بقلم : عزالدين قدوري 

 و أنا أتطلع إلى هذه المدينة الغارقة في الوحل و التراب .. هذه المدينة الكئيبة التي تزداد نموا ديموغرافيا و عمرانيا يوما بعد يوم .
تارة القي بنظري إلى أزقتها و شوارعها التي تبدو كلوحة تجريدية تتداخل فيها الأشكال العشوائية و يطغى فيها اللون البني الترابي على خلفية سوداء قاتمة مع غياب تام للون الأخطر و الأبيض النقي الصافي.
و تارة أخرى القي بنظري إلى الجهة الأخرى من مدينة تاوريرت حيث الحي الصناعي المميز بلونه الأزرق و الذي يزداد يوما بعد يوم اتساعا لدرجة قد يخيل فيها لزائر لهذه المدينة أنها من المدن الرائدة اقتصاديا و صناعيا ، و أن شبابها و ساكنتها لا يشكون من البطالة و العوز و الفقر بالنظر إلى مساحة هذا الحي الصناعي من المساحة الإجمالية لمدينة تاوريرت .
أمام هذه الأشكال و هذه الصورة المحيرة للعقول و الغير مفهومة ، و طلبا للمعلومة كنت الجأ إلى تصفح بعض صفحات التواصل الاجتماعي لبعض الشخصيات لعلي أجد لديهم و لو إشارة صغيرة أو ومضة ترشدني إلى الإجابة ، كانت الصفحات تمتلئ بالاقتباسات و الخواطر و الأقوال و الآراء المختلفة التوجهات بين ما هو ثقافي و ما هو سياسي و ما هو أيديولوجي … إلا أنها رغم اختلاف توجهاتها كانت كلها تشكو قتامة الوضع العام التاوريرتي ، و تطالب الأطراف المسيرة للشأن المحلي بالوفاء بعهودها و واجباتها تجاه الساكنة .
و في الزاوية الافتراضية الأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي كنت أصادف أيضا عناوين بارزة لحملات مضادة تجري في الخفاء تناصر أصحاب المال و الأعمال و الممثلين السياسيين السلبيين رغم الوضع المزري الواضح الذي مس جل الفئات الاجتماعية بمدينة تاوريرت و في مقدمتهم هؤلاء المناصرين الذين يظنون أن بأساليبهم تلك سينجحون في تأمين حجياتهم اليومية .
في مدينة تاوريرت .. الكل يشكو الارتفاع الحاد للأسعار و مؤشر البطالة في صعود مستمر و انعدام لوسائل الإنتاج .
في تاوريرت .. الرأي العام جله اتفق على أن كل حزب صعد ليسير الشأن المحلي ما هو إلا حزب جاء فقط ليفشل و يرحل ، و أن عمر فشله فقط أربع سنوات عجاف سيساهم خلالها في تدهور أحوال المدينة فيجعلها مدينة لا تتحول و لا تتغير بعد ذلك لأي شئ يذكر .
إن ساكنة مدينة تاوريرت باتت يائسة لا تنشد أي تغيير على مستوى المدينة، و لم تعد لها أي إنتظارات غير تغيير الوجوه المسيرة للشأن المحلي، فقط لكسر الرتابة والملل من رؤية نفس الوجوه ، أما على مستوى دواتهم وعقولهم فهي جلها متشابهة .
إن المتمعن جيدا في المشهد التاوريرتي يبقى حائرا و هو يرى أصحاب رؤوس الأموال و لاعبي الحقل السياسي على الرغم من اختلاف توجهاتهم و إيديولوجياتهم إلا أنهم في تواصل دائم و تجانس و تفاهم ينعدم لدى الفئات الشعبية من ساكنة مدينة تاوريرت التي يجمعها نفس المصير و نفس المشاكل و نفس المعاناة و نفس المطالب ….. فعلا انه أمر غريب و محير للعقول .