بقلم : الخضير قدوري

محمد عبد العزيز المراكشي

 

 

    وهل بات من المؤكد أن الاستعمار الفرنسي كان ارحم بالشعبين منهما  حسب  ما أصبحت تتناوله بعض القنوات الفضائية الجزائرية السائرة في ركب نظامها العسكري، الذي بات يمر بظروف صعبة شلت مواكبته للعولمة ولركب الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم. هذه القنوات التي تملأ فراغاتها بأخبار ارشيف الماضي القديم ،وتحشو أفكار الأجيال الحديثة بأساطير الأولين ،هذه الأجيال التي تشكل نسبة عالية من الشعب الجزائري الشقيق .وحينما نقول الشقيق فهو كذلك أحببنا أم كرهنا  فالتاريخ والواقع والروابط المتينة التي لا يمكن لأي إنسان في الدولتين أن يتخلص منها تحت تأثيراي المخدرات السياسية والعسكرية   .وانطلاقا من هذا المبدأ لا احسب أنهما يستطيعان محو ذلك من على ذاكرة ووعي الشعب الجزائري ،مهما حاول هؤلاء المهيمنون على الوضع العام في هذا البلد الغني ، المفروض عليه أن يكون شعبه من اسعد الشعوب العربية .فإذا حاله لا يختلف عن حال مختلف الشعوب الإفريقية الضائعة في الدول الغربية  والشرقية طلبا للرغيف وهربا من الفقر والمجاعة ،اجل قلما وجدنا هناك مواطنا ليبيا أو سعوديا أو إماراتيا أو قطريا أو أي احد من أفراد شعوب الدول البترولية ،واقع معاش يجرنا بعيدا عن السياسة والتعصب الجاهلي  والحق الذي يراد به الباطل.

     كانت ارض الجزائر أثناء عهد الاستعمار الفرنسي تستقطب فقراء الدول الإفريقية والعربية ،وكانت وجهة الباحثين عن الرغيف والجرعة ، وقد بني الاستعمار الفرنسي  بسواعدهم صرح الدولة الجزائرية ،وعلى رقابهم رفعت قواعدها الاقتصادية وبنيتها التحتية ، على غرار ما قامت به بعد رحيلها عن الجزائر حينما فتحت أبوابها في وجه العمالة الإفريقية والعربية وبخاصة المغاربية وفي مقدمتها الجزائرية ،التي لم تغنيها أو تستثنيها ثرواتها البترولية . وبعد نصف قرن يعادل  نصف العهدة الاستعمارية لم يستطع النظام الجزائري أن يوفر لهذا الشعب أدنى متطلبات حياته المتمثلة في سكن لائق وعمل شريف وحياة كريمة ، أو يحقق له إستراتيجية  هادفة تضمن مستقبل الأجيال القادمة باعتبارها القاعدة الصلبة التي يقوم عليها صرح الدولة ، فتواجه تزايد النمو الديموغرافي عبر السنين الآتية .

      كل ما استطاع تحقيقه هو خلق عدو افتراضي وغول أكول في غربه يتمثل في شعب تربطه بنظيره أواصر وروابط وثيقة ،كما سبق الإشارة اليه رغم  ان ما كان  يجمعهما أثناء مرحلة الاستعمار أكثر مما يفرقهما أثناء مرحلة الاستقلال ،ترى هل كان الاستعمار الفرنسي ارحم بالشعبين من بعضهما ،حتى  الحدود الفاصلة كانت شبه وهمية بين دولة مستعمرة وأخرى مستقلة ، قلما كان يحرسها او يضع بين الشعبين أسلاكا شائكة لو لم تكن  الأخيرة مصدر المئونة ومأوى للثوار الجزائريين ، فالتاريخ والأثر مازالا شاهدين على العصر ولا أدل عليه من المقابر والمساكن والأراضي و الاثارات الماثلة للعيان  إلى يومنا هذا . على أي لا  مجال للذكر والتذكير والأخر أدرى منا بهذه الحقائق ولا يمكنه أن يخفي ذلك على الضمير الجزائري مهما حاول إخفاءها عن الأجيال ما بعد الاستقلال التي سينجلي ليلها وينكسر قيدها عندما تريد الحياة ويزول عنها تأثير المخدرات السياسية الفاشلة ، فتعيد كتابة  التاريخ بأقلام  مثقفي الشعب عن ذاكرة أحرارا لجزائر

