مراكش / المغرب: سعيد العيدي

IMG_2828

 

نظمت مجموعة الدراسات والأبحاث في الإدارة والقانون بتعاون مع ماستر القانون الإداري وعلم الإدارة برحاب كلية الحقوق بمراكش ندوة علمية وطنية يومي الجمعة 22 والسبت 23 ماي 2015 تحث عنوان ” العقد في القانون الإداري المغربي”le contrat en droit administratif marocain “، وقد افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية للأستاذ الحسين سرحان أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق ومنسق المجموعة، وبعد ذلك تناول الكلمة الأستاذ محمد مومن نائب العميد المكلف بالشؤون المالية والإدارية أبرز فيها أهمية العقد في الإداري المغربي بالنظر إلى اعتماد الإدارة في نشاطها في كثير من الجوانب على العقود تبعا لحاجيات الإدارة في إطار سهرها على سير المرافق العمومية.
بعد ذلك ابتدأت الجلسة الأولى صباح يوم الجمعة 22 ماي، التي ترأس أشغالها الأستاذ الحسين سرحان أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق مراكش ومنسق مجموعة الدراسات والأبحاث في الإدارة والقانون ، وتكلف الأستاذ عبد الكريم حيضرة أستاذ باحث بكلية الحقوق بتقرير الجلسة و التي تمحورت حول ” العقد الإداري المغربي” حيث كانت المداخلة الأولى للأستاذ جيلالي شبيه أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق مراكش وعضو المجموعة في موضوع ” عقود الإدارة، معايير التمييز والصلاحيات القضائية : قراءة في العقد الإداري المغربي،les actes de l’administration, les critères de distinction et les compétences de juridictions ; réflixions sur le contrat en droit administatif marocain.
إذ تناولت هذه المداخلة خمس محاور أساسية ، حيث في المحور الأول تطرق الأستاذ لمفهوم الإدارة العمومية ووظائفها، فيما تناول في المحور الثاني أعمال الإدارة أحادية الجانب ومتعددة الجوانب وكذلك الالتزامات التعاقدية والالتزامات الناشئة عن أشباه العقود والعقود الإدارية وعقود الإدارة الخاضعة للقانون الخاص سواء في مجال الشراكة أو اتفاقيات التعاون اللامركزي أو الاتفاقيات الدولية في المجال الإداري.
وفي المحور الثالث تطرق لمعايير التمييز بين العقود الإدارية وعقود الإدارة في القانون الخاص مثل الشخص العام أو السلطة العمومية، او المرفق العام أو الشروط غير المألوفة في العقد المدني، أما في المحور الرابع فقد تناول القيود القانونية التي تربط القضاء في المسطرة المدنية في قانون المحاكم الإدارية في قوانين التنظيم القضائي وفي نظام القضاة، وفي المحور الخامس تناول أهمية التعاقد العمومي بصفة عامة والتعاقد في مجال القانون الخاص على وجه الخصوص سواء في الاقتصاد أو في الإجتماع أو في التنمية وسواء على الصعيد الداخلي أو الدولي.
أما المداخلة الثانية للأستاذ أحمد حضراني أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمكناس تناولت موضوع ” شركات التنمية المحلية: قراءة في التجربة المحلية”، وخلال هذه المداخلة تمت معالجة الموضوع من خلال فقرتين أساسيتين وهما: الفقرة الأولى همت قراءة قانونية صرفة من داخل النص، وفي الفقرة الثانية: مساءلة آلية التدبير، لأن شركة التنمية المحلية هي آلية للتعاقد، جاءت لتمويل التنمية في سياق المبادرة وخلق المنافسة. وقد جاء في الميثاق 08.17 فإن الهدف من هذه الشركات هو تجويد الخدمات والتقليل من القرار الفردي للجماعات ويقوي ذلك ماجاء في الدستور من مكتسبات بما في ذلك نظام العرائض.
