بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

إذا كان الحسن الثاني رحمه الله قد ترأس شخصيا عدة حكومات ،وألغى الولاية التشريعية الأولى لبرلمان 65 بعد شهور قليلة من انتخابه ،بعدما كان رحمه الله يتابع ما يجري بداخل ما اسماه مسرح البرلمان ثم أعلن حالة الاستثناء، فان المعاصر لتلك الحقبة والشاهد عليها لا يرى ما يتميز به أولائك عن هؤلاء ،ولا ما تتميز به تلك الولاية عن الولايات التاليات ،او تلك الحكومة عن غيرها .فإذا كانت الفرق المسرحية المعاصرة لم تنتج بعد ولحدود الساعة لقنواتنا الفضائية ما يفرج عن الشعب المغربي همومه ، لولا ما تنقله من الهزليات داخل مجلسي ممثلي الأمة كالبديل المشفي للغليل . ترى هل يكون الشعب المغربي من خلال ما يوجهه من انتقادات لاذعة بواسطة وسائل الإعلام الحر لمن يمثلونه هو بمثابة استفتاء شعبي ، وتعبير صادق عن سخطه من رداءة أداء هذين المجلسين والحكومة معا ؟ ترى هل تجعل هذه الأصوات التي تنادي منذ ألامس بإلغاء الغرفة الثانية كما تنادي اليوم بإلغاء الغرفتين معا وتتذمر من الأداء الحكومي وتدعو ملك البلاد الى إنقاذ الشعب والبلاد ، فيتخذ على ضوئها قرارا على غرار قرار والده المذكور أعلاه استجابة لإرادة شعبه ليزداد حبا وتقديرا وتقربا أكثر من كل فئاته، التي تجد فيه الملاذ الكريم والمخلص الرحيم من التبعات والنفقات والمعانات المادية والمعنوية ، المترتبة عن تكاليف سكان ومسكن هذين المجلسين، فيخفف بذلك من أعباء الزيادات المتتالية التي تنعكس سلبا على حياته اليومية ، وعله يضع عن هذا الشعب وزره الذي انقض ظهره وأخوى عوده وأذوى عموده ، وحده من يستطيع ان يجنب البلد وخزينة الدولة من نكسات اقتصادية تلوح في الأفق قد تنعكس سلبا على كل الصناديق الاجتماعية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت أعباء التكاليف الباهظة لممثلي الأمة ووزراء ومنتدبي هذه الحكومة
فاذا كان من بين هؤلاء أنفسهم أناس وطنيون حقيقيون يترفعون عن رواتبهم وعن علاواتهم ويتنازلون بإرادتهم عن تعويضاتهم ،ويعارضون الأجور الفاحشة وإيرادات التقاعد اللاشرعي لهؤلاء الوزراء والبرلمانيين التي عبرت عن قيمتها واحدة من أهلها بفرنكين بالنسبة لها، وأما بالنسبة لمن قضوا نصف قرن في خدمة هذا البلد فهي قيمة تكفل حياة أربع اسر على الأقل في هذا الوطن، ان دل ذلك على شيء إنما يدل على ان هؤلاء ليسوا في حاجة الى هذه القيمة البخسة في نظرهم لا تعادل سوى ” جوج فرنك ” حسب تصريح السيدة البرلمانية ، هذه القيمة التي تصرفها لهم خزينة الدولة على حساب جيوب المستضعفين في هذا الوطن ، وعندما نقول هو إيراد لاشرعي لأنه لا يترتب على وضيف او عن عمل مأجور، وإنما هو عمل كان أصله تطوعيا لا يختلف عن غيره من أعمال رؤساء الجماعات المحلية وجمعيات المجتمع المدني ،الا من بعض المصاريف والتعويضات الممكنة
لذلك ربما قد يكون المنادون بإلغاء هذه الرواتب والإيرادات على صواب في نظر العرف والقانون ، وتعبيرهم نابع عن صدق إيمانهم برسالتهم الهادفة الى خدمة الوطن والمواطن كونهم حقا من النادرين الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، قد نصفق لهؤلاء ونشهد بصدق إيمانهم وننحني لروحهم الوطنية ،لاشك في ان الشعب المغربي سيقف في صفهم .