بقلم : الخضير قدوري

 شدو العصافير لا يجلب الطبيعة الى الحقول الجافة، ودوي النحل لا يبعث الأريج الى الزهور الذابلة ،لافائد من كلام لايسمع ومن كتاب لايقرا ،لطالما سرت في المدينة ابحث عن مبررات من اجل درء الأحكام بالشبهات ،ودرء الانتقادات البناءة بالأعذار والاكراهات المقبولة ، كل ذلك حتى لا يقال عن نظرتي سوداوية لمدينة مزدهرة ،او كنت اهدف للانتقاص من مجهودات مشهودة وجهود مبذولة ،قد لا احمل بين أجنحتي غلا سياسيا لأي منتخب ،او اضمر حقدا دفينا لأي مسئول .او اكن ضغينة لاي مصلح ،ولكنني كمواطن قد املك غيرة وطنية على هذه المدينة التي تعتبر مسقط رؤوسنا ومنبت أبائنا وأجدادنا ، وسيرحل عنها كل وافد وضيف و نزيل يحلون بها بعد يوم اوليلة او شهر او سنة ،ولكننا سنبقى وتبقى هذه المدينة مرتع شبابنا وشيبنا ومثوى أجسادنا .
قد يعز علي كما يعز على كل مواطن غيور الوقوف على ربوة مدينته متأملا فسادها وعثو المفسدين فيها دون ان يحرك ساكنا او يغير فيها منكرا ولو بأضعف الإيمان ،فان كانت مدينة تاوريرت لسوء حظها اولشؤم طالعها تتعثر في مشيها ولم يسعفها عمودها لتسير مستقيمة في سبيلها مع موكب عواصم الاقاليم السائرة في طريق النمو في إطار الجهوية المتقدمة ، قد لا احمل مسئولية عجزها لمن يقود ركبها ولا اسباب فشلها لمن يشغل محركها ،ولكن بالدرجة الأولى لبعض أبنائها الذين يلقون بقشور الموز تحت أقدامها ، ويرمون بالأشواك في طريق من يسيرون في ركبها ، فيوقفون الحصان امام عربتها ،من حيث لايعلمون انهم بذلك قد يعينون المفسدين على افسادها
من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها مشاريع فاشلة او هي سائرة في طريق الفشل ،وأخرى معطلة وآخرة مازالت حبرا على ورق ،للإشارة على سبيل المثال من الغرب اذكر باحة الاستراحة باعتبارها مشروعا فاشلا بالنسبة لشطريها الأول والثاني، مرورا بمحطة الصرف الصحي التي تزود المدينة بما تجود به من الروائح الكريهة الملوثة للبيئة ،والتي ستعزز بمشروع محطة ثانية خاصة بالحي الصناعي في نفس الاتجاه ،مما سيجعل ساكنة المدينة معرضة الى امراض مستعصية والأمر الذي سيجعلها في النهاية مدينة موبوءة غير صالحة للسكن . وصولا الى مشروع المحكمة الابتدائية الذي كلف الدولة مئات الملايين الدراهم وبعد انجاز أكثر من 95 بالمائة من أشغالها اكتشف أمر عدم صلاحيتها فحكم عليها بالهدم والبدء مجددا في انجاز المشروع للمرة الثانية بنفس التكلفة وعلى حساب خزينة الشعب ، حتى المشاريع الخاصة لم تسلم من فشل لأسباب ربما قد تكون مقصودة فيعزى فشلها الى الادارة ، واذكر على سبيل المثال الفندق الوحيد الذي اظنه سيشرف المدينة بمواصفات الفنادق الراقية فاذا به ينغلق على نفسه منذ سنين ولم يفتح ابوابه للزائرين ،وبجانبه تلفت نظرنا المصحة الخاصة المخيبة لأمال المواطنين لافتقارها الى أطباء مختصين وجراحين وممرضين اكفاء فاذا بها لا تختلف في حالها عن حال عيادة اي طبيب عام بالمدينة، والتي قد يتنبأ بعض المتنبئين بتحويلها مستقبلا الى فندق كبير بجانب فندق صغير وبمواصفات مختلفة ،وفي نفس الاتجاه نحو مشروع الحديقة الايكولوجية التي يطل عليها قصر العمالة المعمر لسنين عديدة وقد باتت منتزه المتسكعين ومرتع الشواذ ومأوى المتشردين ، مرورا بالمستشفى الرئيسي الذي يفتقر الى أدنى متطلبات الصحة والتمريض كمستشفى اقليمي يتوفر على مواصفات حديثة تستجيب لحاجيات المريض المفروض فيه توفيره على اطر طبية متخصصة وموارد بشرية كفاة وكافية تتميز بالانسانية وحسن الاخلاق والروح الوطنية احيانا يعزى امر ذلك الى نقص في الياته وتحهيزاته والى فشل مشروع توسعته وانجاز بناء مساكن هؤلاء الاطباء والاطر ، ربما قد يكون ذلك من الأسباب المنفرة لهذه الطاقات ،ثم انتهي في نفس الاتجاه شرقا الى مشروع نادي الموظفين المغلق منذ سنين في وجه المستهدفين الى يومنا هذا وقد بات ماوى البوم واللقالق .