تاوريرت بريس :

المحكمة الابتدائية بتاوريرت

 

 

إن كنا قد تناولنا في إطار مهمتنا الإعلامية ورسالتنا الوطنية بعض المؤسسات والإدارات الإقليمية ، وحتى بعض الأشخاص بالنقد البناء حينا والانتقاد اللاذع أحيانا . قد لا يعني ذلك مؤاخذة لأولئك ، ولا مجاملة لهؤلاء. ومن باب الإنصاف أن لا نبخس الآخرين حقهم في الثناء ، ولا ينبغي أن نسرع بالبوادر لآي إنسان لمجرد خطأ عابر قد يستصلح بعدم التكرار، ولا نواخذه لذنب طارئ يدرك بالاستغفار. عملا بقوله صلى الله ” كل بني ادم خطاء وخير الخطائين التوابون” ولا لمجرد نقص معوض أو شيء من هذا القبيل قد لا ينبغي الكمال لغير الله ، ولكن لممارسات مقصودة ، ولعادات متأصلة وعيوب دائمة ، ولفضائح شائعة باتت حديث العام والخاص، قد لا ينبغي السكوت عنها إلا أن يكون المرء شيطانا اخرس . وبالمقابل كإعلاميين ليست مهمتنا ملاحظة السلبيات ، والتطرق إلى المنكرات ، وغض البصر عن الايجابيات والسكوت عن المعروفات ، فمن باب الإنصاف أيضا إنصاف الأخر. فان كنا قد أخذنا بعض هذه المؤسسات بهذا المأخذ ، فإننا لم نفعل ذلك حينما نتناول بالحديث المحكمة الابتدائية بتاوريرت ، التي تحرص على الاحتفاظ بالمكانة التي تتبوأها كمحكمة نموذجية بين محاكم المغرب ، بفضل رئيسها الذي لقب بالمسئول الذي حقق الأمن القضائي بالمنطقة ، وطاقمها القضائي والإداري الذين أبو تحت رئاسته إلا أن تكون هذه المحكمة كما يريدونها بالفعل نموذجية دون منازع ، ومن صنع أناس نموذجيين رغم قلتهم وثقل مهامهم فان دل ذلك على شيء إنما يدل على الاستقامة والنزاهة التي يتحلون بها كطاقم لا تجد هذه المحكمة بديلا عنه ، مهما كان بعض المتقاضين لا يعجبهم القول بطبيعة الحال ، فبولوجك المحكمة الابتدائية بتاوريرت تلمس اختلافا جذريا سواء من حيث النزاهة المطلقة التي استطاع هذا المسئول تكريسها ، وتحقيق التحدي الذي كان يواجهه عند تعيينه على رأس هذه المحكمة . بالإضافة إلى التواصل الفعال الذي يتلقاه كل وافد عليها ، سواء من طرف السادة القضاة أو السادة الموظفين ، قد يلمس كل وافد على هذه المحكمة نوعا من التعامل بمهنية ملحوظة في إطار القانون ، مغايرا لما كان عليه سابقا كمركز قضائي يعرف فوضى عارمة ، فإذا كنا نسعى إلى الإصلاح ونتحدث عنه في مختلف المجالات ، فان المحكمة الابتدائية نموذجا للإصلاح . وما اعتمدناه في هذا التقرير شهادات جل المتعاملين من محامين ومتقاضين ، ومن ثم رأي محكمة الاستئناف المؤيدة لكثير من الأحكام الصادرة عن قضاة محكمة تاوريرت.
فان كان من نافلة القول بان القضاة في بعض المحاكم ما زالوا يعانون من عدم استقلاليتهم في ممارسة مهامهم ، إلا أن القضاة والأطر الشابة في هذه المحكمة يؤمنون إلى حد ما برسالتهم الاجتماعية والقانونية والوطنية ، حينما نراهم يبذلون من أوقات راحتهم في سبيل معالجة اكبر قدر ممكن من ملفات المتقاضين ، وفي ضل ظروف صعبة ، فمن يزور بناية المحكمة الابتدائية بتاوريرت المقسمة بالضرورة إلى قسم الرئاسة ، وقسم النيابة العامة ، ثم قسم الأسرة المتواجد في بناية مستقلة . سيشاهد نوعا من الاكتضاض والازدحام داخل هذه الأقسام ، والظروف الغير المريحة لهؤلاء الموظفين . لكون هذه البناية قلما تتوفر على الحد الأدنى من المواصفات الشكلية لمحكمة نموذجية ، ومع ذلك فهم يحاولون تحقيق نتائج ايجابية بما يتوفرون عليه من إمكانيات مادية وبشرية ضعيفة . وما أثار انتباهنا أيضا مثابرة الطاقم الإداري على الحضور والتواجد الدائمين في مكاتبهم كأول من يحضرون وأخر من يغادرون، قلما يتقيدون بالوقت الرسمي ، قدوتهم في ذلك برئيسهم الذي يتميز عن باقي المسئولين بتواجده اليومي بمكتبه رغم كونه يقطن بمدينة أخرى .
ليس مجاملة لهؤلاء ولا مؤاخذة للآخرين ، ولكنها في سياق ما سبق وان نشرناه في حق بعض المؤسسات التي يفرض فيها التحلي بالروح الإنسانية قبل الاجتماعية والوطنية ، ولكن لمبررات خارجة عن نطاق إرادتها قد تغفر لها ذنوبها وتجعلنا نتقبل أعذارها . وما سننشره لاحقا في حق الأخرى من مساوئ ومحاسن مع التزامنا الموضوعية والصراحة والمصداقية ، باعتبار ذلك المعيار الذي يأخذ بناصيتنا ويجعلنا بدورنا كبشر خاضعين للرأي العام الذي بفضله يمكننا من المكانة التي نتوق إليها في التصنيف الإعلامي، أو يلقي بنا إلى سلة المهملات ككثير من أصناف الإعلام المأجور. ولعل ما نريده بنشرنا لهذه الحقائق أو أنصاف حقائق سوى التحفيز على المنافسة في الإصلاح والمساهمة في التغيير .
حتى وان كنا غير ملزمين إلى حد ما بالتعمق في أغوار الذات وكشف العورات ، فإننا سنكون كذلك من اجل إبراز ما يمكن أن يلامسه أي امرئ من محاسن ، حتى لا نبخس الناس أشياءهم فنتغاضى عن إحسانهم ولا نحدث بمحاسنهم إزاء حديثنا بمساوئهم ، وحتى لا نرمى بالتحيز أو نتهم بتصفية حسابات شخصية كما لم يكن من حقنا النبش في خصوصيات الناس ، وتعرية المستور، وستر المفضوح ، والتغاضي عن المكشوف ، ما لم يكن ذلك مضرا بفرد أخر وبجماعة وبالمجتمع ككل وبالوطن اشمل . فمهمة الصحافة أن تسلط الأضواء على مواقع الظل ، وهي لسان حال المجتمع الصامت ، والمصباح الخلفي لكل مسئول في الإدارة المغربية ، وعينه الثالثة أو المرآة التي تعكس له الصورة الورائية لشخصه التي تكشف له عن كل العيوب التي تعلق به حتى تجعله يمشي كالطاووس يجر وراءه ذيلا منمقا بحلقات الفخر وألوان الاعتزاز، أو تجعله يتخفى كالخفاش في الأغوار يتوارى عن الأنظار ويتحاشى الظهور لأعين البشر .