بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

هل باتت الصحراء المغربية عبارة عن قنينة بلاستيكية فارغة يتجاذبها المد والجزر على شواطئ الدول الغربية والإفريقية ؟ أم أصبحت شرذمة “تندوف ” طعمة على شوكة أعداء وحدتنا الوطنية الذين يرغبون في جر بلدنا إلى ما تجر إليه جل الدول العربية والإفريقية ؟ وهل أضحى المغرب مرتع المتاجرين بقضاياه الوطنية ومحل أطماع الاستعمار الجديد وخدامه وأعوانه الذي يسعى بمعيتهم إلى بسط هيمنته على الوطن العربي واستحواذه على كل ثرواته الطبيعية واستعباد شعوبها المحبذة لأسلوبه بدلا من استبداد حكامها المفسدين ؟ وهل بات ضرع البقرة الحلوب الجزائرية غرنا أم مازال به بقايا جرعات تتسابق بعض الدول المتعطشة والمحبة للرضاع لامتصاصها ،كالسويد مثلا التي جاء دورها بعد فوات الأوان لتستفيد هي الأخرى من عطاءات الجزائر وسخائها مقابل حشد الدعم لأطروحتها البالية ؟ أم كانت طغمة البوليزاريو كيانا من صنع الأشقاء والأصدقاء الأعداء على شكل الكيان الاسرائلي الذي زرعته الدول الاستعمارية في الشرق كقاعدة خلفية لحشد قواتها من اجل توجيه ضرباتها في الوقت المناسب إلى كل الدول المجاورة
وعلى غرارها شاء النظام الجزائري المهتري والليبي البائد المنتميان إلى معسكر بات هو الأخر في خبر كان ، بناء كيان جديد يذهب على مذهبه ويدين بدينه ويصاغ من فصيلة لا هي جمهورية ولا ملكية ولا رأسمالية ولا اشتراكية ولا ديمقراطية ، فصيل يتكون من جماعة ضالة وجدت نفسها منفصلة بالصدفة عن أصلها ،معزولة بالرغم عن وطنها ، ولم يكن عدد أفرادها إلى اليوم يفوق عدد المسجلين على لائحة اصغر جماعة انتخابية في إحدى القرى المغربية النائية، وبالأحرى عدد منخرطي حزب من الأحزاب الجديدة ،أو جمعية من جمعيات الأحياء السكنية في المدن المغربية، رغم ذلك شاءت هاتين “الجمهوريتين الملكيتين الشعبيتين الديمقراطيتين الاشتراكيتين العظميين ” أن تجعلا منها دولة بلا إقليم ولا شعب ولا شرعية أسمتاها جمهورية صحراوية شعوبية ،كثالثة ثلاثة لتشكيل كفدرالية أو فدرالية اشتراكية شعبية ديمقراطية ولم لا إمبراطورية على نمطيهما متاخمة لأفريقيا الشمالية والجنوبية ،وبمباركة من يسعون إلى تخريب بلدانهم بأيديهم وأيد من يؤمنون بأبعاد إستراتيجيتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية ،الرامية إلى تدمير الأوطان وتشريد كل الشعوب العربية والإفريقية، حتى يعيدونها إلى عهد الاسترقاق والاستعباد وعرضها للبيع والشراء في أسواق النخاسة لتستخدم في بيوت حريمها وتحمل أثقال أسيادها، ثم تجعلها تمشي تحت السماء حاسرة الرؤوس وعلى الأرض حافية الأقدام
هل تتراجع الدولة الأخت عن غيها والجزائر الشقيقة عن ظلمها عاجلا قبل أن يتراجع السائرون في فلكها عن مضيهم حينما سيبخسون ثمن مجاملتهم ويسترخصون قيمة أوطانهم ، منهم دولة السويد على سبيل المثال لا الحصر التي جاءت متأخرة لتمارس سياسة الاستفزاز ضد المغرب، كما مارستها لابتزاز الجزائر من اجل تسويق أسلحتها إلى الطرفين للفتك بشعبيهما ، ولتحظى بنصيبها من هذه الكعكة العربية بين مجموعتها ،فلا عتب ولا ملام على دولة السويد وغيرها . ولكن هل تستوعب جارتنا الدروس مما يدور في شرقها ومحيطها ،وتعلم أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من حبل المشنقة الذي يلتف حول عنقها؟
