تاوريرت بريس :

 تعتبر مدينة المهن والكفاءات لجهة الشرق، التي فتحت أبوابها في أكتوبر المنصرم بالناظور، انسجاما مع السياسات العمومية الرامية إلى النهوض بالتكوين وقابلية التشغيل لدى الشباب، مؤسسة من الجيل الجديد في خدمة التميز والابتكار.

وتندرج هذه البنية العصرية في إطار برنامج إحداث 12 مؤسسة تكوينية من الجيل الجديد في مختلف جهات المملكة، رأت أربع منها النور لحد الآن. ويتعلق الأمر بمدينة المهن والكفاءات الرباط – سلا – القنيطرة، التي أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس على تدشينها أمس الثلاثاء بمدينة تامسنا، وكذا مدن المهن والكفاءات لسوس – ماسة، والعيون – الساقية الحمراء، فضلا عن جهة الشرق.

واستقبلت مدينة المهن والكفاءات بالناظور، التي تصل طاقتها الاستيعابية إلى 2500 مقعد بيداغوجي ، فوجها الأول المتكون من 1410 متدربا برسم الدخول التكويني 2022 – 2023، منهم 910 مسجلين في التكوين الأساسي (تقني متخصص، وتقني وتأهيل)، و500 متدربا في التكوين المهني.

ومن شأن هذه المؤسسة الجديدة، التي تم إحداثها على مساحة 12 هكتارا، توفير عرض تكويني متنوع في قطاعات واعدة تم تحديدها بإشراك فاعلي الجهة.

وقد تم بلورة العرض التكويني لهذه المدينة وفق مقاربة للذكاء الجماعي بشكل يتوافق مع الخصوصيات الترابية وبالتركيز على وضع حاجيات المهنيين في صلب الأولويات من الكفاءات المؤهلة، وذلك عقب سلسلة الورشات للتبادل والتفكير، مكنت من تحديد القطاعات الواعدة بالجهة، فضلا عن الكفاءات التي تتطلبها المهن الجديدة وأيضا تلك المرتبطة بالمهن التقليدية.

وفي هذا السياق، فإن مدينة المهن والكفاءات لجهة الشرق تمكن، اليوم، متدربيها من الاستفادة من عرض تكويني محين، وفي تكامل تام مع العرض التكويني للمكتب بالجهة، حيث تقدم عرضا تكوينيا جديدا يتمحور حول 10 أقطاب مهنية تضم 75 شعبة تكوينية، 58 في المائة منها جديدة، و42 في المائة محينة.

فمن خلال هذا العرض الجديد، يعمل مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، على تعزيز وتنويع جهازه التكويني بجهة الشرق، لا سيما من خلال الانفتاح، لأول مرة، على قطاعات جديدة، منها الصحة وخدمات الأشخاص والفلاحة، بالإضافة إلى شعب جديدة وأخرى محينة تهم قطاعات تقليدية على غرار الصناعة والبناء والأشغال العمومية والرقمية والتسيير والتجارة والفندقة والسياحة وفنون وصناعة الطباعة والصناعة الغذائية.

وتعتمد هذه البرامج التكوينية الجديدة على أساليب بيداغوجية تفاعلية تضع المتدربين في صلب العملية التكوينية، وتمنحهم تأطيرا وثيقا، حيث لن يتجاوز عدد المتدربين 20 متدربا في كل مجموعة، من أجل تيسير التلقين العملي.

ولهذه الغاية، فإن مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل يعتمد على منصات تطبيقية من أجل تعلم مكثف عبر تطبيق (Learning by doing)، الرامي إلى تطوير الكفاءات الذاتية والمهنية وتحرير طاقات المتدربين .

وفي هذا الصدد، تم تجهيز مدينة المهن والكفاءات بجيل جديد من المعدات البيداغوجية من خلال منصات تطبيقية بالحجم الحقيقي، من أجل محاكاة ظروف الممارسة المهنية، وتعزيز مدارك المتدربين في مجالات تخصصهم وتقريبهم من واقع المقاولة.

ويتعلق الأمر بقطب الصناعة مع مصنع بيداغوجي، وقطب التجارة والتسيير مع مقاولة افتراضية، وقطب السياحة والفندقة والمطعمة مع فندق بيداغوجي، وقطب الفلاحة مع مزرعة بيداغوجية مساحتها 2 هكتار، وقطب الصحة مع وحدة بيداغوجية للعلاج، وقطب البناء والأشغال العمومية مع منزل ذكي، وكذا قطب خدمات الأشخاص مع حضانة وشقة بيداغوجية.

