تاوريرت بريس :

 لم تحُل التوترات الإقليمية والعالمية دون استمرار المغرب في تنفيذ إصلاحات مستدامة لتحقيق نمو أعلى وأشمل لكل فئات المواطنين، وهو الهدف الذي دعمه صندوق النفد الدولي طوال السنوات الأخيرة.

يقول نيكولاس بلانشير، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمغرب، إن الأخير واجه عدة تحديات خارجية على مدار العقد الماضي، بما في ذلك ضعف النمو لدى شركائه التجاريين الأساسيين، والتذبذبات الكبيرة في أسعار النفط الدولية، والتوترات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي. ورغم هذه الأجواء المضطربة، واصلت الحكومة التقدم في مسارها المحدد، كما استمر تركيزها ليس على الاستقرار الآني فقط، بل أيضاً على الاحتياجات طويلة الأجل للاقتصاد المغربي.

ويعزى ذلك بحسب بلانشير إلى أن المغرب “استرشد أثناء هذه الفترة المتقلبة بمجموعة من الأولويات الأساسية في مسار تعزيز صلابة الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، كان دعم الطاقة، الذي وصل إلى نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2012، بمثابة تهديد للمالية العامة. وسمح إلغاء هذا الدعم للمغرب بتقوية برامجه الاجتماعية التي تستهدف محدودي الدخل. وعن طريق الاستثمار في التعليم والصحة وغيرها من الخدمات العامة، ومع التوسع في تغطية شبكات الأمان الاجتماعي، انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني من حوالي 15% في عام 2000 إلى أقل من 5% حالياً. في الواقع تمكن المغرب من القضاء على الفقر المدقع. كما ساعد استحداث إطار قانوني جديد على إحكام الرقابة على المالية العامة والحد من مخاطر الدين العام المفرط، كما تم الاتفاق أخيراً على نظام ضريبي أكثر عدالة في سياق مؤتمر وطني حول الضرائب”.

أهداف اقتصادية طويلة الأجل
يضيف: “أقرت الحكومة كذلك إصلاحات مهمة لتحقيق أهداف اقتصادية أطول أجلاً، مثل زيادة النمو، وتنويع الاقتصاد، ودمجه في الاقتصاد العالمي. وفي القطاع النقدي والمالي، قام البنك المركزي بتأمين الاستقرار المالي ودعم توسع البنوك المغربية في القارة الإفريقية، حيث أصبحت من كبرى الكيانات الفاعلة هناك. وفي مطلع 2019. كما اعتمدت المملكة استراتيجية جديدة للشمول المالي من أجل تيسير التوسع في إتاحة الخدمات المالية للأفراد والشركات”.

خلق صناعات جديدة
يشير رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمغرب إلى دور الاستثمار الأجنبي في إقامة صناعات جديدة في الغرب، بما في ذلك صناعة السيارات والقطاعات عالية التقنية التي أصبحت تشكل معظم صادرات المغرب.
ويضيف: “في يناير 2018، شرعت الحكومة المغربية في التحول نحو زيادة مرونة سعر صرف الدرهم، للمساعدة على تحصين الاقتصاد من تأثير الصدمات الخارجية والحفاظ على قدرته التنافسية”.

تحديات
لكنه يستطرد قائلاً إن “الطريق لا يزال طويلاً حتى يتحقق النمو بمعدلات أعلى وأشمل لكل فئات المواطنين”. إذ يوصي ببذل مزيد من الجهود للحد من أوجه عدم المساواة الاجتماعية والجهوية وتخفيض البطالة. فعلى سبيل المثال، نجد أن حوالي ربع الأسر الريفية لا يمكنها الوصول بشكل مباشر إلى طريق معبَّد وتعيش على مسافة 10 كيلومترات على الأقل من أقرب موقع للخدمات الصحية الأساسية.

من ناحية أخرى، يحتاج الشباب والطبقة المتوسطة في المغرب إلى تعليم ووظائف بجودة أعلى، كما تحتاج النساء إلى فرص متساوية. وستتطلب معالجة هذه القضايا الحيوية اتخاذ إجراءات على نطاق واسع، تشمل تعزيز الكفاءة واللامركزية في القطاع العام، وجودة الخدمات العامة، ودعم ريادة الأعمال، وتشجيع وجود قطاع نشط للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو الذي سيشكل قاطرة لخلق الوظائف في المستقبل، كما يرى رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمغرب.

مناخ جيد لمواجهة التحديات
يقول بلانشير: “لحسن الحظ، يتمتع المغرب بظروف جيدة نسبياً تؤهله لمعالجة هذه التحديات عن طريق الانتقال إلى موجة جديدة من الإصلاحات. وبالفعل، يدور النقاش في المغرب حول نموذج جديد للنمو، كما تتبع السلطات منهجاً احتوائياً في التعامل مع الإصلاحات، وهو ما يتضح من إقامة المؤتمر الوطني الذي عقد أخيراً بشأن الضرائب”.

يتابع: “من الأولويات الأساسية في هذا الصدد تحسين التعليم؛ والاستمرار في مكافحة الفساد؛ وزيادة التركيز على تطوير تكنولوجيات جديدة، بما في ذلك زيادة الشفافية العامة؛ وإجراء إصلاح شامل في النظام الضريبي؛ وتحديث الخدمة المدنية وسوق العمل؛ ومواصلة التحسينات في بيئة الأعمال. وستساعد هذه الإصلاحات على تقوية اقتصاد المغرب وتعزيز دوره كشريك دولي رائد في المنطقة وفي القارة الإفريقية”.

ويعد صندوق النقد الدولي شريكاً للمغرب، بدعم التزام حكومته بالسياسات والإصلاحات السليمة ورؤيته للمدى الطويل، يقول بلانشير: “غالباً ما تستعين البلدان بالصندوق في وقت الأزمات، لكن المغرب استعان بالصندوق لتجنب المشاق”.

ويؤكد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمغرب على أن صندوق النقد وقف إلى جانب السلطات المغربية في عملها من أجل تعزيز صلابة الاقتصاد والنمو الاقتصادي والاندماج في الاقتصاد العالمي. ووضع أمامه تجارب البلدان الأخرى للاستفادة منها، مع تقديم المشورة بشأن إصلاحات المالية العامة وسعر الصرف والقطاع المالي، وتوفير سبل الوقاية من الصدمات الخارجية التي يمكن أن تضر بالاقتصاد. وفي هذا السياق، تبنت السلطات المغربية برنامجها الإصلاحي بقوة، مما شكل دعامة أساسية في هذه الشراكة.

ويرى أن هذه التجربة تتيح دروساً قَيِّمة للبلدان الأخرى في المنطقة. وكما هو الحال مع المغرب، يقف الصندوق على استعداد لمساعدة البلدان الأعضاء ليس فقط في وقت الأزمات، بل أيضاً في سعيها نحو تحقيق نمو أعلى وأشمل لكل فئات المواطنين.