ولا يخفى أن شركة التنمية المحلية تخضع للقانون التجاري وهي شركات المساهمة لكن هذا لا ينفي أنها تتأسس وفق قواعد القانون العامة، وأكدت ذلك المادة 36 من القانون 08.17 وفي مجال تدخل هذه الشركات تنص المادة 140 من القانون المذكور أعلاه على : ” ينحصر نشاط الشركات في ماهو دو طبيعة صناعية وتجارية” والملاحظ أن هذا الأسلوب في التدبير العمومي بواسطة شركات التنمية من شأنه أن يدعم الشأن المحلي لكن هناك عراقيل منها:
أما المداخلة الثالثة للأستاذ عبد الكريم بخنوش حول موضوع ” عقود التدبير المفوض بالمغرب: السياق ورهان الرفع من جودة المرافق العمومية المحلية”، حيث بين من خلالها أن المغرب عرف تجربة التدبير المفوض منذ سنة 1997 في غياب نص قانوني ينظمه في إطار الاتفاقية التي أبرمت بين المجموعة الحضرية للدار البيضاء سابق وشركة ” لاليونير دبزو” أي ” ليديك ” حاليا. وقد ساهمت مجموعة العوامل الداخلية والخارجية في تبني هذا الأسلوب بسبب العجز الذي شهدته الجماعات المحلية بالمغرب في العديد من القطاعات الحيوية خاصة في مجال توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع النفايات ذلك أن تفاقم العجز في الخدمات الاجتماعية الأساسية وإفلاس أنماط التسيير التقليدية إضافة إلى التحولات العالمية التي تدفع نحو تنميط وعولمة الاقتصاد، كل هذه العوامل ستدفع إلى تبني أسلوب التدبير المفوض كنمط يعول عليه لإنقاذ مجموعة من المرافق المحلية خاصة من الإفلاس التام.
وتعد عقود التدبير المفوض عقودا إدارية يتم بموجبها تفويض تدبير مرفق عمومي إلى شخص معنوي عام أو خاص مقابل حصول هذا الأخير على أجرة من المرتفقين وتحقيق أرباح من التدبير أو هما معا وقد حاول المشرع من خلال القانون رقم 54.05 الصادر سنة 2006 والمتعلق بالتدبير المفوض تنظيم العلاقة بين طرفي العقد أي المفوض والمفوض إليه من أجل ضمان جيد للمرافق المفوضة.
إلا أن قراءة متأنية في مجموعة نماذج التدبير المفوض بالمغرب توضح بجلاء أنه برغم بعض الإيجابيات المحدودة جدا فقد راكمت هذه التجربة في تدبير المرافق المحلية الكثير من السلبيات على العديد من المستويات، سواء على المستوى المالي حيث أصبح هذا النظام في التدبير مرهقا لمالية الجماعات المحلية المعنية وسواء على مستوى جودة الخدمة والتي لم ترق إلى مستوى تطلعات السكان إضافة إلى الانعكاسات السلبية على المستخدمين الجماعيين الذين في الغالب يتم تسريح عدد منهم من طرف الشركات المكلفة بالتدبير.
كما أن انفراد الحكومة بتحديد أشكال وكيفيات أشكال إعداد وثائق التدبير المفوض وإغفال الجماعات المعنية من هذا الشأن، إضافة إلى افتقاد أغلب الجماعات المحلية للمواد البشرية المؤهلة كل هذه العوامل تجعل تجربة التدبير المفوض من المحك، مما يتطلب إعادة النظر كليا في هذه العقود حتى لا تظل المرافق العمومية المحلية رهينة لأساليب تدبيرية لم تبرهن حتى الآن عن نجاعتها.
