بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

والانتخابات الجماعية على الأبواب ،كحكومة وأحزاب، كمعارضة وأغلبية كلهم يدعون إلى تكثيف الجهود من اجل تسجيل نسبة مشاركة عالية في الانتخابات الجماعية والجهوية ،ويهيبون بالمنتخبين أن يتوجهوا بكثافة إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم من اجل ترسيخ مفهوم الحرية وإرساء قواعد الديمقراطية ،ومن اجل تفعيل الشفافية وتعزيز النزاهة .
فيلقى بالكرة في ملعب الناخبين ،وتعلق المسئولية على مشجب العازفين ويرمى بالأسباب إلى مرمى المقاطعين الذين يدعون إلى التغيير، دون مشاركة في الانتخابات من اجل قطع الطريق على المفسدين، باعتبار أن العزوف والمقاطعة وعدم المشاركة أعمال تفسح المجال أمام هؤلاء الأخيرين، ليعيثوا في الأرض ويزدادوا فسادا .
إلى حدود هذه السطور قد يكون الخطاب واضحا، وأصحاب هذا النوع من الخطابات السياسية على حق مما يدعون ظاهريا، وهم على صواب مما يقولون صوريا ،لكن يبقى القول قولا والفعل شيئا أخر، كلما سمعنا للمعنيين بالأمر والرأي الأخر، وقد لا تخلو جعبتهم من مبررات أفعالهم وأقوالهم ، وليس من حق احدنا أن يوجه إليهم أصبع الاتهام بأنهم غير ديمقراطيين، أو ينعتهم بالمعارضين للديمقراطية ،والمناهضين للحرية والشفافية والتغيير إلى غير ذلك ، لكن وجدت من أولى مبرراتهم ما يدحر هذه الادعاءات ،إن كانت هذه الأحزاب دون استثناء لم تقدم لهم نخبا وأطرا ومثقفين في مستوى الحدث الذي يشرف الديمقراطية في بلادهم، ولم تقدم لهم فعاليات ميدانية يشهد لها بالحنكة السياسية في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المستوى الوطني والدولي، وجديرة بتدبير الشأن المحلي والجهوي والوطني، ومن ثم يتساءلون إن كانت هذه الأحزاب قد طلعت عليهم ببرامج واعدة تلتزم بتنفيذها وتفي لهم بوعودها العرقوبية ،التي تكشف منذ البداية عن عجزها وفشلها الذين يقيدان الوطن إلى أوتاد التخلف لعشرات السنين الماضية وتربطهم بعشرات السنين الآتية ،أو كانت هذه الأحزاب دون استثناء على اطلاع بالسياسة العامة للدولة ولها دراية بالقطاعات التي تهدف إلى إصلاحها وفق قدرات الدولة وإمكانياتها المادية ، أو كان لأجهزة الحكومة التي تتشكل من أغلبيتها أو تحالفاتها أفاق جديدة قابلة للتغيير أو الإصلاح أو التعديل في إطار برنامج مدروس على مقاس الدولة ، ووفق ميزانيتها العامة التي تنطبق مع وعودها الفضفاضة وتتماشىمع برامجها الخيالية وتتلاءم مع طموحاتها الواسعة .وفي الأخير يتساءلون إن كانت هذه الأحزاب قد أعدت لحكومتها تشكيلة وزارية لها إلمام بالقطاعات الموكولة إليها، أم يبقى المهم والاهم ما تحرزه من حقائب وما تكسبه من مناصب ، وما تعده من أغلبية صامتة ترفع الأيد للتصويت وتصفق متى دعيت للتصفيق ،فهل نجد في هذا ما لا يبرر عزوف العازفين ومقاطعة المقاطعين وحق باعة الذمم ،وبالتالي ومن باب الإنصاف في إطار ديمقراطية فعلية ينبغي الإقرار وبكل شجاعة وروح رياضية أن هذه الفئات ربما كانت تشكل أغلبية تضرب في الصميم مصداقية الانتخابات ،وتطعن في شرعية التمثيل ،إذا كان اقل من نصف ساكنة المغرب حوالي ل” 34 مليون نسمة هم المسجلون في اللوائح الانتخابية العامة بما يعادل 13.4 مليون نسمة واقل من ربعها يشاركون في العملية ومن سدسها يصوتون واقل من ذلك المعبرة عن أصواتهم لتفرز هذه العملية في الأخير ممثلين لم تتجاوز نسبة الأصوات المحصلين عليها بعض أفراد العائلة ،فأية مصداقية لهذه الانتخابات وأي معنى للديمقراطية، وأي شرعية لهذه التمثيلية ،انه حال نعيشه منذ عشرات السنين، ووضع مكرس إلى سنين أخرى مادام هذا الشعب يحتوي على نسبة وعي متدنية وجهل مستشري وأمية متفشية في وسط اجتماعي واسع ،وتطفل من قبل فئاته على المشهد السياسي الذي يجعل بعض الأحزاب على قناعة من أن الساحة السياسية مازالت لم تخل من هذه الكائنات فتفسح المجال للنخب الفكرية والثقافية والإبداعية إلا لتخضع للأمر الواقع فتنقاد وراء أصحاب الثروة ،مادام الجاه والمال متحكمين في بورصة القيم الإنسانية ،ومادام المال هو لسان الأبكم ،وبصر الأعمى، وذكاء البليد، وبصيرة الغبي، وسلاح الجبان ،ومعيار من لا معيار له . ومادامت الأمور تسند لغير أهلها في كل المجالات في هذه الحالة وجب على هذه النخب الانتظار. ولكن إلى متى ، انه سؤال قد يطرح عليها من نفسها، ومن يجيب عنه هي نفسها، وانه إلى حين انطلاقها من واقعها ومواقعها، إلى أماكن مناسبة لمن يناسبها، والى أن يريد هذا الشعب الحياة فيستجيب للقدر، والى أن يفهم المجتمع المدني أن السياسة ليست غلبة ولا موالاة ولا نصرة الأخ ظالما ولا محاباة ، والى أن تقتنع أحزابنا بان صوت الضمير قبل صوت الناخب ،وتؤمن بان صناعة الرجال أولى بصناعة المال ،ومن ثم تدرك أن مصلحة الوطن أولى بمصلحة أيا كان ،وتعلم يقينا أن ثقل الأوطان يزان بوعي شعوبها ،وحجم الشعوب يقيم بعدد مثقفيها ومفكريها وعلمائها .
نريدها ديمقراطية نوعية وليست كمية ،وديمقراطية تشاركيه وليست تمثيلية ،لا نريدها ديمقراطية تعددية حزبية جوفاء ،تنبثق عنها تعددية وزارية بمثلها شلاء وإنما ما نطمح إليه هو ديمقراطية للجميع ،ولكن من يمارسها نخبة من الجميع، وفي مستوى طموحات الجميع ، لست ادري إن كنت قد أصبت بقولي الهدف ،أم مازلت أمطر من الأرض السماء .