تاوريرت بريس :

الماء الصالح للشرب

 

ربما قد يكون مخطئا من يضن أن المغاربة سواسية في الحقوق والواجبات وقد يكون مخطئا دون شك من يحسب أن المواطنين في هذه المدينة ليسوا على درجات متفاوتة في تصنيف اجتماعي يخلو من ميز قد تمارسه بعض الجهات على فرد دون أخر أو جماعة دون أخرى في حي واحد كحي الكرارمة رقم 2 ومدينة واحدة كمدينة تاوريرت التي يعاني طرف فيها على حساب طرف أخر من هذه الممارسات التي تحرمه مما يسمى الحقوق الوطنية والاجتماعية بحكم انه يميل أو يتعاطف أو يوالي أو ينتمي إلى أية هيئة سياسية أو حزبية أو بدعوى انه غني أو قوي أو يتوفر على هندام نقي كنوع من الحيف والظلم في حق ذوي عزة النفس المتعففين عن السياسة والخوض مع الخائضين فيما لا يعنيهم ولا يسمنهم أو يغنيهم حتى أصبح هؤلاء في بلدهم لا يختلفون في حالهم عن أحوال أهل الذمة المفروض عليهم أداء الجزية مقابل إقامتهم بين ظهران من يتولون حمايتهم والدفاع عنهم كمواطنين من الدرجة الثانية وما كان عليهم من الواجبات هو أكثر مما ينبغي أن يكون لهم من الحقوق فإذا كان المظهر هو المعيار الذي يجب أن يؤخذ به في هذه المدينة فان معظم المغاربة قلما يظهرون بالمظهر الدوني والضعف بمعناه العام من شدة التعفف إلى حد قد يجعل من لا يملك سوى قميصا واحدا يغسل ياقته بالليل ليرتديه بالنهار وجلهم يحتفظون بجلباب ابيض وطربوش احمر وخفين كزي تقليدي يخفون وراءه واقعهم المزري في المناسبات والأعياد وان كان بعضهم لا يملكون قوت يومهم فهم يتغذون على كوب شاي ثم يخرجون على جيرانهم متخللين أسنانهم كمن يضعون على واجهة منازلهم صحونا هوائية وهم لا يملكون بداخلها جهاز تلفاز سواء بمن ينمقون أبوابها بالرخام والمرمر وبداخلها مازال الطوب عاريا و الأجور الأحمر وأحيانا قد نجد حاويات متسولي أضاحي العيد ملئ بقرون ملتوية لكباش غالية وهلم جرا فهل سيعتبر ذلك في نظر العارفين مرضا اجتماعيا يصنفهم ضمن خانة من يرغبون عن الرضا بالقسمة المكتوبة وبالأمر الواقع أم يرده العالمون بأحوالهم إلى العزة بالنفس و” الشكوى لغير الله مذلة ” على أي فلكل نظرته لإفراد هذا المجتمع إلا أن يعتبره خبراءه المطلعون على خباياه الحقيقية من عقلاء الأمة المتمكنون في أرضه مظهرا من مظاهر الثراء والغنى فيتخذونها شبهات يدرؤون بها أحكامهم على الواقع المزيف قد يكون هؤلاء على خطا لا يبرر ضرورة إعادة النظر في مؤهلاتهم التي تؤهلهم لتدبير شئون هذا المجتمع
فإذا كان بعض ساكنة حي الكرارمة 2 بمدينة تاوريرت يحرمون من حق تزويد مساكنهم بالماء الصالح للشرب منذ عدة سنوات وإغراق حيهم في العتمة والظلمات لأسباب سياسية أو عنصرية أو إدارية أو لمزاعم نسميها كما نشاء بعد أن طال دوارهم تقسيم إداري أو سياسي إلى ضفتين شمالية وجنوبية منفصلتين عن بعضهما أولاهما تنتمي للمجال القروي وهي تتمتع بحقها في الكهربة والإنارة والماء الصالح للشرب دون تمييز بين سكانها في حين مازال سكان الضفة الجنوبية المنتمية للمجال الحضري يعانون حرمانهم من هذه الحقوق حيث مازالت نساء هذا الحي وأطفالهن يتلمسون سبيلهم في هاجرة النهار وعتمة الليل إلى الأحياء المجاورة من اجل استجداء قطرة ماء يروون بها غلتهم في عز الصيف وشهر رمضان ككل سنة دون أن يلفت حالهم انتباه المسئولين أو تجد صرخاتهم أذانا مصغية فلما باءت بالفشل كل محاولاتهم في إيصال صدى أصواتهم إلى المسامع الصماء في هذه المدينة اضطروا إلى الاعتماد على أنفسهم وإحداث جمعية يعملون في إطارها على طرق أبواب المحسنين وذوي الأريحية بداخل المدينة وخارجها من