أما المداخلة الرابعة للأستاذ عبد اللطيف الهلالي، أستاذ باحث بكلية الحقوق أكادير حول موضوع ” تدبير العقود الإدارية : الصفقات العمومية نموذجا”, حيث تناولت المداخلة موضوع الصفقة العمومية سواء من حيث إبرام العقد أو إنجازه وتنفيذه، يجعل الدولة وهيأتها المحلية أو مؤسساتها العمومية في حرج على مستوى العقد، سواء من حيث الطرق المعتمدة والتتبع والمراقبة، وأيضا السلط المتدخلة في توجيه عقد الصفقة العمومية والتصديق عليه.
كما أن تدبير عقد الصفقة العمومية يطرح مجموعة من الإجراءات كتدابير متبعة للحفاظ على المال العام, ومن أهم هذه التدبير استحضار البعد التشاركي للعقد وآلية المراقبة وحكامة عقد الصفقة العمومية, من خلال محاربة الرشوة والغش على مستوى المصالح ذات الاختصاص بموضوع أجرأة الصفقة العمومية.
أما المداخلة الخامسة والأخيرة في الجلسة الأولى كانت للأستاذ صدوكي باحث بكلية الحقوق مراكش حول موضوع ” الإتفاقات في المادة الجبائية les accordes avec l’administration fiscale ” تناولت المداخلة مسألة الاتفاق في المادة الجبائية مع الإدارة الجبائية المغربية.
فإذا كان لايجوز الاتفاق أو التعاقد حول كل مايهم النظام العام، فإننا نلاحظ بأن الإدارة تلجأ إلى الاتفاق مع الملزم لتحديد الأساس الضريبي.
وقد تناولت المداخلة أسباب لجوء الإدارة إلى الاتفاق والإطار القانوني لهذا الاتفاق وكذلك الحدود التي يتناولها ولها هذا الاتفاق.
وفي الجلسة الثانية التي ترأس أشغالها الأستاذ الحسين سرحان أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق مراكش ومنسق المجموعة وتكلف الأستاذ المحجوب الدربالي باحث في القانون العام بتقرير الجلسة و التي تمحورت حول ” سلطات الإدارة وإمكانيات التحكيم في العقود الإدارية ” حيث كانت المداخلة الأولى للأستاذ محمد محروك، أستاذ باحث بالكلية المتعددة التخصصات بآسفي حول موضوع نسبية العقد الإداري حيث بين أن المبدأ، ووفق مبدأ نسبية العقد في إطار القانون المدني هو عدم سريان آثار هذا العقد إلا على أطرافه، لكن ترد على المبدأ مجموعة من الاستثناءات أهمها، الاشتراط لمصلحة الغير.
فهل هذا المبدأ يسري حتى بالنسبة للعقد الإداري؟ هناك اتجاه رافض لتطبيق هذا المبدأ في إطار العقد الإداري: اتجاه ثاني مؤيد، واتجاه ثالث توفيقي أما الغير، فهو كل من لم يكن طرفا في العقد الإداري وقد يكون من أشخاص القانون العام ” باقي المرافق الأخرى” القانون الخاص” العمال زائد المقاول من الباطن.
أما المداخلة الثانية للأستاذ أشرف جنوي، أستاذ باحث بالكلية المتعددة التخصصات بأسفي حول ” سلطات الإدارة في توقيع الجزاء على المتعاقدين معها في العقود الإدارية ” حيث بين فيها الأستاذ المتدخل أن المتعاقد مع الإدارة أثناء تنفيذه إلتزاماته في العقد الإداري مخالفات متعددة، كالامتناع عن التنفيذ أو القيام بتنفيذ مخالف للشروط والمواصفات المتفق عليها. كل ذلك يؤدي إلى حدوث اضطراب في سير المرفق العام، خصوصا إذا كان من المرافق الحيوية، ولو تم تطبيق الجزاءات العادية المتعارف عليها في القانون الخاص، والتي لا تسمح إلا بمجرد الللجوء إلى القضاء أو مجرد الدفع بعدم التنفيذ، قد لاتكون هذه الجزاءات كافية، ومن هنا تظهر سلطة الإدارة في فرض جزاءات خاصة على المتعاقدين معها، وهي جزاءات غير مألوفة في القانون الخاص، حرصا على استمرارية سير المرفق العام.