انه خطر يهدد أمنها الاجتماعي واستقرارها الاقتصادي ،وينذر بتشريد شعبها ودك أسسها وقواعدها دكا خطر إن كان ساستها يرونه بعيدا يجب أن يراه مثقفوها اقرب إليها من حبل الوريد ،وهل تعلم جارتنا الشقيقة أن هذه الدول المنهارة في شرقها لن تبنى أبدا بعد انهيارها بسواعد أبنائها الذين أصبحوا رفاتا تحت رماد أرضهم المحروقة، وباتوا أشلاء ممزقة تحت أنقاض حضارتهم المنهارة ضائعين في الأرض مشردين في دروب القارات
شعب العراق كشعب سوريا ومصر واليمن وليبيا وغيرهم ،ومازالت الرياح الشرقية تدفع بالسنة اللهب شمالا ونحو أفريقيا جنوبا والجزائر غربا عبر ما يسمى في شرعها الجمهورية الصحراوية الشعوبية العظمى، أو ما يصطلح عليه في شريعتها بدولة البوليزاريو الكبرى
حتى المملكة المغربية ،قلما ستسلم نتيجة رائحة البترول المشتمة من صحرائها وسواحلها ،مهما شاءت وحاولت اجتناب هذه الحرائق بالتسامح والتعقل والدفع بالتي هي أحسن إلا أن ذلك لم يجديها نفعا ،ما جعل قدرها يأبى إلا أن يصيبها لا قدر الله بعض شواظ هذه الحرائق وشررها المتطاير من الأرجاء المجاورة ، فلا حذر أصبح يمنع القدر. هذا وان كانت قضية الصحراء قد عمرت طويلا إلا لتكون هدفا له أبعادا محددة على خريطة طريق توصل إلى كل آبار النفط والغاز ،ولن تجد لها حلا سلميا يتحاشى هذا الخطر إلا أن تراجع الجزائر حساباتها وتعاود قراءتها فيما يخص قضية الصحراء بمنطق العقل السليم ،أو سيبقى الحل العسكري واردا كما تريده وتتأهب له منذ أكثر من نصف قرن إلى اليوم ،فان لم يكن شيء قد حدث من هذا وذاك من ذي قبل في ظل نفاق سياسي يغطي على الضغائن والأحقاد الدفينة التي جعلت شعبا البلدين يعانيان الحرمان في ظل حرب باردة منذ أربعين سنة
سيبقى الحل الأخير غير مستبعد وهو آت لا محالة وسيعري عن كل الحقائق ويكشف كل الخلفيات ، ولنا ولجارتنا ذكر في التاريخ وعبر إن كنا سنتذكر ونعتبر ، فإن كانت هذه الأخيرة قديما وعلى سبيل المداعبة السياسية لا تريد من وراء زرعها لهذا الكيان في جنوبها إلا ليكون ناقلة لتصدير فتنها أو حصاة في حذاء المغرب ،لتعطل مسيرته التنموية وتعيق مواكبته لركب الدول المتطورة أو من اجل تصفية حسابات شخصية ، دون أن تدرك حديثا أن هذه الحصاة ربما ستتحول ذات يوم إلى صخرة عاتية ، قد تقطع مسلك مرورها وتسد منفذ الهواء إلى رئتيها وتحول مجرى المياه عن حقولها، انه من سذاجة ساستها وتعصب قادتها الذين لم يدركوا منذ أربعين سنة أن حاجتهم إلى من يحمي ظهرهم من جهاتها الأربعة هو اقرب إليهم من مخلوق وهمي ، ومن كيان لقيط يتربى بين أحضانها وينشأ على أرضها ،وتحسبه درعا واقيا. سرعان ما سيعود إلى أهله ووطنه ككل الغرباء ، حينما ينتابهم الشوق والحنين وككل السجناء عندما يفرج عنهم أو يجدون سبيلا إلى الفرار من سجنهم وسجانيهم ،مهما طال الزمن أو قصر سيلتحقون بديارهم وهم يلعنون من كان السبب ،ويكفرون بمن كان المتسبب فيتوبون ثم يعودون إلى وطنهم الغفور الرحيم
