بقلم  : عزالدين قدوري

الابناء

 

قبل التطرق إلى الموضوع الأساس وهو ” سقوط بعض الآباء في الحرام بسبب المفاضلة بين الأبناء “
فلا بأس من تذكير القارئ المحترم بالاضطهاد و الوضعية المأساوية التي كان يعامل بها الجنسين قبل الإسلام .
فقديما في العصور الجاهلية كانت المرأة تعتبر عارا يجب دفنه ، ومن أسعفها حظها وكتب لها أن تعيش بعضا من العمر فقد كانت تعامل كجزء من المتاع ، تورث ولا ترث ، فلا ميراث لها عند أهل الكفر و الفجور . أما الرجل كان يميز بعنصرية حسب لونه ومستواه الاقتصادي فتجده لدى قومه بمثابة غلام أو عبد يباع ويشترى في أسواق النخاسة . إلى أن أشرق على الناس أجمعين نور الإسلام الذي أضاء حياة العالمين وأزاح الغشاوة من قلوب الظالمين فحرر الموءودة و الإماء والعبيد و ساوى بين الذكر والأنثى وبين جل الناس في الحقوق والواجبات .
قد يبدو للبعض أن موضوع ‘ العدل بين الأبناء ‘ من المواضيع القديمة الباعثة على الملل لغزارة تناولها من قبل الفقهاء و الكتاب .
إلا انه و رغم اكتظاظ المكتبة الفقهية والأدبية بالكتب و النصوص حول هدا الموضوع ، للأسف لا زلنا في عصرنا ، عصر المساواة ، عصر الحقوق والحريات ، نرى أسرا رغم سمو مستواها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لم تعي بعد معنى العدل بين الأبناء ولم تطبقه كما أمر الإسلام بل تمارس ضغوطا نفسية عليهم ، إذ تميز بين هدا وداك فتحرم الأول حقوقه وتمنحها لثاني بسخاء . وها قد بدأت تلك الأسر إلى جانب المجتمع تجني ثمار ذلك التقصير في المعاملة . فبتنا نرى بشوارعنا شباب متشرد ، شباب مجرم ، شباب مخمور ، شباب مدمن على المخدرات وأقراص الهلوسة . شباب تطارده سيارات الشرطة بين الأزقة والشوارع . و كل ذلك في غالب الحالات عائد إلى التمييز وسوء المعاملة بين الأبناء كما أكدته العديد من البحوث والدراسات التي أجريت على هاته الشريحة الاجتماعية .
قد يعامل بعض الآباء والأمهات أبنائهم بأسلوب المفاضلة أو ربما استفزاز مشاعرهم أمام الناس كأسلوب شعبي تقليدي قديم من اجل أن يبثوا فيهم روح المنافسة والسعي لتحقيق النجاح و أسمى الأهداف كما يحلو للبعض ان يبرر هذا الموقف .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه :
هل للأبناء سعة الصدر لتقبل تلك المعاملة ؟ وهل لهم نصيب من الوعي لتقبل تلك الرسائل المشفرة التي يستقبلونها من الأبوين ؟
إن ما تجب الإشارة إليه أن هذا الأسلوب الذي أصبح شائعا لدى معظم الأسر هو مرفوض شرعا ومن جميع الجوانب سواء كانت هاته المفاضلة في المعاملة أو المحبة أو العطاء أو ربما ميولا إلى احدهم بعدما يسر له الله في رزقه وتفضيله عن باقي الأبناء … وباعتبار أن هذا النوع من المفاضلة هو احد أنواع التمييز فقد كانت مذمومة و محرمة شرعا في الإسلام لعللها الجسيمة وأسبابها الوخيمة . فمعظم الآباء والأمهات اللذين يعاملون أبناءهم بالمفاضلة عن قصد أو عن غير قصد ويتسببون في ظلمهم والتعسف في حقوقهم التي فرضها لهم الإسلام لا يعلمون أن تلك المعاملة السيئة هي من أعظم العوامل التي تسبب الانحراف عن منهج الشريعة الصحيحة ، والصراط المستقيم ، بل هي سبب مباشر للعقوق وقد تتسبب في الانتحار في بعض الأحيان . وما نراه ونسمعه في الواقع لخير شاهد على ذلك .
يقول احد الفقهاء : (.. بما أن العقوق محرم ، ومن أكبر الكبائر ، فلذا كان كل ما يؤدي إلى العقوق حرام ، ومن أعظم ذلك ، عدم العدل بين الأولاد ..)
وقال صلى الله عليه وسلم : ” رحم الله والداً أعان ولده على بره ” .