بقلمن/ بوزيان الحكواتي 

روائع الادب

 

 اليوم يوم اثنين ،كان الجو رائقا والسماء صافية ،وأنا على متن قطار السادسة صباحا في اتجاه مدينة وجدة ، التقيته متأبطا محفظة مليئة بمسودات من أحجام مختلفة ،

جلس فجلست إزاءه حيث كان يتفحصها ويتصفحها صفحة صفحة ،ثم يؤشر عليها بقلم الرصاص . كنت استرق النظر بين الآونة والأخرى إلى فحوى كتاباته التي تبينت أنها خواطر كاتب ،وليست فروض طالب .

    وقد دفعني الفضول الثقافي بعد إذنه إلى تناول بعض الصفحات التي أعجبت ببعض خواطره المشوقة ،التي حال الوصول إلى المحطة دون  ري نهمي منها،   قلت في نفسي، لاشك  ان لهذا الرجل شانا لابد لي من استطلاعه والتعرف عليه وقد دعوته إلى تناول فنجان قهوة ، حيث اخبرني بأنه يحمل هذا المخطوط إلى المطبعة المركزية الوحيدة آنذاك في المدينة

    سرت إلى جنبه حيث وجدنا الناشر” السيد بنعبو” في انتظاره ،وقد دعانا إلى مكتبه حينما تناول المخطوط وبدا في تفحصه والتباحث مع كاتبه على  حجمه وشكله ونوع الورق الذي يفضله ،وقبل ان يحدد  ثمن طبعه في 6 دراهم للنسخة شرط أن يكون العدد فوق الألف ، وبدا  لصاحبي أن السعر لم يكن في متناوله ،ما جعلني من باب الفضول أن أتدخل من اجل تقريب وجهات نظر الطرفين ، لكن الناشر لم يقبل تخفيض السعر أكثر ، نظرا لتكلفة الكتاب مع حجمه الذي يناهز 140 صفحة تقريبا وهامش الربح الذي لم  يسمح بذلك ، لكن ملامح  صاحبي كانت مازالت توحي بعدم استعداده  لقبول العرض، مما جعلني اقترح عليه تجزيء الكتاب إلى جزأين إذا أمكن ، ثم شاطرني الناشر هذا الرأي ، فتم الاتفاق على ذلك مع تحفظ الكاتب ، فإذا كان  تقلص حجم الكتاب يجعل عدد صفحاته لا تتجاوز الثلاثين لتؤدي إلى انخفاض سعر طبعه إلى حدود النصف رغم ذلك بقي المخاض عسيرا لكن الضرورة دعت إلى إخراج هذا المولود  بعملية شبه قيصرية

     ثم استقر الأمر على طبع الكتاب تحت عنوانه “حقائق وخواطر” لكاتبه الأستاذ الخضير قدوري بين قوسين سألته  حينئذ عن سبب ذلك أجابني بأنه يفضل أن يكون اسمه مستعارا قلت وهل يفر الظل من صاحبه أم كنت تتنكر لمولودك ثم أقنعته على الاعتراف به رغم انه لم يكن راضيا على نشره بهذا الشكل وبعد مدة كنت خلالها على اتصال وتتبع لإخباره حيث وفاني  ذات يوم بأنه سيتوجه إلى المطبعة من اجل سحب الكتاب وإبرام عقد توزيعه مع شركة سوشبريس وسألني إن كنت متفرغا لمرافقته

      وبمكتب مدير هذه الأخيرة مرة أخرى لم يكن عرضها يحظى برضا صاحبي فالأجر الذي كان يقترحه قد يرفع من سعر الكتاب إلى النصف مما يراه الكاتب ليس في متناول القارئ وللمرة الثانية  اقترحت اخذ مائة نسخة على حسابي     لأقوم بتوزيعها في مدينة تاوريرت على أن تتولى الشركة توزيع ما تبقى دون احتساب حقوق المؤلف المتنازل عليها لفائدة القارئ

   يومئذ كان عدد سكان مدينة تاوريرت لا يتعدى بعض ألاف نسمة ولا توجد بها سوى مكتبة واحدة وثانوية واحدة وعدد القراء فيها محدود جدا كان ذلك خلال أواخر السبعينات وبداية الثمانينات وقد وضعت هذه المجموعة من الكتب لدى المكتبة على سبيل البيع حيث تم نفاذها بعد  أسابيع قليلة مما اضطرني لأطلب المزيد من شركة التوزيع التي رفضت  ذلك قبل انقضاء اجل العقد والى حين جمع المرجوعات

        قبل  ذلك الحين اخبرني صاحبي ذات صباح بأنه تلقى دعوة من قسم الاستعلامات بإدارة الشرطة  التي فتحت معه تحقيقا بخصوص الكتاب ومحتواه وأنجزت لذلك محضرا أحالته برفقته على السيد ممثل الحق العام لدى المحكمة الابتدائية حيث يجد صاحبي خصمه في انتظاره على مكتب هذا الأخير الذي كان يقلب صفحاته  ويسأله عن المقصود بقوله كذا وكذا ثم وجد صاحبي نفسه في قفص الاتهام دون أن يقترف جرما وكل ذنبه انه كتب كتابا وهمس كلمة في أذان مصغية  يومئذ  قال قولته  الشهيرة في ظل الحضر عن حرية التعبير، أراد قلمي أن يتحرر فكاد ان ينكسر “

والسؤال الذي يبقى مطروحا إلى اليوم هو ذو شقين بالنسبة للكاتب هل يكون هذا الحدث هو السبب الذي منعه من نشر الجزء الثاني من كتابه حقائق وخواطر وأما الشق الأخر فهو موجه  للعامة وان كنت قد شهدت على نفسي باني قد بعت أكثر من مائة نسخة في مدينة تاوريرت بواسطة مكتبة واحدة وفي زمن قياسي من المفروض أن تكون نسبة المقروءة متدنية لظروف صعبة  وأسباب قاهرة ،هل يكون عدد القراء بشكل عام في ظل الانفتاح الثقافي منذ أكثر من أربع عقود خلت قد جعلت نسبة القراءة قد تضاعفت أو انخفضت أو انعدمت  ولماذا ولأي سبب ؟

والى حكاية أخرى