بقلم : عزالدين قدوري

حين ينطق القلم

 

استوقفني وأنا أتصفح مواقع الانترنت مقطع فيديو لأحد العلمانيين في قناة فضائية بفكره الخبيث ، يزعم أن الخطاب الإسلامي رجعي متقادم وعزى كل الجوانب السلبية التي تعرفها البلاد العربية على العموم والإسلامية على الخصوص إلى الإسلام الذي أساء إليه كثيرا بقوله انه جاء نتيجة للقهر والضغط على الأفراد كما اصدر حكما على المغرب في تعامله بمبادئ الإسلام وأضاف إلى ذلك قوله أن المسلمون لم يجدوا بعد طريقهم إلى السعادة لأنهم لا زالوا يسيرون على خطى السلف وان فقهاء الإسلام خارج التاريخ ثم عاد إلى الحديث عن الإسلام في شموليته نافيا الحق في الحديث عن حرية الاختيار في المجتمع الإسلامي ثم انتقل بعد ذلك إلى الدفاع عن الشواذ والمثليين ومفطري رمضان بدعوى أن الدولة تريد احتكار الفضاء العمومي والدفع بالآخرين إلى الفضاءات الخاصة ويمارس عليهم الاضطهاد لينهي حديثه بدعوى صريحة إلى علمنة المجتمع كحل نهائي .
من هنا أقول لهدا العلماني الذي يكثر في الكلام و اللغط والهرطقة المفرغة من المحتوى ويبحث ليلا ونهارا عن فرص الظهور أمام الشاشات الفضية دون أن يأتي بشئ جديد يفيده ويفيد المجتمع .
لذلك أقول نعم قد يكون هناك من الأشخاص من لديهم ضعف في فهم الإسلام تعمل بعض الوسائل الإعلامية على نشر أفكارهم المغلوطة وتظهرهم من خلال حملاتها الاشهارية و كأنهم قدوة للمجتمع في حين تهمش العلماء الحقيقيين للأمة وذلك بالطبع لهدف ما، لكن هذا لا يعني الكل لان الحق يلازمه الباطل في كل الأمكنة والأزمنة وكذلك النور والظلام ، الخير والشر ، الخطأ والصواب العالم والجاهل …..

إن الخلل ليس في الإسلام في شموليته والذليل واضح من خلال الحضارة الإسلامية الرائدة خلال القرون الوسطى أو ما يطلق عليه العصور المظلمة  التي تحججت بها وهو مصطلح غربي لا ينطبق على المجتمع العربي والإسلامي الذي كان في تلك الفترة يعرف ازدهارا في كل العلوم التجريبية وفي الأدب بكل تنوعاته وفي فنون العمارة التي لا تزال شاهدة في بلاد الأندلس وإفريقيا على شموخها المعترف به على المستوى العالمي في الفترة التي كانت فيها أوروبا التي تستشهد بها لا تزال تتخبط في مشاكلها وتعمه في تخلفها الذي كان طاغيا على كافة الجوانب . لكن ما تجهله هو أن سر نجاح الحضارة الإسلامية وتقدمها كان في ارتباط الإسلام بالحياة بشكل عام وتنظيمها وفق مبدأ أخلاقي يحترم فيه الأبيض و الأسود ، واليهودي والنصراني والمسلم ، المرأة والرجل ، في إطار محصور بين زاويتي الحقوق والواجبات ولا يسمح لأي كان المساس أو زعزعة العقيدة وهو أمر متفق عليه بين جل المجتمعات والعلوم كما هو الشأن في علم مقارنة الأديان ، إذ لا يمكن مقارنة ما هو سماوي بما هو وضعي من صنع فكر الإنسان المحدود والضيق وهو ما يحاول الداعي العلماني القيام به من خلال طرحه الفكر العلماني كبديل للإسلام ودفاعه عن الشواذ بداعي احترام الحريات في الوقت الذي لا يعلم أن هؤلاء بفعلهم ذاك ودفاعه عنهم لم يخرج فقط عن القانون البشري بل حتى القانون الطبيعي . ألا يعلم الداعية العلماني والمتقمص صفة العقلانية انه بدفاعه عن تلك الفئة يقف حاجزا أمام إعمال العقل ويشجع على ممارسة اللامنطق واللاعقلانية ؟وهو فعل يبين تناقضه مع ذاته .
أما الحديث عن المغرب فكلامه لا يطابق الواقع ومغالط لكل الحقائق التي بات يعرفها الجميع بفضل تقنيات الإعلام الحديثة المستقلة المساهمة في نشر المعلومة و توضيح الصورة الحقيقية للمغرب وبفضلها أصبح له مكانة محترمة بين مختلف بلدان وثقافات المعمورة ودليل ذلك على سبيل المثال لا الحصر في الاحتفال الأخير باليوم العالمي للتسامح الذي أقامه مسلمون ويهود في المملكة المغربية جاء أغلبهم من عواصم أوروبية مختلفة للمشاركة في هذا اليوم و أشادت به التقارير والشهادات الدولية واعتبرته نموذجا نوعيا متفردا بمرجعيته في تعدد مقومات هويته التي يلتقي حولها معتنقو الديانات السماوية الثلاث في محبة وتعاون وتسامح . أضف إليه نموذج المؤتمر الكبير الذي احتضنته مراكش من 25 إلى 27 يناير2016 حول “الأقليات الدينية في الديار الإسلامية : الإطار الشرعي و الدعوة إلى المبادرة”.
وختاما يمكن القول إن تلك الأفكار السلبية التي تحاول بعض الجهات نشرها عن المغرب وعن الإسلام ليست إلا صورة من صور الفهم الخاطئ للحريات وغياب الوعي بالمسؤولية الاجتماعية ونمط من أنماط الانفلات الأخلاقي ، ومظهر من مظاهر التطرف الفكري ، التي تتخذ عدة أقنعة تهدد قيم التعايش والاستقرار .