بقلم : بوشتى بوزيان

بوشتى بوزيان

 

ماذا لو انبعث السيد دون كيشوط من قبره في ظل هده الأوضاع المتعولمة التي أصبحت تتحكم في دواليب الحركة الاقتصادية العالمية ؟
لقد كان دون كيشوط صريح الاستهداف و حكيم الاستشراف حينما تمثّل طواحين هواء ذات القوة الريحية إلى شياطين ذات أذرع هائلة و حاملة لأرواح شريرة من شأنها أن تؤذي الإنسانية جمعاء و تحجب عنها نسائم الحرية و أريج العدالة علما أنّه لم يسبق له في حياته أن رأى طواحين هواء لأنّه بكل بساطة لم تتح له الفرصة لدلك أو لم يسبق أن غادر قصره الذي اعتكف فيه في قراءة كتب و قصص الفرسان الذين سيحررون العالم من الجبروت و الاستبداد و الفساد .
و لعل عهد دون كيشوط لم يشهد التسلط كما هو متمظهر الآن في ميزان القوى العالمية بقيادة أمريكا ،كذلك لم يكن ليقبل ب” لعبة الديمقراطية” التي في نظره لا تمثّل إلّا الوجه الآخر من إحكام السيطرة على الخيرات و البشر بشكل ” ممأسس” لتأمين المصالح أولا …
فدون كيشوط و مباشرة بعد ركوبه على “جواده” ، اعترضت طريقه طواحين الهواء التي تدور في نفس الاتجاه وبشكل متواصل و دوري عجيب و رهيب، و بالأحرى فهو الذي اعترض على انتصاب تلك الأذرع الضخمة أمامه أو أمام طريقه : فكان هذا كافيا ليتأكد أن خصومه مجرّد ” سحرة” خططوا بشكل محكم لإسقاط طموحاته في نشر السلم و الأمن و لذلك قاموا بمسخ العمالقة إلى طواحين ، و استجاب دون كيشوط للقدر الذي ينتظره و تخيّل جسامة المهمة التي خرج للانخراط فيها بدون رجعة…

هل كانت مقاربة دون كيشوط في نظرته للأوضاع العامة حينئذ جزء من شخصيته المبنية على أساس ” الأنا التي لا تخطئ” ؟ أم هي هبّة إلهية وخزته من خلال نهمه قراءة أساطير الفرسان و انتصاراتهم الأزلية : و لعل خادمه الأمين الذي ينتمي إلى عامة الناس كونه فلاحا ساذجا ينتمي إلى بلدته و الذي أصبح المرافق و الرفيق و الخادم الأمين المطيع المنفّذ للأوامر” سانشوبانزا ” و الذي وعده سيده أن ينصّبه رئيسا أبديا عن إحدى أكبر الجزر عندما سيفتحها الله عنده و هي نتيجة حتمية لا شك..