بقلم : الخضير قدوري 

الخضير قدوري

 

فعلا إنها فنانة ،وكل من يستطيع ان ينهب المال المغربي بأي طريق فهو فنان ،وكل من يستطيع ان يضحك على الشعب المغربي أيضا هو فنان، ومن يقدر على السخرية من هذا البلد فهو نجم من نجوم الفن  .  

        وإذا كنت ممن يدعون الى احترام حرية التعبير، وممن يؤمنون بنهاية  حرية الفرد عامة مع  بداية حرية الأخر في أي مجال، فانا اذن بليد، وان كنت ومازلت  ضد من يستغلون هذا الحق من اجل إيذاء الآخرين في خصوصياتهم ،فانا أيضا غبي ،إلا أنني في هذه الحالة سأتعمد تجاوز الخط الأحمر قليلا ما ودون ان اقصد الاعتداء على حرية الآخرين ، فقط لأجرب إن كنت استطيع تقمص هذه الشخصيات ، من خلال توجيه  نقدا لاذعا لذاتي ،واتهاما  لنفسي  بكونها قد أصبحت متخلفة عن الركب الحضاري كما يسمونه ، او يكون الركب قد توقف بها عند محطة متأخرة ،وإما ان يكون ما تعلمته عن أساتذتها المحنكين  لم يعد يجديها نفعا ، وما علمها  إياها زمانها  قد ولى واكل عليه الدهر وشرب . وفي كل الأحوال أكون ومن اتبعني قد تعلمنا حتى صرنا نعلم أننا لا نعلم ، وبأننا قد وصلنا فعلا الى أرذل العمر قبل الأوان

    حتى وان كان العوام قد يوافقونني رأيي أحيانا ، رغم ذلك اشك ان كنت على صواب ، مادام  بعض أبناء بجدتي يخالفونني ،فوجدتني في موقف حرج بين عوام يشاطرونني الرأي ، وبين خواص قد يخالفوني اياه ، رغم كونهم يعلمون أنهم ليسوا على صواب ،ولكنهم لغايات ولأهداف قد تجعلهم يجاملون ،وينافقون ويتغاضون، ثم يذوبون في الباطل ولا يجمدون في الحق ،ولو كانوا يعلمون أنهم مخطئون

    ليس فينا ولا منا ولا معنا من لا يفرقون بين ما هو حق وما هو باطل ،ومن لا يميزون بين ما هو صالح وما هو طالح ،ولا يرون المنكر منكرا والمعروف معروفا. وقد لا يفعل ذلك إلا من  رفع عنهم القلم كيفما كان الحال قبل أن أتوغل في بحث هذا الموضوع ااكد للقارئ العزيز مرة أخرى ، أني قد راجعت نفسي واتهمت حصاتي، ووجهت هذا النقد لذاتي ،وسأطاوع نفسي شيئا ما متعمدا  تجاوز حدودي في حرية التعبير بعيدا عن كل المبادئ الثقافية والعلمية والفكرية والاخلاقية وحتى الدينية ولكن  ليس بعيدا عن السياسة وعلومها كونها لا تتأسس على قواعد ثابتة ،ولا تلتزم بالعهود المسئولة ،او تفي بالوعود الصادقة ،او تؤمن بالأخلاق الحميدة ،وهي لا تستقر على رأي ولا تدوم على حال. وحينما أريد ان أكون كما أريد وجب علي ان أكون سياسيا قبل ان اكون مغربيا ووطنيا وانسانا  ،وان ابدا في النهل من موارد علومها التي هي اشبه ما تكون بمخذريغيب الفكر عن الشخصية ،وهي أحيانا تبدوا مستعصية على فهم المبتدئين . وكان لابد لي من التخلي كليا عما هو ثقافي وفكري ، واحيانا التجرد من كل ماهو انساني ووطني ، والابتعاد عن كل ما هو واقعي والا كنت غير صالح للعمل السياسي . فاسأل نفسي ان كان ما تنقله الينا بعض فضائياتنا شبه الرسمية عما يسمى “مهرجان موازين الفسق والميوعة  ” وقد اخجل من تسميته ثقافيا وان كان كذلك اخجل من نفسي ،واحتقر منظميه ممن يدعون أنفسهم مثقفين ،والثقافة منهم ومما يدعون براء ،براءة الذئب من قميص يوسف .وإنما يريدونه باطل لا قبل  لها منه ، وليس من ثقافتنا المغربية ،ولا من قوميتنا العربية ،ولا من غيرتنا الإسلامية ،ولا من شيمنا ان نقبل بما يستورده لنا منظمو هذا المهرجان من أشكال التفسخ وألوان الرذائل التي تسيء الى أسرنا وناشئتنا البريئة ،والى ديننا الذي نعمل على حمايته من هذا النوع من التطرف المسموح باستيراده في معلبات باسم الانفتاح والتحضر بداخلها السم في دسم مطعم بنكهة ثقافية ، ثمنه على حساب قدرتنا الشرائية ومن عائداتنا الضريبية ، ويقبل مثقفونا ومفكرونا وعلماؤنا وحتى نخبنا السياسية على استهلاكه بهذه الشراهة في صمت مخجل .فان كانت العاهرة لوبيز قد حصدت مبلغا يعد بملايين الدراهم لوحدها مقابل ايلائنا دبرها ، قد لا يكون ذلك سوى استهزاءا بهذا الشعب ، وسخرية بهذه الجماهير التي ترقص برقصتها وتتمايل مع تموجات اطرافها وتتفاعل مع اغان لاتفهم كلماتها ومعانيها ،فتبدي إعجابها بتلك الكيفيات والممارسات التي لا تمارس إلا في البيوت الليلية أحيانا ،وفي الكباريهات وبيوت الدعارة والبغايا ،التي باتت بيوت كل المغاربة لا تختلف عن حالها ، باسم الانفتاح والتحضر الذي يفرض علينا ان نكون متفسخين ومبتذلين ووو الى هذه الحدود وبهذا الشكل الذي يضرب في عمق اصالتنا ، كل ذلك ليقال عنا اننا شعب منفتح ومتحضر وبئس الانفتاح والتحضر

