بقلم : نورالدين زاوش

نورالدين

 

 

لقد تعلمتُ عملية الجمع، من كثرة الزيادات التي قام بها السيد بنكيران..
وتعلمتُ عملية الضرب، من كثرة ما انهال بعصاه على المعطلين المساكين..

وتعلمت عملية الطرح، من كثرة ما طرح فشله على العفاريت والتماسيح..
وتعلمتُ عملية القسمة، من كثرة ما قسّم الوزارات في حكومته..
شكرا لك بنكيران، بفضلك صرتُ عالما في الرياضيات..

لقد عرف المغرب قبل الدستور الجديد خمسة دساتير، دستور 1962م، 1970م، 1972م، 1992م، ودستور 1996م، وكلها سنوات زوجية، بمعنى أنها تقبل القسمة على 2، وكأنها تقول بلسان حالها أنها دساتير تصلح لتفسرين وتأويلين متناقضين حسب الحاجة، حتى إن كثيرا من المحللين السياسيين، والخبراء القانونيين، كانوا يسمونها دساتير: “كل ما من شأنه”، في إشارة إلى عدم توضيح المقتضيات الدستورية، لجعلها عامة فضفاضة، وتركها حمالة للأوجه، مما يتيح مساحات واسعة للمناورة، ويساعد لتكييف القوانين وبنوده، على حسب ما تقتضيه النازلة القانونية.

ويأتي دستور 01/07/2011م، وهو أول دستور في سنة فردية، بل وشهر فردي، ويوم فردي، لا يقبل كل واحد منها القسمة على 2، كفأل خير، وبارقة أمل، في أن يكون هذا الدستور لا يتحمل إلا تفسيرا واحدا، وطريقة تنزيل واحدة، متمثلة في التنزيل الديمقراطي لا غير.

وأكثر من ذلك، فالأعداد 1 و7 و2011 ليست فقط أعدادا فردية، بل هي أيضا أعداد أولية، لا تقبل القسمة إلا على نفسها وعلى العدد 1، في إشارة إلى مزيد من المصادفات الطيبة، والإشراقات المباركة، والتي إن لم تنفع لم تضر.

وبالفعل، صدقت المصادفات، وكان دستور واحد يوليوز أعظم دساتير المملكة على الإطلاق: وضّح الاختصاصات، وفصل السُّلط، وحدد استقلال القضاء، ووسع الحريات، وضبط عمل الحكومة، ودقق في تركيبة المجلس الوزاري واختصاصاته، ونَصَف المرأة والمجتمع المدني، وأنشأ المجالس العليا، وضمن العيش الكريم للمواطن من شغل وصحة وسكن وتعليم.

إلا أن صعود حكومة “الإسلاميين” قد أرجعت عقارب الساعة إلى الخلف، وصارت تشتغل في مجال السياسة “بدستور” لا هو من الدساتير “الزوجية”، ولا هو من “الفردية”، مما جعل علماء الرياضيات في قلق كبير، وحيرة غير مسبوقة، قبل أن يكون السياسيون في حيص بيص.

شكرا لك بنكيران، بفضلك اكتشف علماء الرياضيات الأعداد الصحيحة الشاذة، التي لا هي بالزوجية ولا بالفردية..

ورغم أن بنكيران تقلد منصب رئيس الحكومة بتاريخ 29/11/2011م، وهي كلها أعداد أولية، تدعو إلى الاستبشار والتفاؤل، أكثر من أي شيء آخر، إلا أن السيد بنكيران لم يكن في مستوى الحدث، فانسلخ عن جلده، وتنكر لمبادئه ومرجعيته، ونبذ الدستور وراء ظهره، وكأنه لا يحكم بشرا، بل قطيعا لا عقل له ولا إرادة.

