بلقاسم سداين:

عبد العزيز بوروح

 

سيرة وأعمال رجل كان يسمى قيد حياته عبد العزيز بوروح بمناسبة حفل تأبينه يوم13/02/2015 من انجاز وتقديم بلقاسم سداين
قد لا تسعفني اللغة بكل ما تملك من معاني و دلالات..وقد تعجز الكلمات..وقد لا تطاوعني الإشارات الرمزية بكل دلالاتها أيضا.وقد تخدعني الذاكرة بكل ما تختزن..وقد يغلبني النسيان عن البيان..وقد اصطدم كصدمة رحيل أخي عبد العزيز بوروح..فأصاب بالقصور و أنا أقدم هذه النبذة القصيرة والقاصرة عن حياته..رجل يعد أكثر من موضوع..وأبعد من منظور..وحياة مليئة بالعطاء..والتضحيات .. فتستحيل الإحالة ببحر من الأعمال والأخلاق..ولا يمكن أن تحاط في كلمات ولا في سطور ولا في جلسات..ولكن أجد نفسي كلما نجحت في رسم البدايات..لا استطيع أن اقترب من النهايات..وكيف لي أن أقوم بتأبين عملة ناذرة غير قابلة للصرف والتبديل ..
ولد عبد العزيز بوروح الابن البكر سنة 1957 بجزناية اكنول من أصل ريفي بكل ما تحمله المنطقة من رمزية النضال و المقاومة..وقد كان الراحل يعتز ويفتخر بهذا الانتماء الجغرافي والتاريخي..وقد جعله فخرا وعنوانا هوياتيا في الدفاع عن القضايا الإنسانية..عاش حياة بسيطة وعادية كعموم أبناء جيل المرحلة داخل أسرة محافظة على القيم والأخلاق والتضامن والاحترام..وقد أغدقت عليه أمه الفاضلة خالتي فطوش حنانا ورعاية وتربية وتتبعا ونتمنى لها الشفاء العاجل..التحق بمدينة تاوريرت وسنه لا تتجاوز 3 سنوات عندما انتقل أبوه محمد بنعلي وهو من القوات المساعدة سنة 1960من وجدة للاستقرار وعائلته بتاوريرت. ترعرع وكبر وسط ما كان يعرف آنذاك بدوار المخزن..وداخل هذا المجتمع الصغير الكبير رأى نور الحياة و بدا يرسم لنفسه رويدا رويدا خطا متميزا لا يخلو من حس مرهف ممزوج بالذكاء وكيف لا وهو يتربى ويترعرع وسط عائلة كبرى (أولاد المخزن ).حيث يتقاسم الجميع نفس الحياة..نفس الأفكار..نفس التوجهات..نفس الهموم..نفس التطلعات..وخلقت من الجميع

أسرة ومدرسة تقدمية حداثية..مدرسة تعتمد على مبدأ التطوع والوفاء. والاستمرارية..مدرسة التربية على القيم النبيلة والخالصة..والديمقراطية..فمن هنا انطلق عبد العزيز ومن هنا بدا حسه النضالي في أحضان هذا المجتمع / المدرسة الأولى للفقيد..حيث يتلاحم الجميع..وينسجم..وتعد هذه المدرسة اللبنة الأولى لتكوينه وتاطيره وتوجيهه وتربيته..وهي محطة عمرية تعد مرجعا مهما ومؤثرا في شخصيته وستضاف إلى هذه المرحلة / المدرسة دخوله إلى المدرسة العمومية وتلقى تدريسه بالمدرسة العريقة علال بن عبد الله للبنين وهي مدرسة تأسست سنة 1914 و أضافت إلى تكوينه الأولي تكوينا جديدا ومضافا أغنته ساحات النقاش الطويلة مع رفاق حيه مطلع سبعينيات القرن الماضي ففتح الفقيد عينيه بذكاء على عوالم جديدة غدت شراهته إلى حب الاستطلاع والمعرفة وألهمته خيالا وذكاء قل نظيره بين أفراد جيله..وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية التحق بإعدادية علال بن عبد الله حيث كان تلميذا نشيطا وهنا بدأت أول بوادر الكتابة والإبداع تنمو لديه .وهي أمور أهلته وبسرعة إلى عالم التوظيف في سلك التعليم والتربية أواخر سبعينيات القرن الماضي وهو لا يزال صغيرا1977 و 1979 ..فكان أول تعيين له بالعالم القروي بسطع لمغاسل بنواحي كرسيف..ثم انتقل إلى تا لوات ضواحي مدينة تاوريرت و منها إلى مدرسة العرفان وسط المدينة الأم..ومع إحداث النيابة سنة 2000 التحق بمكتب الأنشطة الثقافية و الاجتماعية و الرياضية إلى أن عين ملحقا تربويا مكلفا بالاقتصاد بالثانوية الإعدادية حمان الفطواكي إلى أن توفي رحمه الله وهو على عتبة الإحالة على التقاعد.يوم الأحد 17 يناير 2016 زوالا