اجل مساعدتهم على تكاليف جر الشبكة إلى حيهم وري ضمأ سكانه دون تمييز بين غنيهم وفقيرهم وضعيفهم وقويهم إلى أن تدخلت المبادرة الوطنية كطرف من بين المساهمين الآخرين في هذا المشروع بنسبة محدودة إلى جانب المجلس البلدي وأعضاء الجمعية فأثارت نزعة التفرقة بين سواسية المواطنين والميز بين أوضاعهم الاجتماعية حينما خصصت مساهمتها لفائدة أفراد معينين تعتبرهم فقراء وغيرهم أغنياء كضربة لأهداف الجمعية التي ترفض التمييز بين أعضائها من اجل الاستفادة من هذه المادة الحيوية التي تعتبر حقا لكل حي قبل أن يكون غنيا وفقيرا أو إنسانا أو حيوانا كما نراه عملا قد يطعن في مصداقيتها بهذا الاستثناء كمؤسسة تهدف إلى التنمية البشرية الذي يعتمده المكتب الوطني للماء الصالح للشرب فيتخذه ذريعة تزكي حرمان هذه الفئة من حقها في التزود من الماء الصالح للشرب ولا نراها إلا أسبابا ترسخ التمييز وتكرس التفرقة بين المواطنين وتجعل منهم مغاربة من الدرجة الأولى ومغاربة من الدرجة الثانية
كما أن المبادرة الوطنية خلافا لرسالتها بما أقبلت عليه بخصوص هذا المشروع حينما كانت تساهم في بناء المساجد لم نكن نعلم أنها تستثني الأغنياء من ارتيادها وحينما كانت تشق الطرق فهي أيضا لم تكن تستثني سيارات هؤلاء من سلوكها وحينما كانت تساهم في انجاز ثقب مائية أيضا فهي لم تكن تستثني الأغنياء من شرب مائها كما أن جلالة الملك محمد السادس نصره الله مؤسس هذه المبادرة نفسها حينما ساهم في إطارها بأجهزة ثمينة من اجل تعزيز شبكة الماء الصالح للشرب في باماكو عاصمة دولة السنيغال لم يكن يوصي باستثناء وزراء الدولة وأغنياؤها وأثرياؤها وسفراء الدول المعتمدة لديها
أما إذا كانت المبادرة الوطنية على مستوى هذه العمالة وحدها من تريد أن تخلق هذا الاستثناء وتحدث تفاوتا بين سكان الحي ومغاربة من الدرجة الأولى والثانية حق على سكان هذا الحي المنضوين لجمعيتهم أن يرفضوا مساهمتها وإذا كان المكتب الوطني للماء الصالح للشرب الذي لم يساهم بدرهم واحد ولم يكلف نفسه عناء أشغال المد والجر والربط ليفرض على سكانه أداء مبالغ مقابل لا شيء بالمقارنة مع ما يجري به العمل في الأحياء التي يوصل إليها الشبكة على نفقته قد يكون ذلك أيضا إجحافا وشططا يجب رفضه ويتوجب عرضه على المحكمة التي لها الصلاحية في افتحاص القانون المعمول به وإذا كان الأمر لابد منه فمن باب الإنصاف أن يطالب العارضون هذا المكتب بحقهم كمواطنين أغنياء حسب زعمه بضرورة تزويدهم بماء غير ماء الفقراء وعبر أنابيب خاصة وعلى نفقته وسيكون له الحق بعد ذلك في استخلاص مستحقاته .
ولكن ما يتمناه سكان هذا الحي أن يتراجع مكتب الماء الصالح للشرب عن قراره باعتباره الشريك المحوري الذي لم يساهم بدرهم واحد رغم كونه المستفيد الوحيد من استغلال هذا المشروع وكذا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي ساهمت بما تيسر لها في المشروع لكن دون من ولا أذى وهي لم تخلق لتنمية أطراف معينة دون غيرها وكل من يقفون في وجه هذا العمل الإنساني باسم قوانين مجحفة ومتناقضة قلما تتماشى مع الواقع الاجتماعي ولا تتوافق مع متطلبات المواطنين ولا ترضي الضمير الإنساني كما يتمنون أن يعاد النظر في ممارسة هذا الأسلوب والتعمق في تأمل ماله الذي يكرس التفرقة بين المغاربة بدرجات متفاوتة ويلغي مبدأ المساواة بين المواطنين في أداء الواجبات فلا ينبغي حرمان بعضهم من التمتع بالحق في التزود بالماء الذي يعتبر ملكا لكل حي بغض النظر عن كونه مواطنا أو أجنبيا مؤمنا أو مشركا غنيا أو عائلا وبالتالي إنسانا أو حيوانا