وبالإضافة إلى ذلك، وبهدف تعريف المتعلمين بمهارات التعاون وتقاسم الأفكار والابتكار، فإن مدينة المهن والكفاءات تتوفر على سلسلة للإبداع (فضاء العمل المشترك، حاضنة، مصنع رقمي)، وكذا بنيات مشتركة مخصصة لتطوير الكفاءات الذاتية التي تشكل 30 في المائة من برنامج التكوين، وتهم الكفاءات التقنية والرقمية والمقاولاتية والسلوكية.

كما تضم مدينة المهن والكفاءات مركزا للتوجيه المهني من أجل مواكبة الشباب وإعدادهم للعالم المهني، كما تتوفر على مكتبة وسائطية ودار للمتدربين تبلغ طاقتها الاستيعابية 300 سرير، فضلا عن فضاءات للقاءات وملاعب رياضية.

وفي هذا الصدد، أكدت المسؤولة على الآفاق المهنية بمدينة المهن والكفاءات لجهة الشرق، أحلام السهلاوي، أن هذه المؤسسة، التي تأتي في إطار أجرأة أهداف خارطة الطريق التي وضعها مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل والكفاءات، منذ خمس سنوات، تعتبر واحدة من بين مؤسسات الجيل الجديد على الصعيد الوطني التي تروم توفير تكوين ذي جودة لفائدة متدربي التكوين المهني.

وأشارت، في تصريح لـلصحافة، إلى أن مدينة المهن والكفاءات بالناظور، توفر عرضا تكوينيا يمكن من استقبال، في كل موسم دراسي، ما يناهز 3 آلاف متدرب ومتدربة في أقطاب مهنية مختلفة، بحيث يوفر كل قطب، بالإضافة إلى الجانب النظري، فضاءات بيداغوجية تطبيقية.

وأضافت أنه بغض النظر عن التكوين الكلاسيكي الذي تقدمه مدينة المهن والكفاءات، تتوفر هذه الأخيرة أيضا على فضاءات مشتركة تمكن المتدربين من ممارسة أنشطتهم الموازية، ومن بينها مكتبة وسائطية، ومختبر للذكاء والابتكار، ومركز للندوات.

وفي تصريحات مماثلة، أبرز عدد من المتدربين والمتدربات بمدينة المهن والكفاءات بالناظور، أهمية الدور التكويني الذي تقدمه الأقطاب المهنية بهذه المؤسسة لفائدتهم، وكذا في تطوير كفاءاتهم الذاتية والمهنية. وفي هذا الصدد أشارت المتدربة، رميساء المشرفي، شعبة فنون الطهي، إلى مجموعة من الخدمات التي تقدمها الفضاءات المشتركة بهذه المؤسسة، والمتمثلة أساسا في تطوير مستوى المتدربين في اللغتين الفرنسية والإنجليزية عبر فضاء المهارات الشخصية، وتشجيع الشباب من أجل تحويل أفكارهم إلى مشاريع وتمكينهم من إحداث مقاولاتهم في المستقبل (فضاء حاضنة المقاولات).

وأضافت أن الأمر يتعلق أيضا بمكتبة وسائطية توفر العديد من الكتب سواء منها المرتبطة بتخصصات المتدربين أو غيرها، وفضاء “فاب لاب” وهو مختبر الابتكار والبحث، وكذا مركز التوجيه المهني الذي يقدم الاستشارة والتوجيه ويساعد المتدربين على اختيار مسارهم المهني والتكويني بمساعدة مستشاري التوجيه، بالإضافة إلى مصنع رقمي.

بدورها، أبرزت المتدربة مليكة زلاغ، عن شعبة التدبير الفندقي (تخصص الإقامة والاستقبال)، أهمية قطب السياحة والفندقة والمطعمة الذي تتابع فيه دراستها، مشيرة إلى أن هذا القطب الذي يقدم تكوينا نظريا وتطبيقيا لمدة سنتين ونصف، يحتوي على فندق ومطعم نموذجي يمكن المتدربين من تطبيق مهاراتهم المكتسبة، وهو ما عبرت عنه أيضا المتدربة أسماء البوعزاتي، التي تدرس في شعبة فنون الطبخ.

أما المتدرب حميد عبد اللاوي، عن قطب الصناعة، فأكد أن اختياره لهذا التخصص، وتحديدا مجال التشخيص الالكتروني للسيارات، نابع من قناعته أن هذه الوحدة التي تضم معدات ووسائل بيداغوجية عصرية، وكذا مكونين ذوي الكفاءة، ستمكنه من اكتساب مهارات وخبرة عالية من شأنها أن تفتح له آفاقا جديدة لمتابعة دراسته في الإجازة بعد التخرج، وبالتالي تمكينه من ولوج سوق الشغل.