وعبر هذه المراحل والمحطات كلها رسم الفقيد خطا مناصرا ومدافعا عن قضايا الحداثة والتنويرة بجرأة ناذرة وقد احتضنت أفكاره العديد من الجرائد الوطنية والجهوية. وفي مقدمتها جريدة أنوال المناضلة..وجريدة المنضمة..وجريدة الأنوار وجريدة الصباح..وجريدة الخبر وجريدة الشرق..وجريدة السياسة الكويتة الصادرة بالمغرب. وغيرها كثير..وكان يوقع مقالاته وكتاباته بـ: أبو وليد أبو ريم أو أسماء. وهي أسماء أبنائه وقد احتضنه العمل الثقافي والفني مبكرا وانخرط في مجالات الإبداع عازفا على الآلات الوترية ومغنيا،وكاتب كلمات ملتزمة وملحنا وفاعلا جمعويا بامتياز في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بجمعية الأمل الثقافية 1976وبالنادي السنمائي التابع لها . وكان كله عطاء لا ينضب وعين لا تجف..كله تطوع بمهنية واحترافية..بمعية خيرة ما انجذبت هذه المدينة وفي ظروف سياسية حالكة، ومظلمة وقاسية. إنها مدرسة أخرى تضاف إلى سابقاتها..ومن أعماله المسرحية الحراز والمدينة والقطار التي نالت المرتبة الأولى في المهرجان الجهوي للمسرح بوجدة سنة 1978..و بجمعية الأمل الثقافية أسس مجموعة موسيقية فازت بعض أغانيها الملتزمة بأحسن المراتب و لا زالت تتردد إلى يومنا هذا كأغنية يا الزاير مدينة تاوريرت لا تتقلق حوس فيها..وأغنية اخدم واسكت وكانت هذه الأغاني امتداد للظاهرة الغيوانية آنذاك وكنا يسمى بباطما تاوريرت. في زمن كان الالتزام يساوي السجن واشتغل كذلك على قصائد الراحل عبد الله ودان وغيرها وخاض تجربة المسرح المدرسي منذ التحاقه بسلك التعليم و كان من الوجوه البارزة في الجهة الشرقية ومن أهم مسرحياته:المدينة الوحش و التي نالت الجائزة الأولى في المهرجان الجهوي للمسرح سنة 1995