حيث من إشكالاث الموضوع تتجلى في الأساس القانوني لسلطة الإدارة من توقيع جزاءات غير مألوفة في القانون الخاص على المتعاقدين معها تم أنواع الجزاءات التي يمكن للإدارة أن توقعها وحدود سلطة الإدارة في توقيع جزاءات على المتعاقدين معها في العقود الإدارية. ولمناقشة هذه الإشكالات قسم موضوعه لمحورين مركزيين، هم محوره الأول أساس وخصائص الجزاءات في العقود الإدارية. وتجلى محوره الثاني في أنواع الجزاءات ورقابة القضاء عليها.
وفي المداخلة الثالثة للأستاذ محمد المجني أستاذ باحث بكلية الحقوق أكادير حول موضوع “مدى جواز التحكيم في العقود الإدارية ” حيث بين من خلالها أن التحكيم يعتبر وسيلة لحل المنازعات من أقدم الوسائل بحيث التجأ إليه السوماليون والرومان واليونان، وقد اختلفت التشريعات في إعطاء تعريف للتحكيم حسب نظرتها ومقاربتها للوسائل البديلة لفض المنازعات.
فقد عرفه المشرع الفرنسي في المادة في المادة 1442 من قانون المسطرة المدنية بأنه ” اتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد من العقود بإخضاع المنازعات التي يمكن أن تنشأ بينهم للتحكيم.
أما المشرع المغربي فقد عرفه في الباب الثامن من القسم الخامس المعنون بالتحكيم والوساطة التحكيمية من قانون المسطرة المدنية الصادر في سنة 2014 : حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناءا على اتفاق التحكيم.
لكن إذا كان التحكيم في العقود المدنية والتجارية هو أحد الوسائل الطبيعية التي لا تثير أي خلاف لحل المنازعات الناجمة عنها فإن التحكيم في مجال المنازعات الإدارية بشكل عام والعقود الإدارية بشكل خاص يثير تباين في أراء الفقهاء والقضاء بين مجيز للتحكيم وبين منكر له. وذلك بالنظر إلى ماتولده هذه العقود الإدارية من امتيازات في مواجهة المتعاقد معها فإلى أي حد تباينت أراء الفقهاء والقضاة والمشرع في مدى مشروعية التحكيم أو جوازه في العقود الإدارية وما مدى ملائمة هذا النوع من المنازعات لمسطرة التحكيم.
أما المداخلة الرابعة والأخيرة في الجلسة الثانية كانت للأستاذ زكرياء خليل، أستاذ باحث بكلية الحقوق مراكش حول موضوع ” التحكيم كآلية لحل المنازعات: العقود الإدارية الدولية نموذجا” حيث تطرق في مستهلها للأساس القانوني الذي يستند عليه القول بجواز التحكيم في العقود الإدارية الدولية، ويتمثل هذا السند في بعض المقتضيات القانونية والاتفاقيات الدولية التي أبرمها المغرب وصادق عليها. تم تعرض لمسألة تحديد الجهة القضائية المختصة لمراقبة الأحكام التحكيمية الدولية في العقود الإدارية الدولية والإشكالية التي تطرحها المقتضيات القانونية في هذا الإطار خاصة في مايتعلق بتحديد الجهة المختصة هل هي المحكمة التجارية أم القضاء الإداري ليؤكد أن هذا الأخير هو المختص لأن من يملك الاختصاص الأصلي يملك بالضرورة الاختصاص التبعي أو الفرعي تم أن القضاء الإداري هو المؤهل لتقدير مدى احترام الأحكام التحكيمية الصادرة في العقود الإدارية الدولية للنظام العام وتوافقها مع ذلك.
