بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

     ربما يكون بذلك قد أضاف  حلقة جديدة  إلى سلسلة الفضائح المتتالية مع مطلع السنة الخامسة عشر بعد الألفين، والباقية يتمخض في أحشاء الشهور القادمة باختلاف أشكالها وألوانها وتفاوت أحجامها، منها ما سيولد عاديا ومنها ما سيولد بعمليات قيصرية قلما تخلو من مضاعفات ومخاطر. إنها سابقة من نوعها قد تجعل المجلس العلمي بمدينة تاوريرت الذي نكن له كل التقدير والاحترام يخلق الحدث، ويتوسع في صلاحياته ويجعلنا  نسجلها  في سجل حسناته بمداد الفخر والاعتزاز، ذلك حينما نراه يقوم بمبادرة فريدة من نوعها تتجلى في تكريم الفنانين والفنانات ،والمغنين والمغنيات ،وحتى الراقصين والراقصات ،ونتمنى أن تتوسع صلاحياته إلى اختيار ملكة جمال من وحدات مصبرات السمك وصناعة الزيتون ،ونحن على أبواب شهر رمضان نرجو أن  ينظم لنا سهرات على غرار سهرات موازين بدلا من صلاة التراويح في المساجد، وقتل الوقت متربعين حول الدعاة والمرشدين ،ذلك ما رددته تغاريد كثير من الفضوليين ،على منابر التواصل الاجتماعي مباشرة  بعد الحدث ، ومازالت تتناقله وتتناوله  بالسخرية اللاذعة وتصوغه في قالب  الفضيحة .

     ربما كنا سنعيب على أعضاء مجلسنا العلمي الموقرين لو تفضلوا بتكريم احد المرشدين الدينيين ، أو احد حفاظ القران وأحاديث الرسول الكريم ،أو احد السعاة في الجمع بين الزوجين وترميم بيوت الأسر، وإصلاح ذات البين بين المتخاصمين، كما كنا سنعيب عليهم تكريم احد أئمة المساجد أو القيمين ،الحريصين على أداء رسالتهم ، وسنعيب عليهم أيضا تكريمهم لبعض المحسنين ،الذين يساهمون في بناء المساجد ومساعدة المرضى والمعوزين ،أو لإحدى الجمعيات الخيرية التي تعمل على الأخذ بأيد  ذوي الحاجيات الخاصة والمعاقين،  أما أن يكرموا من ذكرناهم فوقه فلا عيب عليهم، ولا عتب إن كانوا يريدون بذلك الانفتاح والتحضر والتقدم والتحديث ،ويرغبون في التفسخ وإلغاء العمائم الدينية ،والجلابيب التقليدية والطرابيش الوطنية ،ويستعيضون عنها بالتكشف المعزز بصيحات الموضة العصرية، او يريدون بذلك مواكبة الحداثة بما يرفع رأس المغرب شامخا في محافل الرذيلة .    

      ترى هل تكون هذه الممارسات المثيرة للجدل على منابر التواصل الاجتماعي الفايسبوك من السبع الموبقات ؟ التي تندرج ضمن أشراط الساعة الصغرى أو الكبرى ،أم كانت من موحيات سياسية تخترق مجالاتنا الدينية ولا تراعي الأسس الشرعية والقيم الوطنية .ترى ماذا دهى ولاة أمر شئوننا الدينية والثقافية والاجتماعية ،هل شلت عندهم ملكات التفكير وتراكمت لديهم المتناقضات إلى حد أصبحوا بعد علمهم لا يعلمون شيئا ،وقد خانتهم الذاكرة في كل شيء ولم يكن بينهم من يذكر الآخرين أم هي صدمة حضارية عنيفة ،أو ضرورة انفتاح جديد ،أم هو  اجتهاد أدى إلى اكتشافهم بعد فوات الأوان إنهم كانوا على ضلال فأضلونا ،كل الاحتمالات تبدو واردة ،لكن من الراجح أن يكون الأخير من الممكنات ، وقد أصبح  ما تدعو إليه بعض المنظمات التي نتهمها بالتطرف هو عين الصواب ،أمر قد يجعلنا كمثقفين وأميين وعلماء ومفكرين على حد سواء نقف وقفة تأمل لما يحدث في هذا البلد من متناقضات مذهلة تجعلنا نعيد البصر كرتين حتى ينقلب إلينا البصر خاسئا ،ونفكر في كل الأمور الخاصة والعامة أكثر من مرة فنجدنا قد تعلمنا حتى صرنا نعلم إننا لا نعلم ، لا أظن أن حافظة هؤلاء قد تخلو من فتاوى يدفعون بها التهم عن أنفسهم ،ويفتقرون إلى شبهات يدرءون بها الأحكام ، ولا احسب ما لديهم من المبررات  قد تلغي اليوم ما أكدوه أمس، وتغير ما أثبتوه وتحلل ما حرموه  .

     نرى مثل هذه الممارسات المحيرة قد تفتح الباب على مصراعيه في وجه ما يسمى التطرف الديني لاحتضان هؤلاء الحيارى، وتشجع ضعاف النفوس على تغيير القبلة والإيمان بمن يدعي انه المهدي المنتظر، فيسيرون في اثر من يدعون النبوءات والخوارق والمعجزات وغيرهم ،حتى أصبح المؤمنون بحكم  هذه الممارسات يقبضون على دينهم كمن يقبضون على الجمر، فلا عتب ولا لوم على تابعي هذه التيارات المتشبعين بما لديهم من حجج قد تبرئهم مما يلصق بهم من تهم بالكفر والإلحاد ،وربما قد يوجد عندهم من الأدلة المقنعة ما تجعلنا رغما عنا نجمد في الحق ونذوب في الباطل كأضعف الإيمان ،إن لم نكن سنؤمن بإيمانهم ونتبع ملتهم .     

     ترى لمن سنحمل المسئولية في كل هذا، ولمن سنوجه اللوم والعتاب ، ونشير إليه بأصابع الاتهام والارتياب، الأمثال هذه المجالس التي لا نقلل من معرفة أعضائها بأصول الدين ؟ وبما هو حلال وما هو حرام وبما يضر وبما ينفع في إطاره السمح ،ومن  وكل إليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل على  إصلاح الشأن الديني والعقائدي وحماية المجتمع من البدع والضلالات التي قد تزيغ به عن جادة الصواب .أم إلى تيارات تملك من الحجج  ما تدحض به حججهم ،وأدلة قارعة لأدلتهم ،وحقائق دفعة  لمناقضاتهم.

    لاشك أن هذه الممارسات  قد أصبحت تكشف عن نقائص هذا المجلس، وتجعل نظرة المجتمع تتحول عنه وهو يكاد يفقد إيمانه  بخصائصه الاجتماعية و العلمية والدينية. واختم هذا التعليق برجاء احد المغردين من مجلسنا العلمي أن يعمل على احتواء من يعتبرون المساجد مجرد قاعات لممارسة رياضة الصلاة ،ولا يجدون في اعتقادهم من غاية الصيام سوى الحمية من اثر السمنة، فيجمعون شتات المتسكعين المنتشرين في الحدائق والساحات العمومية ،على دقات الطبول والأنغام الموسيقية والفوازير الفنية، بدلا من التراويح وصلوات القيام الليلية وربما يكون التسييس الديني كالتسييس الثقافي يجدي نفعا  .