وانخرط مبكرا في العمل السياسي كمدرسة أخرى فاحتضنته منضمة العمل الديمقراطي الشعبي في السر وفي الشرعية وكان داخل هذا الإطار عضوا نشيطا و فاعلا سياسيا حيث قدم العديد من الأطروحات الفكرية والسياسية للمناقشة. وعلى صفحات جريدة أنوال و جريدة المنضمة وفاء لخطهما التحرري، والنضالي مستحضرا واقع مدينته تاوريرت كنموذج..و كان سباقا إلى تأسيس حركة الشبيبة الديمقراطية. وبفضله قدمت للمدينة إشعاعا قل نظيره بالمدينة. فتتلمذت على يده العديد من الأطر وفي مجالات مختلفة (الكتابة ..
المسرح..الزجل..الغناء الملتزم العزف..وقد أهلته فاعليته وأنشطته بجد واجتهاد إلى أن ينتخب عضوا بالمكتب الوطني لحركة الشبيبة الديمقراطية وساهم في تطويرا داء هذا الإطار الشبيبي محليا ووطنيا..
ومادام أن الفقيد سجل حافل بالعطاء فانه كان كاتبا صحفيا بامتياز و مراسلا لبعض الجرائد..وهي مدرسة دفعت به إلى إصدار جريدة ورقية وطنية حملت اسم الحشد. حيث تولى رئاسة تحريرها وكنت أنا مديرها..فساهم في إنجاح هذه التجربة الإعلامية المحلية بكل ما يملك من مؤهلات و قدرات توزعت بين الإبداعات الفنية والرسوم الكاريكاتيرية ومساهما في إخراج أعداد هذه الجريدة ولقد لقيت هذه المبادرة في أواسط التسعينيات قبولا واستحسانا من طرف سكان المدينة..
ولم يكن تعيينه بقسم الأنشطة التربوية والثقافية والاجتماعية اعتباطا بل لما راكمه من تجارب كثيرة ومتنوعة في هذا الميدان الحيوي والنشيط والمنفتح على جميع الفعاليات وفي شتى الميادين. وداخل هذا المكتب الذي ترأسه اطر العديد من التظاهرات المختلفة،وبالخصوص مجال المسرح التربوي وله

باع طويل في كثير من الأعمال الكبرى و نظرا لمؤهلاته في هذا الميدان رشحته عمالة الإقليم عن جدارة واستحقاق ليكون ضمن الجنة المكلفة بالأنشطة خلال الزيارات الملكية للإقليم ..
وقد جمع بعض كتاباته الزجلية في كتاب أنيق اختار له عنوان: الخبزة نظرا لما تحمله الخبزة من حمولات دلالية عميقة و قوية.و له مشروع ديوان جاهز للطبع عنونه بـ برنامج انتخاباوي لمرشح خاوي نتمنى لهذا الديوان أن يرى النور قريبا.. و له مجموعة من الإبداعات في القصة القصيرة والخواطر و الرسومات الكاريكاتيرية
وكانت له حوارات ممتازة بالإذاعات الجهوية والوطنية المسموعة والمرئية وبالخصوص القناة الثانية والثامنة مدافعا عن مؤهلات المدينة الثقافية والتراثية
كما أن فكرة القيام بمهرجان المنكوشي السنوي هي من فكرة المرحوم و هو أول من أثارها للتعريف بالتراث المحلي نظرا لمناصرته للفلكلور المحلي وبالخصوص داخل جمعية الآفاق للفنون الشعبية هذه الجمعية التي أطرت مهرجانا وطنيا كبيرا حجت إليه العديد من الأسماء الوازنة والنجوم الوطنية اللامعة على مستوى الأغنية الوطنية..وأنجز العديد من الأعمال الكبرى داخل جمعية واحة الإبداع مع الصحفي و الكاتب بوعلام غبشي الذي يشتغل حاليا مراسلا لقناة فرانس 24
وفي مجال النهوض بالعمل الثقافي أسس المرحوم إطارا ثقافيا يحمل اسم : جمعية رابطة القلم للثقافة والفن و من خلال هذا الإطار هيأ مشروعا و دراسة تقنية متميزة للاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس مدينة تاوريرت 1912/2012 مشروع غاية في التميز وكيف لا وهو من عاش عن قرب التطور العمراني للمدينة والتي كانت تنحصر في الحي القديم قرب دوار المخزن وتم عرض هذا المشروع على أعلى هيئة سلطوية بالإقليم حيث زكى الفكرة السيد الكاتب العام للعمالة مشكورا وأعطى
توجيهاته فيه لكن أكد أن القرار يتخذه الشاف ويقصد به العامل (الهدان ) وتم تقديم المشروع لدى ديوان العامل لكن لم يتلق أي رد ولم يكلف هذا العامل ولو الاستماع إليه و ذاكرة تاوريرت تعرف من هو هذا العامل وميولاته وكيفية توزيع المشاريع، وبالخصوص مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية..
ومواكبة للحركة الثقافية والإبداعية على الصعيد الوطني والمتمثلة في تأسيس صالونات ثقافية وإبداعية و فكرية لاحتواء الإبداع و الثقافة كان حريص أشد الحرص على الاشتغال داخل هذا الإطار وكان من حين لأخر يهاتفني: زربو بهذ المشروع راحنا بغينا نشطوا يا بلكاسم هذ لمدينة راحا ميتة…
وأقول أن الجميع تجرع مرارة رحيل الفقيد ولا نملك إلا أن نلملم جراحنا ونقول لك أيها العزيز المتفاني في عمله افتقدناك ويتمتنا فيك افتقدتك المدينة التي قدمت نفسك قربانا لها..بعدما ناضلت في صمت..قدمت كل شيء و لم تأخذ أي شيء بالمقابل..كنت نموذج المثقف الملتزم المستنير..المضحي الذي يحترق لينير دروب الآخرين..افتقدك المسرح المدرسي تأليفا و إخراجا و تتبعا و تدريبا.. افتقدك النساء والرجال والأصدقاء والصغار والكبار والشيوخ والجوار والهم الثقافي والراسخون في العلم
… افتقدتك العائلة الصغيرة والكبيرة.. افتقدك الإنسان وفقدناك في عز حاجتنا إليك. وبفقدانك أورثت القلب حزنا لا انقطاع له..أيها الاستثناء فوق العادة والقاعدة. المسكون بوجع هموم الفقراء. أيها

