بقلم :الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

عندما نريد أن نشخص الإرهاب و نفسر معناه ، وعندما نريد أن نبحث في تنشئته من حيث الزمان والمكان وبالتالي كيف يمكننا تحديد مسقط رأسه وتاريخ ميلاده من اجل بحث سبل القضاء عليه ،كل ذلك سيدفع بنا إلى دهاليز مظلمة من الصعب جدا أن توصلنا إلى مواقعه
مفهوم الإرهاب في الإسلام محسوم في أمره بقوله صلى الله عليه وسلم “لا رهبانية في الإسلام ” وأما تفسيره بالجهاد ،فالإسلام كان ومازال يعلن الجهاد بأشكاله وألوانه بوضوح معانيه، وقد حرم على المحاربين في إطار الجهاد حرق الأشجار، وهدم المعابد وقتل الأبرياء والأطفال والعزل وحتى الحيوانات، كما حارب النصب والاحتيال والسرقة وقطع الطرق واكل أموال الناس بالباطل ،كل ذلك جعله من الرذائل التي يدعو إلى وقاية المجتمع الإسلامي من أفاتها، ومنذ زمان بعيد كان السارق إرهابيا وقاطع الطريق والمحتال والنصاب وغيرهم ،لكن مع التطور {الحضاري } تطور مفهوم الإرهاب وتطور فعل الإجرام والآليات المستعملة ،لغايات وأهداف تختلف عن الأساليب الأنفة الذكر. فشتان إذن ما بين مفهوم الإرهاب الجديد ومفهوم الجهاد التليد ،وبالتالي فالإسلام يقدس الحياة ويجرم قتل النفس بدون حق ، ما قاتل الإسلام إلا دفاعا عن الحق أو انتصارا له ،ولم يكره الإسلام أحدا على اعتناقه ،أو يقاتل كافرا أو ملحدا أو مشركا إلا دفعا لعدوى الشرك والكفر عن مجتمعه، بدليل قوله تعالى ” قل يأيها الكافرون لا اعبد ما تعبدون .. الآية . ” لكم دينكم ولي دين ..الآية” سورة الكافرون
في هذه الحالة قد يكون الإسلام بريئا مما ينسب إليه باسم الجهاد في سبيل الله ،وهو لن ينصب أحدا ليتولى الدفاع بصريح السورة المذكورة أعلاه ، وقوله تعالى ” فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ” سورة الغاشية الاية 21ـ22 فمن ذا الذي جاء بعد محمد صلى الله عليه وسلم بأمر من الله ليعدل رسالته ويقوم هذا الدين قد لا يفعل ذلك إلا أشباه أبي لؤلؤة أو من يريد أن يلصق العدوى بالإسلام الذي يبرئ القران ذمته براءة تامة مما قد ينسبه إليه المغالون في الدين والمجادلون فيه بغير علم ،وما هم في الحقيقة إلا مجرمون ومغرضون
قد يكون الإرهاب الجديد فكرا سياسيا ظهر بعد انهيار المعسكر الشرقي، عندما رأى المعسكر الغربي من الضروري بناء قطب بديل على أنقاضه، من نسج خياله وصنع يده ، فسواه وعدله في صور ما شاء ركبه ،ثم نفخ فيه من روحه وقال له كن إرهابا فكان كما أراده أن يكون ، وجعل من ذريته ما يسمى القاعدة وداعش والجهادية والسلفية والنصرة و،و،و والقائمة طويلة ، ومازال تناسل هذه الفصائل بالعشرات والمئات وفي ازدياد مستمر يوما بعد يوم ، إلى أن يصبح عدد جنود الإرهاب يضاهي جنود الشيطان ، في حين أصبحت الأقلية المؤمنة ترزح تحت ظلمها وتذهب ضحية أفعالها الإجرامية ما لم يمددها الله بجنود من عنده
قبل أن يكون “بلادن ” إرهابيا فقد كان قبله “كارلوس” ذلك الرجل المقنع الذي روع الغرب باغتيالاته لكبار السياسيين وخطفه لرجال المال والأعمال وتحويله للطائرات مقابل فدية مادية أو معنوية ، والى اليوم لم يعرف مصير هذا الرجل إن كان ميتا أو ما يزال حيا يرزق ، وما يدريك لعله صاحب ثكنة أو مركز تدريب للعصابات الإرهابية باسم الإسلام في العالم دون تحديد مكانه على الأرض ،وكلنا نعلم أيضا أن ” بلادن ” هذا قبل أن يكون إرهابيا كان عميلا لأمريكا ،وقبل أن يكون كذلك كان عربيا مسلما ربما جاء بنية مناصرة الإسلام في أفغانستان، ومقاومة الإلحاد الروسي الذي أخلا بفضله المكان للأمريكان وترك أفغانستان لبلادن والطالبان، ولما أرادت أمريكا أن تجعل لها من هذا البلد قاعدة عسكرية كذلك أراد عميلها بلادن ربما لخلاف بينهما على اقتسام الغنيمة أن يصنع منه هو الأخر قاعدة إرهابية في المواجهة ، مجرد احتمال والأخر أن تكون القاعدة الإرهابية التي يتزعمها بلادن هي من صنع أمريكي الذي أراد أن يخلق منها قوة إرهابية ترهب العالم ،ويستعملها متى شاء وأين شاء ،ولكن كيفما كان الحال من المستبعد أن لا يكون هناك من يفهم ويعي ويعلم أن منظمة القاعدة قبل أن تكون إرهابية على ارض الواقع كانت قاعدة عسكرية في الإستراتيجية الأمريكية ، التي أبت إلا أن تصنع منها قطبا ثانيا فيما بعد تدعمها وتنصرها وتحاربها ثم تنتصر عليه لتحتفظ بذلك على مكانتها كقوة عالمية ، كلها فرضيات ولكنها تحتمل الواقع الذي سيعريه المستقبل