وفي الجلسة الثالثة التي ترأس أشغالها الأستاذ مراد بوستة أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق مراكش ومنسق المجموعة وتكلف الأستاذ عبد اللطيف الهلالي أستاذ باحث بكلية الحقوق أكادير وباحث في القانون العام بتقرير الجلسة و التي تمحورت حول ” منازعات العقود الإدارية ” حيث كانت المداخلة الأولى للأستاذ الحسين سرحان أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق ومنسق المجموعة، حول موضوع : ” دعوى الإلغاء في المادة التعاقدية في القانون المغربي”،
le recours pour excès de pouvoir en matière contractuelle en droit marocain وقد أوضح الأستاذ المحاضر أن العقد الإداري يعتبر عملا إداريا قانونيا مثل العمل الإداري الأحادي، إلا أن مايميز بينهما على مستوى القضاء هو أن العمل الإداري الأحادي يمكن طلب إلغائه باعتباره يعبر عن الإرادة المنفردة للشخص العام، عكس العقد الإداري الذي يعبر عن إرادتين، فهو لا يرقى إلى مستوى العمل الإداري الأحادي، وبالتالي لا يسمح بممارسة دعوى الإلغاء إلا بصفة استثنائية خاصة فيما يتعلق بتطبيق نظرية القرار المنفصل أي القرارات التي تدخل في مرحلة ماقبل تكوين العقد.إلا أنه انطلاقا من سنة 1957 يلاحظ أن الغرفة الإدارية قبلت الطعن بالإلغاء حتى في القرارات التي تدخل في تنفيذ العقد أي بعيدا كل البعد عن القرار الإداري المنفصل. وقد همت هذه الحالات القضائية أساسا عقود الوظيفة العمومية، الشيء الذي جعل الفقه يقر بأن المسألة تتعلق فقط بعقود الوظيفة العمومية، إلا أنه تبين فيما بعد أن قضاء الإلغاء قد هم كذلك قرارات تعلقت بتنفيذ عقود الصفقات العمومية، وكذلك عقود الالتزام الشيء الذي يجعل من هذه الظاهرة في القانون المغربي أكثر من مجرد استثناء قضائي.
وفي المداخلة الثانية للأستاذ حسن صحيب أستاذ باحث بكلية الحقوق أكادير وعضو المجموعة، حول موضوع : ” مسؤولية الإدارة التعاقدية بالمغرب” فقد أوضح الأستاذ المحاضر أنه انطلاقا من مبدأ ترتيب المسؤولية على كل طرف ارتكب خطأ تعاقديا، والذي يجعل العقود الإدارية فإن تمة خصوصيات تميز هذه الأخيرة وذلك من باب تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ذلك أن الإدارة عند تعاقدها تكفل حسن سير المرفق وانتظامه واستمراريته، بيد أن مسؤولية الإدارة تقوم كلما أخلت بالتزاماتها التعاقدية عند تدخلها أثناء مختلف مراحل سريان العقد الإداري ويعتبر الخطأ الناتج عن إخلال الإدارة بالتزاماتها التعاقدية أحد أسس المسؤولية الإدارية المحددة في الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود مما يجعل الخطأ التعاقدي للإدارة لايشكل حالة متميزة ومختلفة عن الخطأ المرفقي.
ولذلك فإن مجال مسؤولية الإدارة جراء أخطائها التعاقدية يشمل جوانب متعددة يحاول القضاء الإداري المغربي معالجة بعض جوانبها كالمسؤولية عن إخلال الإدارة بالبنود التعاقدية أو مسؤوليتها عن تنفيذ العقد سواء من طرفها أو من طرف من أوكلت إليه تنفيذه، أو مسؤوليتها عن الخطأ الجسيم الناتج عن تقييم الأشغال حينما يطلب منها ذلك الشخص المتعاقد معها. وعلى إثر انعقاد مسؤوليتها قد يتضرر المتعاقد مع الإدارة من جراء أخطاءها وهنا فإن قواعد العدالة تفرض أن تلتزم الإدارة بتعويض المتعاقد معها عما أصابه من أضرار سواء من خلال إعادة التوازن المالي للعقد في إطار النظريات الثلاث( نظرية فعل الأمير – نظرية الظروف الطارئة – الصعوبات المادية غير المتوقعة ) إضافة إلى ذلك فإن المتعاقد مع الإدارة يحق له المطالبة بفسخ العقد بشكل كلي أو جزئي.