الفاضل الشامخ ..شموخ جبال الريف..أنت هناك معنا..بجانبنا .. أمامنا.. وراءنا…نم مطمئنا راضيا مرضيا..لقد كنت نصا إبداعيا استمتعنا بك ورحلت جسدا فقط..
سلام عليك ولدت..و يوم رحلت ويوم يبقى فكرك حيا..فالحياة في شكل سراب خادع بقيعه يحسبه الأحياء شيئا..و هي في حقيقة أمرها لا شيء. لحظات عابرة..وينتهي عمر الإنسان بكل ما فيه من أمال و من أحلام طويلة وعريضة كما تنتهي موجة عند شاطئ في لحظات ويبدو الناس أشبه ما يكونون بأمواج متلاحقة عند شاطئ الحياة الفانية.. لقد انتهت ذاك اليوم المشئوم أحلام و أمال الأخ العزيز الذي كانت تربطني به صداقة مثالية متينة لا مثيل لها كنا نتقاسم هموم الإبداع كل من جهته..ونتقاسم كل صغيرة و كبيرة.ونتقاسم هموم المجتمع.وهموم الفقراء والمحرومين.ونتقاسم المشاعر الأخوية الصادقة.رحلت فجأة عبر طريق الدنيا الفانية الزائلة..إلى طريق الآخرة نحو الخلد فاللهم أحسن استقباله. بين صفوف خلقك.في عالم خلدك.وأمنه و يمنه و أكرم نزله.و مثواه.. وان تسقه يد الرضوان كأس كرامة وارزق عائلته وأصدقاءه جميل الصبر والسلوان وأعظم أجرهم وأبدل محبتهم إحسانا عندك .. هكذا يموت الكبار ولا يرحلون . يموتون و لكن لا تموت أعمالهم وقيمهم بل ستنمو وتتطور و تتعمق
كل العباد إلى الفناء سبيلها فالعيش زيف والحياة غرور
الناس في قفص الحياة و دائع لا آمر يبقى و لا مأمور
حكم المنية في الخلائق نافذ هيهات ليس لحكمها تغيير
نمضي إلى آجالنا في لحظة و بمثلها تحت التراب نصير