بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

إذا كان من يجتمعون تحت قبة البرلمان حكومة ومستشارين هم النخبة التي تمثل الشعب المغربي ،فعلى المغرب السلام . وإذا كان المرحوم الحسن الثاني قد أعلن حالة الاستثناء ،وأمر بحل هذين المجلسين ، وإلغاء الحكومة خلال منتصف عقد الستينيات ،حينما شبههما بالمسرح .فان ما حدث ويحدث دائما لا يوجب حله وفسخه وإلغاؤه فقط ،وإنما يوجب في حقه شيء أخر. ولا شك في أن الملك محمد السادس الذي ستحكمه المعارضة فيما شجر بينها ورئيس الحكومة ،على غرار والده قد يتخذ إجراءا حاسما بعد أن ذكر بل انذر هذين المجلسين بضرورة التحلي بالرزانة ،والعمل على حل مشاكل الشعب المغربي ،وإنصاتهم إلى الفعاليات الثقافية والسياسية الحقيقية بعيدا عن المهاترات السياسوية الهابطة، والتنابز بالألقاب وتبادل الاتهامات التي جعلت هذه المؤسسة ليست مسرحا وحسب، وإنما هي أشبه بحمام نسوي مع احترامي للمرأة ، حيث كانت بعض نساء أيام زمان كثيرا ما يتراشقن في داخله “بالسطول “والصابون ويتشابكن بالأيد. وباعتباره ملعبا كرويا يتراشق بداخله المتفرجون بالحجارة والكراسي والزجاجات، وقلما يغادره احدهم دون جرح أو حرق أو خدش اوكسر
إن ما يلاحظه المتفرج على هذه المهزلة البرلمانية، هو من تدني مستوى الوعي السياسي والثقافي على الخصوص لدى ممثلي الشعب كأغلبية ومعارضة وحكومة على حد سواء، وإذا كانت فرقنا المسرحية أحيانا قد تعرض هذه المهازل في شكل مسرحيات تنتقد عمل الحكومة والبرلمان معا إلا أن المتفرج في غالب الأحيان كان يعتبرها مجرد مسرحية للفرجة نابعة عن خيال المخرج والمؤلف بعيدة عن واقع الساهرين على الشأن العام كحكومة وكممثلي الأمة .لكن ما حدث أخيرا تحت قبة البرلمان لم يدع مجالا للشك في واقع ما تعرضه هذه الفرق المسرحية، وصحة ما تقوله الصحف الوطنية ،وما يتداوله الشارع من أخبار وحكايات ونكت وفكاهات حول هذه المؤسسات الدستورية
ولكن كيف ما كان الحال والانتخابات على الأبواب ،لاشك في أن الشعب قد أصبح يرى بأم عينيه كيف تعالج الحكومة والمؤسسة التشريعية مشاكله ويقتنع بالكيفية التي تناقشان بها مشاريعه، وتتدارسان قضاياه. فإذا كان المتتبع العربي والأجنبي بصفة عامة والمغربي بصفة خاصة يلاحظون المستوى المتدني لهذه النخبة التي تمثل الشعب المغربي ثقافيا وسياسيا واجتماعيا ،ما معناه أن هذا الفرع من تلك الشجرة ، مصداقا للمقولة القائلة “كيفما كنتم يولى عليكم “
ودون أن نحمل مسئولية ما حدث ويحدث دائما للمعارضة التي تدعي الدفاع عن القدرة الشرائية للشعب ،أو للأغلبية المدعمة لقرارات الحكومة التي تتبجح بعملها على تقليص عجز الخزينة ،ولكن على حساب جيوب الشعب المغربي ، وإنما نرى المسئولية مشتركة، وربما يتحمل الشعب جزءها الأكبر ، هذا الأخير الذي ينبغي أن يكون الحكم ، بغض النظر عن انتمائه لأي حزب ،كان على هذا الشعب كأخ أن ينصر أخاه ظالما ومظلوما ،وكاب أن لا يميل بالعاطفة إلى احد أبنائه الفاشل في مهامه والعاجز عن أداء واجباته ،وعليه أن يكون منصفا فيقف إلى جانب الحق من اجل إنجاح مشروعه ،وأما بالنسبة للأحزاب قد لا يمكن تزكية أحدهم ،ولكل منهم سوابقه محاسنه ومساوئه ،فضائله ورذائله .ولكن قد يؤخذ إلى حد ما برجاحة موازينها .وليس من باب التشاؤم إذا قلنا انه لا خير في قديمها ولا في قادمها
ونستبعد أن يكون تسابقها إلى السلطة، وصراعها من اجل الحصول على كرسي في مراكز القرار، وتكريسها لكل هذه الجهود هو دائما لفائدة الشعب ودون المصالح الشخصية والعائلية .وهذا من المسلمات ومن البديهيات السياسية عملا بقولهم ” اللهم ارحمني وارحم والداي ” وليس كل ما يبذله المنتخب من أموال طائلة ،ومن كرم الضيافة وسخاء الجيب، هو دائما من اجل سواد عيون منتخبيه خاصة والشعب عامة ،ومن اجل خدمة الوطن ككل من المستبعد أن يصدق كل ذي عقل سليم هذه الطروحات ،ويؤمن بهذه المغالطات .
قد يكون من حسن حظ الأحزاب والحكومات المتتالية ،أن وفاها الله بشعب يتعاطف ويتعصب، ولا يتعقل ويتحكم ،أو يعلم أن صوته هو السيف في يد حاكم عادل أو ظالم جائر، وهو المركب الذي يوضع تحت تصرف سائق متعقل ،أو رهن إشارة قائد متهور .وبالتالي قد يكون هو صاحب الحق لمحاكمة كل من يتسلمون زمام المسئولية، ويتعهدون بحمل الأمانة ، وله كل الصلاحيات بربط هذه المسئولية بالمحاسبة ويعزز الأمانة بالمعاقبة .
مع استبعاد الإعلان عن حالة الاستثناء، فهاهي الانتخابات على الأبواب والتاريخ يعيد نفسه بعد أكثر من خمسين سنة ،فهل سيستيقظ هذا الشعب من غفلته ؟ أم انه سيخطئ عنوانه مرة أخرى، فإذا كان المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، فكيف نسمي هذا الشعب الذي يلدغ مرات عديدة، والى متى سيظل متعصبا للحزب أي حزب ،ولو كان لا يرضي طموحه ولا يعكس رؤاه ،ويزكي أداء حكومة فاشلة قلما تهتم بهمومه وتعالج مشاكله ،فتستجيب لمتطلباته وتنزل إلى مستوى حاجياته ،نحن نعلم أنها تنبثق عن أحزاب لا تحمل برامج تحاسب عليها ،ولا تتحمل مسئولية تعاقب عليها .ولكن إلى متى يبقى هذا الشعب خاضعا لمبررات واهية تجعله مطية يتناوب على ركوبها الثقلاء، أم يبقى انتظار التدخل الملكي هو الأمل الوحيد لإنهاء هذه المهازل الحزبية ، والحل الأوحد لكل هذه المشاكل السياسية
ربما إننا لم نخطئ الصواب حينما قلنا في مقالنا السابق ،أن هذا الوطن يبدو على شكل هرم مقلوب، قاعدته إلى أعلى وقمته إلى أسفل ،وكأن هذه الدولة تمشي على قمة رأسها بدل المشي على قدميها، ذلك حينما أصبح الملك هو المحرك الوحيد والمتحرك الأوحد والمعول عليه في كل كبيرة وصغيرة في هذا البلد