ومن الشمال الى الجنوب انطلاقا من صبيب الصرف الصحي المتدفق في نهر وادزا الذي تسقى منه الخضر والفواكه والبقوليات التي يستهلكها سكان المدينة منذ سنين دون الحسم في انجاز مشروع يحل مشكل التلوث القائم والمهدد لسلامة صحة الانسان والحيوان على حد سواء ، مرورا بمشروع المسبح البلدي الذي لم ينته البناء وإعادة البناء فيه منذ سنين عديدة الى ان بات من المشاريع الفاشلة مكلفا الخزينة أموالا طائلة ليصبح مع الايام صهريجا لايصلح لغير سقي الاشجار المجاورة ،في نفس الاتجاه نحو الجنوب دائما سآخذ بعض الوقت للاستراحة قليلا في ضل صرح المركب الرياضي بساحة المسيرة لاتأمل حالة هذه المعلمة الرياضية التي تبدو هرمة وقد ظهرت على واجهتها التجاعيد والخدوش عندما باخت المساحيق وبانت على جدرانها التصدعات عندما زالت الطلاءات منذرة بإخلائه قبل الكارثة ، فأعرج منه على مشروع القنطرة المزمع إحداثها بمحاذاة تلك القائمة على السكة الحديدية لتخفيف الضغط على هذه الاخيرة وتسهيل انسيابية المرور اثناء ايام الذروة والمناسبات ، إلا ان هذا المشروع مازال حبرا على ورق في حين تبقى الضرورة ملحة على انجازه في اقرب اجل ممكن ،منها الى مشروع الحي الصناعي الذي أضحى معظمه محاطا بأسوار فارغة وقد تم تحويل بعضها الى تجزئات سكنية بمسميات مختلفة بعد ان ضرب عرض الحائط بما يسمى كناش التحملات ،وسيفرغ هذا المشروع من محتواه كمشروع حي صناعي بلا صناع ولا صناعة ، منه الى مشروع قرية بائعي قطع الغيار المستعمل الذي ضل يتعثر نتيجة الاستغلالات السياسية والانتخابية والمضاربات التجارية منذ تسع سنوات ولازال لحد الساعة في انتظار ساعة الإفراج عن هذا المشروع الذي يسير في طريق الفشل ، وبعد جولة منهكة انتهي الى مشروع مطرح النفايات الذي يعد بؤرة سوداء على جبين المدينة لا يختلف حاله عن حال محطة معالجة الصرف الصحي الفضيحة المذكورة
وقد لا يسعني الوقت للوقوف عند الإصلاحات الفاسدة لكثير من المرافق والبنية التحتية بالمدينة في اولها مشروع السوق الاسبوعي والاسواق الدائمة والمشادات اليومية بين السلطة والباعة الجائلين في الشوارع والازقة
بعد كل هذا لست ادري ان كان القراء سيجدون وراء ما سردته بهذه العجالة ما يدل على ان المدينة بخير، وهي تسير حقا في اتجاهها الصحيح الذي يبشر بمستقبلها المريح ،وهل سيجدون مبررا يخفي هذا الواقع المزري ام كنت سوداوي وظلامي اغض الطرف عن الجوانب المضيئة والأفاق المشرقة لهذه المدينة، لقد انبثقت عن مجتمع مدني قبل ان اكون أذنا لمنتخبين يسمعون بها ما يقال عنهم ، وعينا لمسئولين يرون بها ما يخفى عنهم ، رغم ذلك انني لا اوجه أصابع الاتهام لأي طرف وانا مسئول ومسئوليتي تفرض علي القيام بواجبي لتعرية الفساد وكشف المستور لكل الأطراف ،ثم المطالبة ربط المسئولية بالمحاسبة وربط المحاسبة بالمعاقبة ولا مجال للعفو عما سلف ولهم واسع النظر