اجل أربعون سنة كانت كافية لتتبدل ألأفكار، وتتحول ألأنظمة ،وتتعدل الخرائط ،وتتغير الجغرافية على الأرض، ويرحل رؤساء دول عن الحياة وينقرض خلالها الإنسان ويتقادم الزمان. إلا أن يفهم القادة الجزائريون الذين عفا عنهم الزمان أو يقتنع الذين أمهلهم الموت بان قضية الصحراء أصبحت قضية شعب بكامله وليست قضية دولة وحسب ،ولا الجامعة الجزائرية كغيرها من الجامعات العربية استطاعت مع الأسف أن تغير ألأفكار الزائفة لقادتها، الذين شاخوا وهرموا ثم خرفوا وباتوا من التحف الأثرية التي تتحدى الزمان على رفوف متاحف الأمم الغابرة ،فتنتج فعاليات فكرية بديلة تؤمن بالتغيير لمواكبة ركب العولمة وبالتكتل لمواجهة تحديات العصر بالعمل على تصحيح أخطاء الماضي ومن خلاله تعديل هفوات المراهقين السياسيين ومواصلة سهر الليل بالنهار من اجل لم الشمل العربي وجمع شتاته في تكتل متماسك ووطن موحد بلا حدود ولا حواجز في مستوى التكتلات الأوربية والأمريكية والسوفياتية
فاليوم قبل الغد لم يعد هناك من الوقت بقدر ما مضى ،وستبدأ الحركة على واجهتي الجارتين الشقيقتين بحكم الفرائض المفروضة من هاجوج الغرب الأوربي والأمريكي، ومأجوج الشرق الاسرائلي والروسي، ولم يعد هناك من سد يمنع الوطن العربي المتفكك من شرقه إلى غربه ،ولا من قارون يقتضي أجرا ليصب عليه قطرا يمنع من تجزئته إلى رقع جغرافية وتقسيمه إلى دويلات طائفية وعشائرية سريعة الذوبان.كما لم يبق هناك من الوقت سوى شهورا قليلة بحساب الأيام وستسقط سوريا واليمن ،كما سقط من قبلهما العراق ثم ليبيا، حينئذ سيأتي الدور على الجزائر من البوابة التي فتحتها في جنوبها على نفسها ،نتمنى صادقين أن لا يكون المغرب سباقا إلى طرقها ،كما نتمنى أن يتخطى الوئام الجزائري الحدود المغلقة فيعانق بأحضانه الشعب المغربي قبل فوات الأوان ،فلا احسب بعدها سينفع الوئام أو يفيد الندم ، عندما سيصبح كل نظام متخندقا في خندقه ، مدعوا إلى حماية دياره لوحده، وما نحن ببعيدين من ذلك الواقف على أعتابنا. فهل كنا متعاونين وعلى أهبة الاستعداد الدائم لمواجهة تحدياته ومقاومة تحالفاته وتكتلاته ؟ أم ترى سنؤكل كما يأكل الذئب من القطيع القاصية ،وكما تؤكل كل الثيران عندما أوكل نظيرها الأبيض
فالخطر الصليبي آت من الشرق لا محالة ، وخريطة الوطن العربي باتت قابلة للتعديل وفق خريطة الطريق المرسومة حسب التصورات المدروسة من قبل مهندسي الدول الاستعمارية الكبرى ، وقد قضي الأمر الذي كنا فيه نختلف أحببنا أم أبينا ،وهذا ما جنيناه على أنفسنا ولم يجن علينا احد ، بعد أن غرنا بالله الغرور فحسبنا أن ثرواتنا البترولية نعمة من الله تغنينا ، فإذا هي نقمة من منعم لم نشكره على نعمائه بحسن تدبيرها ،فان كانت الفيلة والفقمات لا تؤكل لحومها ولكنها تقتل من اجل أنيابها وفرائها.