وجاءت النسخة الثانية من الحكومة، لِتُوصِد أفواه من بقي لهم ذره عقل، ممن يدافعون عن هذا الحزب “الإسلامي” بدون بينة أو دليل، وتفتح الباب على مصراعيه، في وجه من شكك في صلاحه وورعه وقدرته ونجاعته؛ فبعدما وعد بنكيران الشعب بتقليص عدد الوزارات إلى 20 وزارة في النسخة الأولى للحكومة، ثم أخلف ما وعد به، بدعوى الضرورة التي تبيح ما لا تبيحه العادة، ليستقر عدد الوزارات في 31 وزيرا، عاد في نسخته الثانية ليحطم رقما قياسيا جديدا ب 39 وزارة، في ظل وضع اجتماعي متردي، وأزمة اقتصادية خانقة، ظل يرددها ويجعل منها المشجب الذي يعلق عليه قراراته اللاشعبية، التي أرهقت المواطن حتى كاد أن يتبرأ من وطنيته.

من طرائف الصدف، أن يرسل بنكيران، في هذه الآونة الأخيرة، إلى وزرائه مراسلة يطلب منهم فيها الامتناع عن التوظيف في المناصب المالية التي تصبح شاغرة خلال السنة، وتجميد القرارات المتعلقة بأية ترقية أو مراجعة للأجور والتعويضات، هذا طبعا في حق الموظفين البسطاء، أما الوزراء، فهو لا يكتفي بملء المناصب الشاغرة في حكومته، بل يخلق مناصب إضافية من غير ضرورة مفهومة، وبدون أي داع معقول، وكأنها وزارات أشباح، أتت لتزرع الرعب في صفوف المواطنين وهم يستشرفون مستقبلهم، أو وزارات كوميديا، أتت لتُذكي أحاسيس الفرح والمرح، وتؤجج عواطف الضحك والسخرية على صفحات الفايسبوك، حتى قال أحدهم نريد “وزارة القُبل”.

لقد تناسلت الوزارات، فأنجبت وزارات مُنْتَدبات، وتشابكت الأسماء، وتداخلت الاختصاصات، وأُرهقت الميزانيات، بين أجور الوزراء، والتعويضات، وتكاليف البنايات، والسيارات، والفيلات، وتوسعت، أكثر من أي وقت مضى، وزارات السيادة بغزو التكنوقراط، وظهر للعيان بما لا يدع مجالا للشائعات، بأن آخر امرئٍ يأْبه له بنكيران هو المواطن البسيط، وآخر شيء يَضْرب له حسابا هو مصلحة هذا البلد الحبيب، هذا وحده ما يبرر، تلك الليلة، فرحته الغامرة التي لا تكاد تخطئها عين، حيث إنه كان يضحك، بسبب وبغير سبب، حتى تبدو نواجذه، ثم التحق بعدها بمسرح محمد الخامس ليُكمل فرحته هناك، قبل أن يطلب من الفنان نعمان لحلو أن يغني له أغنية لمدينة القديمة، الشيء الذي لبَّاه المغني القدير على الفور.

طبعا، سيجد السيد بنكيران من العلماء من يجيز له الاستماع للأغاني والموسيقى، وخاصة أغنية “لمدينة القديمة”، وحتى إن لم يجد، فالشيخ الزمزمي قد سطر فتواه في الموضوع منذ أكثر من عشرين سنة في كتابه: “القول المُنْصف في الغناء والمعازف”، أما فيما يخص رِدّة بنكيران السياسية، وانقلابه الأبيض على الشعب الذي صوت له، وطعنه الديمقراطية في الصميم، وتسليمه مفاتيح الحكومة لورثة التحالف الثُّماني، الذي طالما سفهه وحاربه، وقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر، فلا أتخيل أن أحدا من علماء الشرع، أو فقهاء القانون، أو خبراء السياسة، قادرٌ على أن يفتي له بذلك، إلا رجلا باع دينه بدنياه، ومصلحة أمته بمصالح شخصية وأنانيات ونزوات.