وبذلك تشكل هذه الحالات مختلف جوانب تطبيقات المسؤولية التعاقدية للإدارة سواء المسؤولية بناءا على الخطأ أو بدون خطأ.
أما المداخلة الثالثة فقد كانت للأستاذ عبد الكريم حيضرة، أستاذ باحث بكلية الحقوق بمراكش وعضو المجموعة، حول موضوع ” تطور الرقابة القضائية في منازعات الصفقات العمومية” وقد أكد الأستاذ حيضرة أن الأصل أن منازعات الصفقات العمومية هي منازعات تندرج ضمن ولاية القضاء الإداري الشامل، والذي يمثلك سلطات هامة من خلالها يراقب سلطة الإدارة في تعديل بنود الصفقة، وفي توقيع الجزاء بشكل إنفرادي على المتعاقد معها. هذا الجزاء الذي يشمل الجزاءات المالية كالغرامة التأخيرية ومصادرة الضمان والتنفيذ المباشر، بل قد يصل إلى حد فسخ الصفقة من جانب واحد. في هذا الإطار فقد وضع القاضي الإداري مجموعة من القواعد لضبط سلطة الإدارة، إلى درجة أنه أصبح يراقب مدى ملاءمة جزاء الفسخ للمخالفة المنسوبة للمتعاقد مع الإدارة.
أما قاضي الإلغاء فقد اتسعت سلطاته في مادة الصفقات العمومية، فبعد ماكانت تنحصر في الرقابة على القرارات الممهدة لعقد الصفقة أصبح يراقب أيضا قرار الفسخ متى كان الطاعن يجادل من المقتضيات والمبادئ المؤطرة للصفقة العمومية. أما إذا كان الفسخ نتيجة لعدم تنفيذ بنود الصفقة فالإفتحاص ينعقد لقاضي العقد في إطار القضاء الإداري الشامل.
وفي المداخلة الرابعة في الجلسة الثالثة التي كانت للأستاذ إدريس فاخور أستاذ بكلية الحقوق بمراكش تناول فيها موضوع يحمل عنوان ” أي دور للقاضي الإداري في التوفيق بين المصلحتين العامة والخاصة في إطار عقد الامتياز” حيث أكد الأستاذ فاخور في مداخلته أن توجهات الدولة الرامية إلى تشجيع القطاع الخاص والانفتاح على الطرق الحديثة في تدبير المرافق العمومية يفرض أكثر من أي وقت مضى ضرورة عدم التضحية بهذه المصلحة الخاصة خدمة لمستقبل المرفق العمومي. لأن دور القاضي الإداري يكمن في المحافظة على استمرارية المرفق العمومي وعدم التضحية بالمصلحة الخاصة، وله في هذا التوجه مجموعة من الأحكام الإدارية التي حاولت التضييق من المصلحة العامة للحد من سلطات الإدارة وتمكين الطرف الضعيف في التعاقد (الملتزم) من مجموعة من الحقوق حفاظا على مصالحها الخاصة (الحق في الحصول على التعويض، حمايته في الظروف العادية، الحق في المقابل المادي).
غير أن هذا التوجه يصطدم بالوجود القوي لسلطان الإدارة مما يجعل القاضي الإداري في موضع لايحسد عليه بلعبه دور التوفيق والتقريب بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة خدمة للتنمية الشاملة.
