بقلم : عزالدين قدوري 

حين ينطق القلم

 

مع اقتراب موعد كل انتخابات وطنية سواء للمجالس الجهوية أو المحلية أو البرلمانية أو غيرها ,,,, يكثر الحديث عن الديموقراطية التي تتناولها الصحف والمجلات ومختلف المنابر الإعلامية سواء السمعية منها أو المرئية بالتحليل والمناقشة فترى الأغلبية العظمى من سياسيين وجمعويين ومثقفين يمددون في مفهومها من نواحي عدة وكل واحد منهم يعطيها تصورا من منطلق إيديولوجي خاص لكنهم في أخير المطاف يلتقون في نقطة واحدة هي نقطة انطلاق هذا المفهوم القديم الذي ظهر في اليونان و المكون من لفظتين اثنتين : الأولى : DEMOS ( ديموس ) ، وتعني : عامة الناس ، أو الشعب ، والثانية : KRATIA ( كراتيا ) ، وتعني : حكم ، فيصبح معناها : حكم عامة الناس ، أو : حكم الشعب .
ان من المطالب الأساسية لتحقيق الديموقراطية حسب ما توصل إليه الغرب ضرورة توفر الشعوب على مستوى ثقافي واكتفاء مادي يؤهله إلى ممارسة الانتخاب بشكل حر و نزيه دون أي ضغوطات مادية أو إيديولوجية .
وهذا ما يبرر سبب عزوف معظم المثقفين عن الانتخاب في وطننا العربي في حين نجد المشاركة تقتصر تقريبا على الفئة المنهوكة ماديا وثقافيا و من الفقراء ومحدودي الدخل و العلم والوعي .
عموما هذه إشارة بسيطة لكن موضوعونا وسؤالنا هو :
– هل الدموقراطية بمفهومها الغربي تشابه الديموقراطية بمفهومها العربي ؟
فكما أشرنا سالفا  ، فالديموقراطية الغربية وضعت وفق ضوابط ولبنات أساس لانطلاقها و لتحقيقها وهي العلم والاستقلال المادي وهنا نرجع إلى علم الاجتماع الذي يؤكد على أن من شروط نجاح كل نظرية نظرية أو فكر فكر هو ملائمته للظروف المحيطة به من أرضية ومجتمع وثقافة ….
وهذا يبين لنا بوضوح أن الديموقراطية بمفهومها الغربي والتي ينادي بها بعض السياسيين و العلمانيين هي ابعد من أن تتحقق في بلادنا العربية لعدة أسباب منها اختلاف الثقافة والمجتمع والموطن . وذلك بادي بشكل جلي من خلال ما نلاحظه من نجاح نسبي حققته في الغرب في حين نجدها قد أخفقت بشكل تام عند العرب . فالدب القطبي لا يمكن أن يعيش في صحراء إفريقيا والعكس صحيح بالنسبة لدب الافريقي . وهذا ينطبق أيضا على الفكر الذي ولد بموطن وظروف خاصة لا يمكن أن يعيش في ظروف غير ظروفه الأصل .
يقول الكنز:
“وبالفعل فإنَّ علاقتنا بالنظريَّات الغربيَّة، كأيَّة علاقة وضعيَّة براجماتيَّة ذرائعيَّة لا يمكن أنْ تُؤدِّي إلى النتائج التي توصَّلت إليها النظريَّات الغربيَّة، وهي نتائجُ غيرُ ملائمةٍ لبيئتنا، كونها جُرِّدت من إطارها الاجتماعي والتاريخي وانفَصلت عن مسار تكوينها المعرفي… فكلُّ النظريَّات الغربيَّة قد نتجَتْ عن علاقتها بالعاملَيْن التاليَيْن: خصوصيَّة مجتمعاتها وقضاياها الاجتماعية والتاريخية من ناحية، والحقل المعرفي الذي نَمَتْ بداخله وطوَّرت قَضاياها النظريَّة المحدَّدة.

يكمن خطأ علماء الاجتماع العرب – في نظَرنا – في اعتِقادهم أنَّه من الممكن استيراد نظريَّات الغرب بغَضِّ النظَر عن ارتباطها بهذين العاملين، خطَأٌ فادح يمكن اعتباره الْتباسًا تاريخيًّا حقيقيًّا “

و هذا يجعلنا نطرح تساؤلا أخر .
– هل هذا يعني أننا كمجتمعات تجتمع اغلبها حول لغة واحدة وثقافة واحدة ودين واحد ، لا نستطع إنتاج ديموقراطية خاصة بنا تناسب مجتمعاتنا ؟
– أيمكن أن نعيش بدون ديموقراطية ؟ أم انه من الضروري والملزم استهلاك مفهوم الديموقراطية الغربية كما هو ؟
قد يفاجئ المرء حين يسمع الجواب بنعم يمكننا العيش بدون ديموقراطية بل ربما تكسر موائد وتبح حناجر بعض دعاة الحداثة و التجديد عند سماع هذا الجواب وتنفجر احتجاجا.
لذلك وحتى يطمئن قلب أولئك اذكرهم فقط أننا نتوفر على أسمى نظام شامل يتساوى فيه الغني والفقير والأمي والعالم المرأة والرجل … لكن العيب يقع علينا نحن من ساهمنا في إهماله . وهو رباني المصدر وليس وضعيا كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الديموقراطية . إن نظامنا ذلك النظام الثابت والأوسع من أن يتقيد بفئة اجتماعية ومستوى اجتماعي معين فهو نظام يشمل كل الفئات الاجتماعية ويساوي بينهم في الحقوق والواجبات انه نظام الشورى ( و امركم شورى بينكم ) الذي يعني من المنظور اللغوي” تقليب الآراء المختلفة و وجهات النظر المطروحة و اختبارها من أصحاب العقول و الإفهام حتى يتم التعرف و الوصول إلى أصوبها و أحسنها للعمل به لتحقيق أفضل النتائج و قد اعتبر مبدأ الشورى كأساس للحكومة الصالحة ودعامة تتلاقى عندها سائر الرغبات و الأماني لأن الشورى في ابسط أحكامها خير من رأي الفرد لأنها تعبر عن الرأي الجماعي .”
وفي الاصطلاح عرفها ابن العربي بأنها هي : الاجتماع على الرأي ليستشير كل واحد صاحبه ويستخرج ما عنده .
إننا كمثقفين مطالبين اليوم أكثر من أي وقت مضى بالقيام بنقد ذاتي وموضوعي و نقف فيه وقفة تأملية مع التاريخ و نستعرض فيها وضعية المجتمع العربي في العصور الإسلامية السابقة مقارنة بها اليوم بعد أن أصبحت تنهل من حضارة غير حضارتها وحينها من المؤكد أننا سنلاحظ الفرق الشاسع بين النجاح الباهر لدولة الإسلامية الملتزمة بقرآن الله وسنة نبيه وبين الأنظمة الوضعية التي لا زالت تعيش مخاضا عسيرا وتقلبات و مشاكل في موطنها الأم وموطن متتبعيها .
وهذا أكيد سيجعلنا كعرب ومسلمين نفخر بديننا ونزيد تشبثا به .ونتبرأ من كل الأفكار الدخيلة على مجتمعنا وثقافتنا .