل لا غنى عنه وللرجل حقوقه في طاعة الأبناء وعناية الزوجة ومساعدتهم له كل هذه الحقوق والواجبات واردة  بالطبع والعرف والدين دون منازع إلى أن جاء القانون الوضعي الموحى به أو المنقول أو المستورد  فقلب الموازين أسفل على عاقب ثم أصبح  ما هو حق واجبا وما هو واجب حقا وأصبح للطفل حق على والديه ولا واجب عليه وللمرأة حق على زوجها ولا واجب عليها وأصبح على الرجل واجبات  تجاه طفله وزوجته وأمه وأبيه وأخيه وأخته ولاحق له عليهم جميعا وبات طلب الحقوق يفوق عرض الواجبات .

ليس من باب الإنصاف أن نعالج مثل هذه الظواهر بمثل هذه الأساليب العفوية والعاطفية بل والسياسية التي تخدم اديولوجيات أنظمة أخرى مفروض علينا أن نسير في نهجها ونساير ركبها بأقدام حافية ورؤوس حاسرة وأجساد عارية

       لقد ساهمنا إلى جانب دولتنا بجد في تنمية ظاهرة الإجرام بأنواعه وأشكاله وساهمت لوحدها  في قتل الروح الوطنية في دواخل ناشئتنا وشبابنا وساهمت في انحراف أجيالنا وكانت سببا في تطرفهم الديني ذلك يوم حذفت مواد الأخلاق والتربية الوطنية والدينية من برامجنا التعليمية والتربوية ومنذ عشرات السنين الخالية أدركت الدولة بعد فواة الأوان أن الضرورة أصبحت تقتضي التخليق وتستدعي روح المواطنة وتلزم الاعتدال الديني هيهات يصلح الحاضر ما أفسده الماضي وهيهات يسلم المستقبل من العدوى المتفشية في وسطنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى الثقافي لم يسلم من الآفة وهذا التردي الخطير الذي يصعب علاجه وتتعذر وقايته  .