وإلا كيف يعقل لوزيرنا الأول ان يتقاضى راتبا قد يصل حسب جريدة ” جون افريك” الى 120.000 درهم شهريا في بلد تقسم فيه نسبة القدرة الشرائية متساوية بين الغني والفقير ولكنها قسمة غير عادلة عندما تكن اسعار الطماطم في السوق والبوطاغاز والماء والكهرباء لا تتفاوت بالنسبة للغني والفقير والموظف البسيط والوزير ، وربما تكون نسبة القدرة الشرائية للمواطن الفقير أدنى بالنسبة للقدرة الشرائية للوزير المدعمة من خزينة الدولة بنسبة قد تفوق 90 بالمائة فيما يتعلق بالنقل والسكن وهذه المواد الاستهلاكية اليومية ما ظهر منها وما بطن ، فإذا كانت الحكومة وهذين المجلسين قد مرروا عدة قوانين للزيادة في أجورهم وتعويضاتهم فان القانون الجديد الذي سيمكن الوزراء والبرلمانيين الحاليين بالإضافة الى رواتبهم الضخمة من حقهم في التقاعد بهذا القدر فانه سيسري بأثر رجعي على سابقيهم منذ فجر الاستقلال ،ومنذ الولاية الأولى والى التاسعة فإلى المائة وأكثر منها وعلى كل الذين لا يقل عددهم حاليا عن 6000 عضو برلماني ، وغير بعيد عن ذلك عدد الوزراء ومنتدبيهم الذين تداولوا على الحكومات منذ ذلك الحين ،والذين قد يتجاوز عددهم الألف وزير ومنتدب ، في هذا الصدد كان من باب الإنصاف ان يشمل هذا القرار او القانون كل المنتخبين الجماعيين ولم لا كل أعضاء جمعيات المجتمع المدني وربما قد يكون أداء هؤلاء أكثر مرد ودية بالنسبة للآخرين
8000 درهم بقيمة اثنين فرنك هو إيراد يصرف للمستفيد مباشرة بعد خمس سنوات ويبقى ساريا على مدى الحياة ، كيف تم احتساب هذا المبلغ ليصنف ضمن أصناف التقاعد فان جل المستفيدين لم تتجاوز أعمارهم الأربعين او الخمسين ، بالإضافة الى قرابة 40.000 درهم كأجر شهري لكل عضو برلماني، وأكثر منها لكل وزير على حساب من ترفع الحكومة سن تقاعدهم الى 65 سنة ومن العمل 40 سنة ومن المساهمات نسبة معقولة . سيبقى ذلك هو الجواب الصحيح عن السؤال المطروح منذ مدة حول أسباب إفلاس صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي في المغرب ،والمبطل للعجب الذي يعجل بإفراغها مما تبقى ويعرضها الى إفلاس تام بعد سنوات قليلة ،الشيء الذي من اجله تسعى حكومة بنكيران إلى دعمه بالزيادة في الاقتطاعات من رواتب الموظفين والأجراء المتوسطين والبسطاء ،والزيادات في أسعار المواد الأساسية لزيادة الشحم في ظهر المعلوف، ولضمان صرف أكثر من 70 مليون درهم في الشهر لهؤلاء البرلمانيين والوزراء ، فأي صندوق من أمثال الصناديق المذكورة او أية خزينة من خزائن الدولة تحتمل عبء هذه التكاليف الباهظة ،إلا أن تكون صناديق المغرب و خزينة دولة المغرب
كأي مواطن بسيط قد يصعب علي فهم هذه المعادلة ، ويتعذر علي استيعاب القواعد لمعالجة مثل هذه العمليات الحسابية ، وكأي مواطن بسيط انبهر من سخاء خزينة هذه الدولة وأحار في مصادر الأموال الطائلة التي تحول إليها على مدى السنين الماضية، كأي مواطن قصير التفكير أجد مغربي اكبر وأعظم وأقوى من كل مغرب ومشرق ومن كل وطن ،رغم التبذير وسوء التدبير، ورغم الفساد والإفساد ، مازال شعب المغرب حيا ومازال هذا الوطن صامدا في وجه الأزمات الاقتصادية، حقا هو شعب من أعظم الشعوب الصبورة على تحمل كل هذه الأعباء الثقيلة دون تأوه ، وحقا هو مغرب اغنى من كل المغارب واقوى من كل المشارق ، ومن يريد ان يعلم كيف ذلك ، سيتعلم حتى يعلم انه لا يعلم
ذلك مما لا يدع مجالا للشك في ان ملك البلاد لا يستجيب لإرادة شعبه، أو لا يتجاوب مع تطلعاته ،او لا يتداعى لآلامه وتوجعا ته ، فيعمل على ضرورة إعادة النظر في استمرارية هذين المجلسين .والاكتفاء بعضو او عضوين على الأكثر لكل إقليم في إطار نظام الجهوية المتقدمة ،التي ستعتمد بالأساس في اقتصادها على ترشيد نفقاتها ،ولتنميتها على الحكمة في تدبير شانها ،وللرفع من شانها على العمل في جلب المستثمرين وتشجيع الاستثمار من اجل توفير مناصب شغل لشبابها وضمان العيش الكريم لساكنتها ، وإعطاء عملتنا مكانتها اللائقة ولدرهمنا قيمته الرفيعة في سوق الصرف بدل اثنين فرنك ، وأما اذا كان التدبير الجهوي سيسير على هذا النمط ربما في اعتقادي ورأيي المتواضع سيسير بنا وبمغربنا الى الهاوية