    مهما يحاول النظام العسكري في هذا البلد أن يشحن  أجياله بأفكار مريضة يسخر بعض قنواته المغرضة التي تسير في ركبه ويديرها بعض زبانيته  والتي بدأت هذه الأيام تملا فراغاتها بأخبار مضللة من ماض أكل عليها الدهر وشرب تنبش فيه  بحثا عن جراح دفينة ،وفي الرماد عن أي جمر حارق  يمكن إلقاؤه على زيت الآخر، رامية الى تصدير عجز هذا النظام  وفشله وضعفه إلى دول الجوار،  لشغل  أبنائه عن مطالبهم الحقيقية التي ينبغي أن يسهر ليل نهار من اجلها ، أفضل بكثير استضافة محللين اقتصاديين وخبراء سياسيين ومفكرين اجتماعيين  تعين على تدبير الشأن المحلي ، بدلا من استضافة مرتزقة إعلاميين  وسياسيين مغرضين  ودعاة ثقافة وأشباه  مثقفين لا وزن لهم في مجالات السياسة والاقتصاد ولا ثقل لهم في عوالم الفكر والإبداع   .

    من هؤلاء فقط من يريد المجاملة ،ومنهم من يريد الشهرة الإعلامية والسياسية ومنهم من يسترزق وشتان ما بين “جمعة وعطوان “.كل ذلك على حساب نظام يتاجر بمعانات شعبه ، من اجل إسماعه كلمة المستعمر المغربي للصحراء الغربية وللشعب الصحراوي ،خلافا لما يخالج ضمير هذا النظام ذاته الذي يحاول نزع الحقيقة المتوغلة في أعماق وعي الشعب الجزائري ،وقد يغترف بأن حدود المغرب مع جيرانه لم تسو  بعد بما فيها الحدود الشرقية ، بمعنى أن وحدة أراضيه لم تكتمل ومازال مشكل هذه الحدود قائما لا يختلف عن حدوده الشمالية التي قد يخاف المغرب في حال مطالبته بتسويتها واسترجاع أراضيه المحتلة من أن يسرع النظام الجزائري إلى استقطاب مجموعة من سكانها فيصنع منهم كيانا على تخومها الغربية ثم يسميها جمهورية الشعب الريفي أو الجبلي أو الوجدي على غرار جمهورية الشعب الصحراوي وقد وقع  ذلك حينما حدثت مناوشة بين المغرب واسبانيا حول جزيرة ليلى وقد كانت الشقيقة سباقة الى اتهام المغرب لذلك  يفضل هذا الأخير أن تبقى مليلية وسبتة مستعمرتين اسبانيتين أفضل من أن تصبح جزائريتين، وإذا كان التقادم يلقي بغباره على الأشياء فيتلفها ربما يكون ذلك من افات المغرب واخطائه التي يقطف ثمارها وقد كان  من المفروض عليه اليوم قبل الغد ان يصحح هذه الاخطاء  فيبدأ بتسوية مشكل حدوده الشرقية أولا وأخيرا

      وربما قد يكون بعض الساسة الجزائريين المناصرين لأطروحة الجمهورية الصحراوية مخطئين إلى حد ما ،حينما يحسبون أن محمد عبد العزيز صحراويا قد يدوم على الولاء لهم دون من يسمونهم الشعب الصحراوي ،ويتناسون أن محمد عبد العزيز قد يحس في قرارة نفسه انه  مغربي قبل ان يكون صحراويا او مراكشيا ،وسيأتي يوم ليعلن عن ذلك للملا ولا أدل عليه من استضافته على قناة من قنواتهم حينما ظل يتكلم طوال ساعة لم  يذكر المغرب بكلمة مستعمر، في حين ظل الصحفي الجزائري يلقنه كلمة الاستعمار المغربي لأكثر من مرات ،إلا أن محمد عبد العزيز أبى إلا أن يسميه المملكة المغربية والملك محمد السادس والشعب المغربي الشقيق . عصي على فهم ساسة الجزائر انه مازال في عروق بن عبد العزيز قطرات دم مغربي  لم يستطيعوا بأدواتهم  تصفيتها ،بن عبد العزيز سيحن يوما ما إلى أبيه وأمه ولا نحسبه عاقا لوالديه إلى هذه الدرجة ، ولكنه ربما قد يكون معذورا إذ  لا حول له ولا قوة كغيره من المحتجزين الذين يضرب عليهم الحصار من قبل عسكر النظام ،رغما عن ذلك سيعود عبد العزيز إلى وطنه الأب وأبيه الإنسان ،والى أمه الأرض وأمه الإنسان .وسيكشف عن عذره وقد كان الوطن غفورا رحيما ،فهل سيدرك النظام العبقري ذلك قبل فوات الأوان بحكمته ،أم قد لا يدركه إلا بعد فوات الأوان بغباوته .

