بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

لقد أبهرت حكومتنا الموقرة العالم باقتحامها الملفات الاجتماعية الحارقة تزامنا مع الأوضاع المشتعلة في الوطن العربي ،وبشجاعتها على تمرير القوانين الإذعانية المتعلقة بالزيادات في أسعار بعض المواد الأساسية ورفع دعم صندوق المقاصة عنها ،وكذا ابتكارها بموازاته ما يسمى نظام المقايسة بخصوص المحروقات ،ذلك عندما كان سعر البرميل يفوق المائة دولار حيث كان سعر اللتر من الكازوال قلما يصل الى عشر دراهم، لكن عندما انخفض سعر البرميل الى النصف لم ينخفض سعر اللتر بمثله ،في هذه الحالة يكون نظام المقايسة في نظر الراي العام قد فقد مصداقيته نتيجة عدم احترام مبدعيه التزامهم بالزيادة للزيادة والانتقاص للانتقاص كالذين جاء في حقهم قوله تعالى ” الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون “
ففي الوقت الذي كانت الحكومة تطبل وتزمر وتنتشي بنجاحها في تمرير هذه القوانين في هدوء وسكون،وتتبجح بكونها الطاقم الطبي المحنك الذي أنقذ المغرب من السكتة القلبية ،والربان الشجاع الذي جنبه خطر تسونا مي الربيع العربي الجارف ، يومئذ كان بعض المفكرين يحذرون من عاصفة قد تعقب هذا الهدوء وكأنهم يعاينون الأسد الرابض الذي حذر منه الحسن الثاني رحمه الله اكثر من مرة قد بدا يزأر ويتحرك خارج عرينه حركات توحي بغضب قد يدفعه للخروج عن طبعه وطبيعته ، الحسن الثاني ذلك الملك المحنك ذو الفراسة التي لا تخطئ ، مثل الشعب المغربي بهذا الأسد الرابض وقد حذر من اقتحام عرينه ومن كل تطاول على قوت يومه ، حتى كاد ان يجعل ذلك خطا احمر يحضر تجاوزه ، وكان له في ثورة الخبز خلال الستينيات عبرة
واليوم غير بعيد من أمس بدا هذا الشعب يحس بأثر الزيادات المتلاحقة وانعكاساتها السلبية على حياته اليومية ،وكأن الأزمة الاقتصادية قد بدأت تعصف ببعض الشرائح الاجتماعية في القرى النائية كما في وسط المدن الصغيرة ،وتنطلق من الأحياء الشعبية .فان كانت الوقاية أفضل من العلاج لاشك في ان المفهوم الصحيح لهذه المقولة أصبح في متناول علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد ، كما أن الوقاية من تسرب البعوض بالفعل باتت ممكنة لتحاشي لسعاته وبتكلفة اقل من معالجة القروح والجروح والأورام التي قد تنجم عنها
في الشرق كما في الشمال بدا الشعب يتململ كالجمر تحت الرماد ،ويتحرك في تحركات هادئة توحي بموحيات انذارية ،و يسير في مسيرات سلمية لكن بخطوات قد تتخطى الحواجز ، ويقف وقفات احتجاجية ليعبر عن خلجاته ويشكو من ألامه ، لمن يملك ألأذان المصغية والإحساس بتوجعا ته . إلا أن هذه الأذان تبدو عنه في صمم ، متناسية ان أصل الحرائق أحيانا شرارة قد تخمد ويبقى اللهب ،وبداية الحرب كلمة تليها طلقة نارية ، وأصل الثورة فكرة قد يموت صاحبها وتبقى . ولتفادي كل ذلك تبقى الوقاية أفضل من العلاج، كما يبقى دور الاستخبارات والاستعلامات قبل دور الأمن والشرطة ،ويبقى تفادي المشاكل أجدى من البحث عن الحلول
فإذا كان المواطنون في مدينة تاوريرت كما هم في مدينة طنجة يتحركون من اجل قبس من نور وجرعة ماء ،فالآخرون في مدن أخرى ليسوا في منجى من هذه العدوى التي قد تعم سائر المدن والقرى ولنا في التاريخ ذكرى ، ففي الوقت الذي كانت فيه جموع المواطنين تتجمع في تجمع احتجاجي ضد غلاء الفواتير المائية والكهربائية ،وتندد بالخدمات الرديئة لشركات التدبير المفوض ” لامانديس ” في طنجة والمكاتب المستقلة للماء والكهرباء وغيرهما ، حينئذ كان المجلس البلدي في مدينة تاوريرت يعقد اجتماعا له استكمالا لإشغال دورته الماضية ، مخصصا هذا الاجتماع المتزامن مع هذه الوقفات الاحتجاجية من اجل إحداث لجن دائمة تسهر على تدبير الشأن المحلي، وإيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية المتصلة بحياة المواطنين اليومية ، حيث لاحظنا تهرب أعضاء المكتب المسير ورفضهم ترؤس بعض اللجان ذوات الحساسية الانتخابية ، إما تهربا من المسئولية ودفعا للحرج ،وإما لفقدان وسائل الإقناع من اجل تطبيق القانون ، او لعدم الاقتناع بالقانون الجاري به العمل ، ويتعلق الأمر بلجنة الصحة التي يميل الجميع نحو إلغائها او إدماجها ، وأما لجنة المراقبة فهي لجنة غير مدرجة ضمن الدراسة رغم أهميتها القصوى ، ناهيك عن تفكير هذا المجلس ومن خلاله السلطات الامنية في ضرورة احداث لجنة استباق ولجنة ازمة ولجنة توقعات ، وكانت هذه اللجان من الضروريات بمكان ودورها فعالا لادارة كل الازمات والتوقعات ودراسة مثل هذه المشاكل متوقعة والعمل على ايجاد حلول استباقية قبل ان تصبح كما هي الان مطروحة على ارض الواقع ، تفرض على المجلس البلدي والسلطة الوصية ككل التدخل السريع من اجل إطفاء غضب المحتجين وقلما ستجد هذه الاخيرة الوقت الكافي لتتعامل مع الموقف بتبصر وحكمة ،وتسرع اليها البديهة لمجادلة الشارع واقناع الجماهير الغاضبة بالتي هي أحسن دون تدخل عنف فيواجه بمثله وتصبح الشرارة حريقا ملتهبا يصعب اخماده
فاذا كان من الأسباب الداعية الى هذه الوقفات والمسيرات والمظاهرات بالنسبة للمكتب الوطني للماء والكهرباء والشركات التي تتولى التدبير المفوض لها، تنم عن قلة في أجهزتها والياتها ومواردها البشرية التي ينبغي ان تؤدي مهمتها على أكمل وجه فيما يتعلق بالصيانة والخدمات وقراءتها للعدادات في أوانها تفاديا للزج بالمستهلكين الى خانات الاشطر الإضافية ،وكذا إعادة هذه المكاتب والشركات النظر في عقودها الإذعانية ،والتراجع عن الشطط في استعمالها لقوانينها الانفرادية وتشريعاتها الاستبدادية ،وبالتالي احترامها لبنود كناش التحملات بخصوص حقوق عمالها وجودة أعمالها وحسن أدائها دون اغتصاب لحقوق زبنائها