لكن إذا كانت المخابرات الأمريكية قد ابتكرت وأوجدت هذا القطب الأسطوري فهل يغيب ذلك عن كل ذي عقل سليم في المعسكر البائد ،أم كان عاجزا عن ابتكاره لمثله ،الم يكن الإرهاب كنوع من السلاح الذي يتنافس في صنعه هذان المعسكران ، وهل يعقل أن يكون الإنسان العربي والإسلامي حقا هو الذي فجر البرجان الأمريكيان وقصر البنتاكون بتلك الدقة المتناهية وحطم بفعله هذه الابتكارات وتحدى قدرات هذه المخابرات ،أم كان تواجد إنسان من أصل عربي أو إسلامي ضمن ركاب الطائرتين كافيا لإثبات التهمة وحصرها إلى جانب العرب والمسلمين، فلماذا لم توجد ضمن ركاب هاتين الطائرتين وضحايا كارثة سقوط البرجين جثة أي اسرائلي ،وفي كثير من العمليات الإرهابية التي أودت بحياة مئات الضحايا في كثير من البلدان ،سؤال قد يحير كثيرا من الباحثين والمحللين السياسيين
حتى لا نسقط كل التهم عن العرب والمسلمين في غياب الدفاع والعدل والإنصاف الدولي ، ربما قد يكون بعض هؤلاء متورطون لأسباب عديدة ودوافع متعددة ،من ضمنها الفقر والحاجة إلى جانب الجهل والأمية ،ثم المخدرات وما أدراك ما المخدرات المنتشرة بشكل اقرب ما يكون بالأمر العادي في كثير من البلدان اللاديمقراطية التي تعاني من الهشاشة الاجتماعية ،سيما تلك الدول التي جاءت عن طريق الثورة وجاء حكامها على ظهر الدبابة ،أولائك الذين يعملون على محاربة العلم والثقافة بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ويحرصون على تكريس الجهل والأمية والتهاون في انتشار المخدرات بين شبابها بأشكالها وألوانها وأنواعها ،لعلمهم أن من سيحاربهم أو يناهضهم ويزحزحهم عن كراسيهم ويهدد مستقبل أبنائهم هم الطبقة المثقفة والمفكرة والعالمة ،لذلك فهم يتحسسون مسدساتهم كلما سمعوا كلمة مثقف ، كل هذه الضغوطات قد ولدت لدى الشباب العربي والإسلامي نوعا من الانفجار بعد الثورة الإعلامية التي فتحت النوافذ لانفتاحه على العالم ،وكشفت لصناع الإرهاب عن الحقول المنتجة للمواد الأولية التي تستعملها في صناعتها ،واكتشافها لأسواق العرض والطلب والمروجين لبضاعتها
فهل حقا كانت الجمرة الخبيثة التي قيل أنها اكتشفت في أمريكا قد تم صنعها في المفاعلات النووية الأسطورية التي من اجلها دمر بوش الدولة العراقية والشعب العراقي بأكمله، فاحدث بسببها أزمة اقتصادية للعالم كله ،هذه الأزمة التي مازالت تداعياتها وانعكاساتها السلبية تجر كثيرا من الدول والشعوب إلى الهاوية الم يكن ذلك من الأساليب الإرهابية المدمرة للدول والشعوب
فإذا كان الإرهاب صنعا سياسيا فقد أصبح اليوم فكرا إرهابيا يكاد يكون مستقلا بذاته ،وربما يكون مستعمرا جديدا وفق ما تسعى إليه من تسمى بالدولة الإسلامية بالعراق والشام داعش اختصارا ، بالطبع عندما تنجح في التقاط الحثالة والمضطهدين وجمع المرتزقة والمحرومين في كل الدول لتصنع منهم كيانا وستجد لهم أرضا في كثير من الدول الهشة التي تتموقع فيها ،والتي تبحث فيها عن موقع قدم لها من أقصى الشرق العربي إلى أقصى الجنوب الإفريقي، ومن ثم إلى أقصى شمال شرق المغرب العربي مرورا بجنوبه، حيث تلتقي القاعدة بداعش وغيرهما من الفصائل الإرهابية ، وسيحطون برحا لهم في صحراء هذه البلدان الشاسعة وعلى قمم جبالها الشاهقة، حيث ستجد أبواب حدودها مفتوحة على مصراعيها، وربما قد تكون الجزائر الأخت أول من تستقبل هذه الفصائل على أبواب حدودها المترامية فإما أن تعانقها بالاحظان وتقدم لها حليب النوق وتمر وركلة ،وإما أن لا يكون لها حدود وليس لكيانها وجود