     فإذا كانت الصحراء وفق ما صرح به الملك محمد السادس قد تكلف الشعب المغربي  أكثر من سبعة دراهم للفرد يوميا بمعدل 24 مليار سنتم سنويا أو ألف مليار منذ 40 سنة ما يعني أن قضية الصحراء لم تكن قضية حكومة أو ملك وإنما هي قضية شعب بأكمله ،وقد اقسم أن لا يفرط في شبر منها ، وهو مستعد أكثر من أي وقت مضى أن يحمل السلاح هذه المرة ويسير في مسيرة حمراء فإما أن يموت وسيموت شهيدا و إن قدر له أن يحيا سيحيى بطلا ، فهل يليق بنظام الجزائر أن يفعل بشعبه كذلك وهل يكون هذا الشعب على قناعة من اقتتاله من اجل باطل يراد به حق ، انه رهان خاسر قد يكلفه غاليا وهو لا يقبله مبدئيا إلا اذا كان جنديا محكوم عليه ان ينفذ  أوامر ضباطه .

      فإذا كان الطرف الأول يبذل الخسارة طمعا في الربح ومن اجل  ارض يعتبرها أرضه فهل ما يخسره الطرف الثاني كان فقط من اجل صناعة  دولة وزرع كيان قد يطمع في احتضانه لأنه في حاجة إلى أرضه و إلى رجاله ، وينوي ارتهانه مقابل استرجاع ما خسره ، واستبقائه عبدا لا يحرره إلى حين استيفاء ما بذمته ،أم كان عليه أن يتحمل عبء هذه المغامرة فقط من اجل سواد عيون الصحراويين والصحراويات  ومن الحب ما قتل

قد يصعب على فهم  أولي الألباب حل اللغز الذي يجدونه  نوعا من الهيستيريا السياسية ومن التعصب الجاهلي ،لا احسب  أن الشعب المغربي في حاله سيسمح لنظامه بمثل هذه المراهنة ، او يمارس عليه مثل هذه الممارسة التي لا يجني من ورائها إلا الخسارة ، فيتركه ليتاجر بمعاناته مقابل لا شيء ، الشعب المغربي قد يحاسب حكومته على درهم ، إما أن تبرره أو يسجله في سجيل سيئاتها ويبقي ملفها مفتوحا بين أيدي عدالة التاريخ .

     وفي التالي كان أولى بالنظامين الجزائري والمغربي ان يغلبا العقل عن التعصب والتشنج فيجلسان معا على مائدة من اجل دراسة  ملف الصحراء الشرقية باعتباره جوهر المشكل القائم بين البلدين ويعملان على تسويته في إطار حسن الجوار والروابط الاجتماعية والتاريخية المشتركة التي من شانها أن تذلل كل الصعوبات وتذوب كل الخلافات بعيدا عن أفكار الهيمنة وحب الزعامة والتسلط والتوسع على حساب مصلحة الشعبين المشتركة  ذلك أفضل بكثير من الهروب إلى الأمام  من اجل ذر الرماد في العيون ، ما الصحراء الغربية أو المغربية إلا وسيلة يراد تحويل الأنظار عن الأهم منها وهي الصحراء الشرقية التي قد تؤدي بالنظامين الى بناء سور بينهما على غرار سور إسرائيل أو من قبله سور برلين الا ان هذا الجدار أو السور سيتفتت يوما ما تحت مطارق الشعبان وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون  .