بقلم : عزالدين قدوري
أتحدى كل شخص مفتون بفتنة المال و البذخ و الرفاهية و تابع للمادية المتعفنة مهما كان مستوى ثقافته و مهما كانت ايديولوجيته ان يتقدم بإجابات شافية و مقنعة لسبب وجود كل هذا الشر بمدينة تاوريرت .. لكنني متأكد أنني سأجد الجواب الشافي لدى انسان فقير بسيط مؤمن و متعلم.
– لماذا يحي الاطفال حياة شقية وسط أتربة و أزقة موحلة تجري وسطها مجاري الصرف الصحي ؟ ..
– لماذا أغلب الساكنة تعاني الفقر و التهميش ، و وسط كل ذلك الواقع الأليم تجد حالة انسانية لشخص من دوي الاحتياجات الخاصة او الامراض المزمنة.. لا تتوفر لها أبسط متطلباتها بهذه المدينة ؟..
إنها صورة تتحدى كل الكلمات،
كل الكلمات حينئذ تصبح ثرثرة سخيفة غير مجدية ، و كل تبريرات ممثلي الساكنة تصبح عبارة عن جهل عميق بمحيطهم ، و أمر مثير للإشفاق على سوء بصرهم .
لا شيء كالفقر ، و لا شيء كالألم .. ان صرخة ألم مغلفة بصرخة قلة اليد و الحيلة ، و مصحوبة بدعاء يخترق السموات السبع هي كل ما يملك ذلك الانسان العبوس بمدينة تاوريرت ..
كذلك هي الحياة ، فأن تكون متألما فقيرا ، و يكون لجوؤك لله وحده هي احدى صور الايمان و التسليم بالامتحان و الرضى به و الاستعداد للثواب ، خير من أن تكون صاحب قوة و مال و نفود و تستثمر كل ذلك في زرع الشر و حصد السيئات ، و أنت تعلم أن عمرك ليس شيئا من عمر الوجود ككل ، و الوجود ليس الا ساعة من نهار مقارنة مع الحياة الابدية حياة العالم الاخر ، عالم الخلد حيث لا فرق بين الناس إلا بالتقوى ..
لذلك ، فأن تحيا فقيرا و متألما و لك القدرة على الجلد أمام الشر و الوقوف في وجهه محافظا على شرفك و ضميرك النقي ، و لاجئا لله عز و جل ، فاعلم أنك قد أوتيت من قوة العقل و البدن و الروح مالم يكن لرجل له من المال الكثير و النفود الواسع و لا يتوفر على درة عقل و ذكاء تجعله يفرق بين الصح و الخطأ ، و بين الدار الفانية والدار الباقية …
ان ما يجعل الفقراء و المتألمين سعداء رغم كل شيء هو رؤيتهم للمشوار الذي قطعوه رغم كل الصعاب و لا زالوا صامدين ، و الى المستقبل الذي ليس ببعيد ، فأيقنوا أن الكل قد سلكوا نفس المسلك و وصلوا الى نفس نقطة الوصول ، فما فاز منهم و ما فلح منهم الا أهل الصبر و الجلد و المكابدة .. فاقتنعوا أنه لمشوار رائع .. و ما الشر الا ابتلاء ، و ما امتلاك المال و النفود الا ابتلاء ايضا ..