أما المداخلة الخامسة للأستاذ إبراهيم كومغار، أستاذ باحث بكلية الحقوق أكادير حول موضوع ” حدود الاختصاص القضائي في منازعات عقد الصفقة العمومية والبدائل المقترحة ” حيث تطرقت مداخلته لثلاث محاور أساسية أولها التأطير لمنازعات عقد الصفقة العمومية وثانيها تطرق للحدود والعوائق التي تواجه الاختصاص القضائي في ميدان الصفقات العمومية. وثالثها أعطى فيه المتدخل البدائل والحلول لتجاوز تعقيدات المسطرة القضائية في فض منازعات عقد الصفقة العمومية.
فبالرغم من إحاطة مجال الصفقات العمومية بالعديد من النصوص القانونية التي تضمن الالتزام بمبدأ المشروعية في كل مراحل الصفقة العمومية، وبالرغم من تطور الاجتهادات القضائية الرامية لفض منازعات عقد الصفقة العمومية أو ابتداعها للعديد من الحلول التوفيقية بما يضمن حقوق طرفي عقد الصفقة العمومية، فلا زالت هناك الكثير من العقبات التي تجد من فاعلية القضاء في هذا النوع من المنازعات المرتبطة بمصالح اقتصادية واجتماعية هذه العقبات التي تتمثل في العوائق الإدارية ومنها إشكالية عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، والعوائق القانونية وتتجلى في قصر الآجال التي يعطيها المشرع للمتنافسين وكذلك في اتباع قواعد المسطرة المدنية التي لا تتلاءم مع خصوصيات المنازعات الإدارية بما فيها منازعات عقود الصفقات العامة إضافة إلى الصعوبات التي يعرفها القضاء الإستعجالي في هذا الميدان تنضاف إليها العوائق البشرية والمالية، وهذا دفع المتدخل إلى طرح بدائل لفض منازعات الصفقة العامة في أقرب الآجال وبأيسر الوسائل، ومن بين هذه البدائل مايخص التسوية الحبية وأيضا التظلم الإداري أو توجيه الشكايات وكذا اللجوء إلى لجنة الصفقات إضافة إلى أهمية التحكيم والوساطة في الاتفاقية لحل هذا النوع من المنازعات.
وفي المداخلة السادسة والأخيرة في الندوة الوطنية التي كانت للأستاذ المحجوب الدربالي، باحث في القانون العام أكد فيها أن الجماعات المحلية تبرم العديد من العقود منها مايعتبر عقودا خاصة يخضع تنظيمه لقواعد القانون الخاص، ومنها مايعد عقودا إدارية يخضع للقانون العام.
وقد حاول الأستاذ الدربالي إبراز مساهمة القاضي الإداري في مجال العقود الإدارية للجماعات المحلية لتحقيق التوازن بين المصلحة العامة والتي تهدف الجماعة إلى تحقيقها عند إبرامها العقد الإداري، وبين المصلحة الخاصة للمتعاقدين معها والذين يسعون بالدرجة الأولى الحصول على الربح.
والقاضي الإداري لعب دورا محوريا في تحقيق هذا التوازن، حيث قضى في العديد من الحالات بتكريس امتيازات وصلاحيات الإدارة الجماعية في مجال العقود الإدارية من خلال تأكيده على شرعية بعض ممارستها كتطبيق الجزاءات وممارسة الرقابة وتعديل العقد وفسخه. وبالمقابل اعتبر في حالات أخرى كالتعويض لصالح المتعاقد مع الجماعات المحلية بسبب الأضرار الناتجة عن تدخل الإدارة، أو بسبب ظروف طارئة أو إثراء بلا سبب.
وبعد مناقشة المداخلات من لدن الحاضرين تقدمت الأستاذة السعدية بورايت أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق مراكش وعضوة المجموعة، بتلاوة التقرير الختامي للندوة الوطنية التي انتهت في جو يسوده الجد والالتزام والعلم.