تاوريرت بريس :

 تخرج ثلاثة كلاب مهرولة من شاحنة صغيرة لتجول بين الأشجار… غير أن ما يبدو لها مجرد نزهة عادية يرتدي أهمية جوهرية في الشيلي التي شهدت أخيرا سلسلة حرائق خطيرة، فهي تزرع من دون أن تعلم بذور نباتات جديدة.في كانون الثاني/يناير 2017، عاش هذا البلد الأميركي الجنوبي “أسوأ كارثة غابات” في تاريخه على حد تعبير رئيسة الشيلي ميشال باشليه. ففي خلال بضعة أيام، أتت النيران على أكثر من 467 ألف هكتار وأودت بحياة 11 شخصا.

قرب تالكا وسط البلاد، هربت الحيوانات البرية من الغابات المحترقة، ما دفع بجمعية محلية إلى الايكال بمهمة خاصة لثلاثة كلاب من نوع بوردر كولي هي داس (خمس سنوات) وابنتها اوليفيا (سنة واحدة) وسامر (سنة واحدة).

ومع أن المهمة سهلة وتقضي بالركض والقفز واللعب بين الأشجار، هي أيضا ذات منفعة كبيرة إذ أن كل كلب يحمل على ظهره كيسا مليئا بالبذور التي تنتشر في الأرض بفضل ثقوب صغيرة.

وستسمح هذه البذور بإعادة الحياة للأشجار والنباتات والزهور التي أتت عليها النيران كما ستتيح بعودة حيوانات بينها الثعالب والأرانب البرية والسحالي.
وتوضح فرانشيسكا توريس البالغة 32 عاما وهي مديرة جمعية “بيووس” البيئية التي تضم أكثر من 26 ألف عضو وتملك الكلاب الثلاثة لوكالة فرانس برس أن “الجزء الأهم من هذا كله هو السماح بعودة الحياة البرية” في هذه الأراضي.

وتعطي فرانشيسكا وهي أيضا مدربة كلاب لاستخدامها من الأشخاص المصابين بإعاقة، مكافأة قوامها بعض الطعام للكلاب الثلاثة في كل مرة تعود مع كيس فارغ لتملأه مجددا بالبذور.

وتم تدريب الكلاب الثلاثة على إطاعة أوامرها وعدم التعرض لأي حيوان قد يكون موجودا في الغابة.

الكلاب أكثر فعالية من البشر

وتلفت هذه الشابة إلى أن الكلاب من نوع بوردر كولي التي يكون وبرها عادة باللونين الأسود والأبيض، تتميز بذكائها وطاقتها وسرعتها ما يؤهلها لأداء مهمة نشر البذور على نحو ممتاز.

ونقطة القوة الكبرى للاستعانة بهذه الكلاب أكثر من البشر، للقيام بهذه المهمة المعقدة هي أنها تعطي مردودا أفضل إذ أنها قادرة على الركض حتى 30 كيلومترا خلال يوم واحد وتوزيع ما يصل إلى عشرة كيلوغرامات من البذور. وعلى سبيل المقارنة، لا يمكن للإنسان أن يزرع سوى على مسافة ثلاثة كيلومترات في يوم واحد.

وتمكنت داس واوليفيا وسامر في غضون ثلاثة أشهر من نشر البذور في 15 حرجا مختلفا في منطقة إل ماول في وسط البلاد. ومنذ مرورها عاد العشب لينبت وكذلك شجيرات ونبات معرش والفطر مدفوعة برطوبة الشتاء في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية.

وتقول فرانشيسكا التي تنجح بالقيام بهذا العمل بفضل تبرعات تحصل عليها “نمر بمروج باتت خضراء بالكامل وهذا كله بفضل عمل سامر واوليفيا وداس”.

وبحلول فصل الصيف الجنوبي بين كانون الأول/ديسمبر وآذار/مارس يتوقع حدوث عمليات إنبات جديدة وعودة حيوانات إلى هذه الغابات مثل الثعالب والحشرات والسحالي والأرانب البرية والقردة والعصافير الطنانة.

وفي الربيع المقبل يؤمل أن تعود الزهور لكي تجذب النحل التي نفق الآلاف منها خلال الحرائق.

وتقول كونستانسا شقيقة فرانشيسكا البالغة 35 عاما “الوضع حرج جدا لان الأكل غير متوافر للنحل. في الأيام العادية في هذه الفترة من السنة يقتات النحل على بعض الأشجار المستوطنة أو الزهور لكن الآن لا وجود لها”.

من خلال عمل الكب هذا تعتبر جمعية “بيووس” أن الأحراج والمروج في المنطقة ستستعيد في غضون خمس سنوات نظامها البيئي السابق للحرائق.