    وقد يتزامن هذا الحدث السيئ مع شهر يتاهب فيه الشعب المغربي لاستقبال شهر الغفران ومع وجع  صندوق المقاصة من مخاض يريد ان يتخلص من حمله المتمثل في دعم الفقراء، وكذلك الم خزينة الدولة التي تلتمس الأعذار للمعطلين والكادحين ،ومع تخوف صندوق التقاعد من لفظ لأنفاسه الأخيرة قبل 2020 ،فيما كان صندوق المبادرة الوطنية تتساقط  أمواله في أكياس على منظمي مهرجان موازين ،وتملا جيوب المشردين في أنفاق “مطرويات ” المدن الغربية ،حيث يعيش أفراد جاليتنا العاملين هناك  على غسيل “ابوالهم” وجمع أوساخهم . وهاهم باسم ما يراه المتخلفون في هذا البلد فنا  وفنانون يسخرون منا ومنهم ،ويقضون أياما في النعيم  كما يقولون بين ظهران المجانين في دولة المبذرين

     تحضرني طريفة لاحد مجانيننا أمثالي ،حينما استوقفه مشرد تنبعث منه رائحة البول ،كان يجلس القرفصاء على رصيف في احد أنفاق “مطرو” باريس ،وبجانبه كلبه وبيده قيثارة يوقع عليها إيقاعات عشوائية ، وهو يسال المارة  فرنكات من اجل اقتناء رغيف له ولكلبه الهزيل ، وقد جاد عليه مجنوننا ولم يبخل عليه بما هو أغلى من ثمن الرغيف ،ربما إشفاقا على هذا المتشرد الضائع في الأنفاق ،او سخرية من القائمين على تدبير الشأن العام في هذا الوطن .وقد نصحه بان يتوجه الى سفارة المغرب فيطلب المشاركة في مهرجان موازين ،حيث ستوفر له تذكرة سفر ذهابا وإيابا وسيعود مثقلا بأموال تكفيه شرا لتسول ،وشواهد تقدير تمنحه لقب فنان من العيار الثقيل فتغنيه عن حياة التشرد

    ولعل رقصة” لوبيز” ترفع الحضر عن شريط  مخرجنا المغربي نبيل عيوش ” الزين لي فيك ” وبالتالي اعتذر لقرائي ان كنت قد أظهرت نوعا من النقد اللاذع لذاتي ،ولا ألوم منظمي هذا المهرجان على تسويق بضاعتهم ، او أعاتب على احد ممن يجدونه سوق عكاظ تعرض فيه اعمالهم  الثقافية ، وهم لا يرون فيه ما يخل بالأخلاق العامة ولا بالحياء ولا يمس بسمعة المغاربة ، فاستسمحهم على كوني أريد ان أتمرد قليلا على حرية التعبير لأفرغ شحنات الغيظ من صدري ، وأتخلص من غيرة تحرق قلبي، وأستريح قليلا من وجع  يعذب ضميري ،فاعترف بكوني قد تعلمت حتى صرت اعلم أني لا اعلم قبل أن أرد إلى أرذل العمر وافتخر بجهلي