تاوريرت بريس :

البرلمان

 

تعيش الساحة السياسية المغربية في الفترة الراهنة مأزقا لم تعرف بعد مخارجه ، فبعد التفاؤل الذي كان يخيم على الجميع بعد انتخاب 7 أكتوبر في انتظار تشكيل حكومة قوية ببرامجها و عزمها على المشاركة الفعالة في مشوار الإصلاح والتنمية الذي دخله المغرب على المستوى الوطني والقاري . و خصوصا بعد خطاب جلالة الملك محمد السادس من دكار والدي كان واضحا فيما يخص هده النقطة الجوهرية .
ونحن هنا نضع أمام القارئ وأمام الفاعلين والفرقاء السياسيين بعض المقتطفات من خطاب جلالة الملك على سبيل التذكير خصوصا في هده الفترة التي بتنا لا نرى من هاته الأحزاب إلا سجال البلاغات والبلاغات المضادة وحرب الإعلام والإعلام المضاد في حين تم تغييب المصلحة العامة للوطن . فمما قاله جلالة الملك محمد السادس في خطاب دكار ، في هدا الصدد :
• ” إن المغرب يحتاج لحكومة جادة و مسئولة. غير أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية. ”
• ” بل الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها إفريقيا. حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه.”

• ” الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة.”

• ” فالمغاربة ينتظرون من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة.”
لكن من الأمور التي نأسف عليها كمواطنين ومتتبعين للشأن السياسي الوطني أن نرى بعد هده النقاط الواضحة والخطوط العريضة التي حددها جلالة الملك للوزراء وللحكومة المقبلة من اجل استكمال المسار التنموي والسياسي والاقتصادي الذي بدأه المغرب بخطى ثابتة على الصعيد المحلي والقاري . بتنا اليوم لا نرى من هؤلاء الفرقاء السياسييين إلا تدني في الأداء السياسي والدي يعني في مفهومه الضيق والبسيط ( نقاش تفاوض وتوافق ) .
وقد استمرت هده الصراعات والممارسات التي تميزت بين الفرقاء السياسيين بالشذب والجدب وتبادل الانتقادات والبلاغات بالرغم من سلسلة الاجتماعات والمشاورات التي بدأ يعتبرها الشارع المغربي عقيمة لم تسمن ولم تغني بدليل عدم خروج المتعاقدين والمتشاورين بأي تصريح يقدم إجابات و معطيات واضحة مما جعل الصحافة و المتتبع السياسي أمام إشكالية وصعوبة في مواكبة هده الأحداث.
ومما زاد من تفاقم الوضع وساهم في توسيع هوة الخلاف بين الفرقاء السياسيين البيان الأخير المعروف في الوسط السياسي ببيان ” انتهى الكلام ” فكان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس و أزمت الموقف .
كل هذه المشاكل والعراقيل يمكن القول أنها كانت نتيجة لعدم وضوح مواقف بعض الأحزاب ، وللانطلاقة الخاطئة للمشاورات ، التي كان من الواجب على الأحزاب أن تحترم جوهرها وهو وضع برنامج حكومي محكم لخدمة مصالح البلاد خصوصا وان المغرب أمام مشاريع كبرى من قبيل تنمية العالم القروي والاستمرار في الورش الإفريقي الكبير الذي يسير المغرب فيه بخطى ناجحة .

لكن الإشكال أن هذه الأحزاب اتجهت نحو مسار أخر بحثا عن أغلبية يتم من خلالها الاحتكام إلى منطق الغنيمة و الحقائب الوزارية . وهو ما تسبب في نشوب صراعات أدت بدورها إلى تعطيل تشكيل الحكومة الشئ الذي بدأ يؤثر سلبا على عدة جوانب من الدولة نذكر منها على سبيل المثال المسار الاقتصادي وخصوصا بالنسبة للمقاولات المتوسطة والصغرى التي تشتغل في علاقتها مع صفقات الدولة ، و مشكل الشركات التي أنجزت مهامها في المرحلة السابقة ولم تحصل إلى يومنا هدا على مستحقاتها .
وعلى المستوى السياسي فلن يزيد هدا الضعف في التواصل بين الأحزاب إلا من تأخر تشكيل الحكومة والبرلمان وهو ما خلف لدى المواطن العادي وحتى المتتبع للشأن السياسي الوطني نوع من فقدان الثقة في القيادات الحزبية ، بل والأكثر من ذلك أن هذا المأزق السياسي سيؤثر أكثر على مسار البلاد على المستوى الخارجي فيما يخص المصادقة على قرار العودة للاتحاد الإفريقي الذي قطع المغرب أشواطا طويلة ومسلسلا دبلوماسيا كبيرا من اجل العمل جنبا إلى جنب مع الدول الشقيقة والصديقة لتنمية القارة الإفريقية والدفاع عن وحدتنا الترابية . لذلك فعلى ممثلي الأحزاب السياسية ألا يسقطوا في أخطاء تمنح لخصوم الوحدة الترابية فرصة لانتقاد سياسة الدولة.
لكل هاته الأسباب ، ولان مصلحة المغرب فوق أي حسابات ضيقة لأي شخص كيفما كان ، يجب على الفرقاء السياسيين أن يكونوا على وعي تام بان الأحزاب السياسية هي في الأصل دعامة للديموقراطية ، واليوم بات من الضروري إعادة الثقة للمواطن عن طريق احترام صناديق الاقتراع وتغليب مصلحة الوطن و المواطن على المصالح الضيقة . ويجب العمل أكثر على تفعيل توجيهات وخطابات جلالة الملك محمد السادس الخاصة بإصلاح الإدارة والاهتمام بالوضعية العامة للبلاد .