بقلم : عزالدين قدوري

 وضع جلالة الملك محمد السادس في خطاب الذكرى الـ18 لاعتلائه عرش البلاد تشخيصا مباشرا وصريحا للوضع السياسي داخل المغرب والدي انتقده بشدة وانتقد القائمين عليه حيث قال إنه “وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل :

 ما الجدوى من وجود المؤسسات وإجراء الانتخابات وتعيين الحكومة والوزراء والولاة والعمال والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في واد والشعب وهمومه في واد آخر؟”. و هدا المقتطف من خطاب الملك كان كاف لرسم الصورة الدقيقة للمغرب والدليل الذي يثبت بوضوح أنّ ملك البلاد يتابع باهتمام كبير هموم وانشغالات جميع المغاربة في كل المناطق المغربية ، وأنّه على تماس و على اتصال دائم مع الشارع رغم انشغالاته بسياسة البلاد الخارجية التي حققت نجاحات باهرة على المستوى القاري و العالمي وذلك بخلاف ما هي عليه الأحزاب السياسية التي تتهرّب من مسؤولياتها .

لقد كان هدا الخطاب التاريخي لحظة للصراحة والمصارحة بين الملك والشعب فكما ابرز فيه الجوانب الايجابية للبلاد والتي تشكل علامات للفخر كتحقيق المغرب لأعلى مراتب المصداقية قاريا ودوليا وتقدير الشركاء الدوليين وثقة المستثمرين … كشف أيضا عن مواطن الخلل و لم يتجاهل السلبيات على المستوى السياسي داخل البلاد بقوله “ولكننا نعيش اليوم، في مفارقات صارخة، من الصعب فهمها، أو القبول بها. فبقدر ما يحظى به المغرب من مصداقية، قاريا ودوليا، ومن تقدير شركائنا، وثقة كبار المستثمرين كـ“بوينغ” و“رينو” و“بيجو”، بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع، بتواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم. فإذا كنا قد نجحنا في العديد من المخططات القطاعية، كالفلاحة والصناعة والطاقات المتجددة، فإن برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تشرفنا، وتبقى دون طموحنا”.

وهنا كان المجهر الذي سلطه جلالة الملك على مكامن الخلل أكثر دقة في التشخيص بعد أن عرى على تصدعات هذه التجربة وفشلها بعد أن تحولت الساحة إلى ميدان للمبارزة حول المناصب دون أن تحقق أي نتائج واعدة للمغرب وطنا وشعبا .
وحتى يؤكد على رفضه لهدا الأداء الضعيف تساءل جلالة الملك بوضوح أنه “إذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”.
إن خطاب العرش هده السنة قدم تشخيصا عاما للمغرب ووضعه في قالب واقعي بعيدا عن التفاؤل أو التشاؤم. فقد حمل من جهة أولى تنبيها إلى تراجع مستوى الممارسة الإدارية والسياسية بالبلاد ، و من جهة ثانية أشار إلى تبعات الاستهانة بالمسؤوليات .
ولعلمه الراسخ بقوة المغرب التي تكمن في التحام الشعب بالعرش وثقته فيه لبناء مغرب الغد طمأن جلالة الملك المواطن بقوله “أننا لن نقبل بأي تراجع عن المكاسب الديمقراطية. ولن نسمح بأي عرقلة لعمل المؤسسات. فالدستور والقانون واضحان، والاختصاصات لا تحتاج إلى تأويل”. وحتى يكون أكثر وضوحا مع المواطن و اقترابا منه قال “أنت تعرف أنني واقعي، وأقول الحقيقة ولو كانت قاسية. والتشاؤم هو انعدام الإرادة وغياب الآفاق والنظرة الحقيقية للواقع . و لكننا، والحمد لله، نتوفر على إرادة قوية وصادقة، وعلى رؤية واضحة وبعيدة المدى. إننا نعرف من نحن وإلى أين نسير”.
فإضافة إلى قوة روابط الوفاء بين الملك والشعب يكون جلالة الملك بهدا الخطاب بعد ثمانية عشر عاما على العرش قد وطد هده الروابط وجعلها أكثر تماسكا بعد أن رسخ لدى المواطن أن كلّ ما يشعر به الشعب، يشعر به الملك .