بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

كما سبق الإشارة إليه ضمن تعليقنا في سياق الموضوع ذاته بقولنا في شأن السلطة ، بأن ضرعها كان حلو الرضاع مر الفطام ، ولا احسبني قد أخطأت الصواب فيما سرت إليه بالقول ، وما كان قرار شباط في اعتقادي سوى اختبار إيمان مجموعته إن كانت بالفعل تتشبث بمبادئ الحزب ، وتناضل من اجل خدمة المواطن  وسعيا وراء إصلاح الوطن . أم كانت تهدف  فقط للوصول إلى المنصب كغيرها ، وتقصد الأجر وترمي إلى مراكمة الثروة باسم المسئولية وعلى حساب الشعب . فتحوي  القدر وما فيه ، ومن ثم  تقلب الصحن على ما فيه .

كذلك يبدو حال الوفا وغلاب ، الذين لاشك في أنهما استأنسا كغيرهما بالتربع على الكراسي الدوارة ، والمشي على الزرابي المبثوثة ، والتقلب على الأرائك الوثيرة والاتكاء على النمارق المصفوفة ، وآلفا حياة النعيم على مشارف سدرة المنتهى . إلى أن  جاء هازم اللذات ومنغص الملذات زعيمهما ورئيس حزبيهما ، الذي نزل بساحتهما كملك الموت منذرا إياهما بانتهاء الأجل . فيقرر سحبهما من الفردوس الدنيوي والنزول من على برجهما العالي إلى القاعدة السفلى لإعادة الكرة ، فإما  يتيح  لهما الفرصة مرة أخرى ، وإما يألون بغضب منه وذلك ما حصل . كان  الاختيار بين ترك المنصب والتخلي عن الماهيات والعلاوات ، وبين الهبوط إلى القاعدة وبداية النضال من جديد أمرا صعبا . كل ذلك  لسبب أو لأسباب قد لا يعلمها إلا السيد شباط وأمانة سره والمقربون من سدرته وبعض أفراد الحاشية الخبراء  بمكنونات صدره ، لكن هذا الأخير ربما يكون قد لقي من صاحبيه ما لقيه  موسى عليه السلام من قومه حين قالوا ..” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ”  وسمع من يجيب الداعي  إلى الصلاة فجرا كونها  خيرا من النوم ، قوله  كلا والله النوم خير من الصلاة . برغم ذا وذاك لاشك في أن  كل من أذعنوا للأمر فقد أذعنوا على مضض وهم كارهون ، ومن غادروا مواقعهم فقد غادروها وهم نادمون .

  أحقا تكون دعوة شباط مرغمة لصالح الوطن ، ومحفزة من اجل مصلحة المواطن ، أم كانت لغاية في نفس يعقوب قد لا يفهمها إلا الراسخون في علم النوايا وسر الطوايا . وما المتخلفان عن الركب إلا بعض هؤلاء الخبراء من جاءا بأسباب و علات ، تذرع احدهما بوجود ملفات مفتوحة بين يديه لا يمكن لأحد إغلاقها أو معالجتها إلا هو . في حين تذرع الأخر بان بين يديه مشاريع قوانين لا يسمح بمناقشتها لغيره . وكأن الإدارة لا تستمر بدونهما وعقمت نساء المغرب فلم يلدن قبلهما ولا بعدهما من يسير على الدرب ويواكب الركب ، وحدهما من سيضيئان الدنيا بشمعة ويزرعان الدنيا بحبة ، عجيب حال الدنيا وأعجب منها حال هذا البلد ، لكم يوجد فيه  من دعاة الإخلاص والوفاء ، والإصلاح والصفاء ، والإيمان والتقوى ، وقل ما فيه من المخلصين والأوفياء والمصلحين والأصفياء والمؤمنين والأتقياء ،أم ترى كان هذا البلد يأبى إلا أن يكون كما يريد الأعداء .

لا يا سيد الوفا ، انك لا تصلح ما أفسده الدهر وما أفسده عشرات أمثالك على مدى ست عقود خلت . وسيرحم الله المنظومة التربوية ولا يرحم من رسموا خريطتها ،  وأسهموا في إتلاف مسالكها وتخريب مناهجها ، وسعوا في إفسادها عن قصد أو عن غير قصد ، حتى افسدوا  بإفسادها الأمة بأكملها ، وأبناء الأمة عن بكرة أبيها فأوصلوا وطننا إلى نهاية الطريق المسدود . لا يا سيد الوفا ،لا تحسبنك غيرت أو تغيرت وإنما مازلت تسير على نهج أسلافك ، ومازالت منظومتك تغرق وتغرق وتتنفس تحت الماء حتى تختنق ، كان حريا بك أن تغادر خانة رقم 30 وأنت تعلم عن قناعة انك لا تقدر ولست  بقادر . بحكم ما يحيط بك من ضغوطات من قبل لوبيات تريد أن تجعل من هذا البلد حديقة تحيط بفللهم ، ومن أبناء هذا الشعب خدما وحشما في سراياهم . اجل يا سيد الوفا ، يجب أن تعلم أن من ارتكب الجرم في حق أبناء المغرب منذ زمان إلى اليوم هم من تعاقبوا على وزارتكم منذ عهد الاستقلال إلى اليوم ، فلم تنتج مواطنا صالحا إلا من رحم ربي أو من صنعته مدارس الغرب وتتلمذ على أيد أساتذة جامعاته . سيوكل أمرهم لمحكمة التاريخ التي ولا شك ستصدر في حقهم أحكاما أقسى من القساوة دونها الإعدام . ولا أنت يا سيد غلاب ، من ينبغي أن يعلم أن من اعتمد النقل والتنقيل في حياته التعليمية فان ذلك لم يجديه نفعا في حياته العملية  والسياسية ، التي أصبحت بحكم العولمة تفرض عليه وعلى غيره اعتماد العقل والتعقل  في زمن لم يبق على الأرض مكانا لغير المبدعين والمثقفين في كل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ولا يتلمسون سبلهم إلى الفضاء وهم يقفون على عتبات خواتم المعرفة .