بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

حينما كانت السياسة كلا ثقيلا، كان من يحمله رجال أقوياء، وحينما كانت غولا مخيفا، كان من يواجهونه ليسوا جبناء، وحينما كانت السياسة لبوءة ذات أنياب قاطعة ،كان من يجانسها أسد ذو مخالب حادة ، وحينما كانت ليلا دامسا ،كان من يزينها أقمار مضيئة ، ولما صارت السياسة قاربا مطاطيا ركبه الثقلاء، من يريدون العبور الى الضفة الأخرى ،ولما صارت حقيرة احتواها الأذلاء ، من يريدون غير ذات الشوكة لهم ،ولما تفسخت ومسخت طمع فيها السفلة والأدنياء . إلى ان صارت السياسة اسما على غير مسمى ، وكلمة مبتذلة يداولها السفهاء ،ومطية هينة يركبها من يسمون أنفسهم زعماء.
وعندما كانت السياسة امرأة عفيفة تشترط على خطابها مهرا غاليا وقيمته التضحية بالنفس والنفيس ،كثيرا ما كان عدم الإيفاء بالوعود يجر بعضهم الى الكهوف المظلمة والزنازين الضيقة ،حتى أصبح مادون هذا المهر مخاطرة وما بعده مغامرة ، وقلما كان بين الرجال اكفاء يقبلون على هاته او تلك فيتغزلون بالسياسة ،او يجرؤ احدهم على ذكر اسمها وبالأحرى التغني بمفاتنها
وعندما تولى زمان السياسة يوم ثكلت، وتوارى عهد عفتها منذ ترملت،وفقدت أخلاقها عندما تميعت ،فأصبح حالها لا يختلف عن حال عارضة أزياء، تمشي على الركح نصف كاسية الأطراف ،وهي في الشوارع تمشي مكشوفة الصدر نصف عارية الأرداف . يتعقبها كل عديم الحياء ،ثم صارت الى ما صارت اليه كل بائعة الهوى ،التي تنقاد وراء كل من يدفع لعلب الليل ثمن الكراء ، او لبيوت الدعارة ،او قصور الديمقراطية او للعراء . ليتلاعب هناك بمحاسنها ويعبث بمفاتنها حتى اذا قضى منها الوطر ولاها الأدبار، ليرتمي في حضن أخر، وبات ذكر اسمها على اللسان عارا . ليست كل أنثى امرأة ،ولا كل ذكر رجلا ،وليس هناك محصن او محصنة ، او في زمن الرذائل ما يعصم من الرذيلة، كجمعية في إطار هيئة سياسية ،وكفرق حزبية تحت قبة البرلمان ،وكمستحمين تحت سقف الحمام كلهم سواسية ، وعندما تنكشف العورات ، وقلما تستتر العيوب إلا ما ستره الثوب ،فيبدو البشر كالبشر، لا فرق بينهم في ما خفي وما ظهر ، إلا من حيث الغث والسمين والطول والقصر، وإلا ما كان اسود او اصفر . إذا كان كل وطن يبنى على شكل هرم منصوب ،فوطننا يبدو كأنه قد بني على شكل هرم مقلوب ،أرى من المستحيل ان تحتمل قمته ثقل قاعدته ، كما تبدو دولتنا كأنها تمشي على رأسها بدل قدميها ،أرى ذلك منافيا للفطرة ومخالفا لقانون الطبيعة ، وما أريده بمجمل القول قد يفهمه الشعب المغربي لوحده، وهو أدرى بهموم وطنه من غيره ،واعلم الشعوب بحاله وخبايا أجهزة دولته، وهو اعرف العارفين بأهداف ساسته ،الرامية الى الوصول للغاية الخاصة في زمن لم يعد للظل تحت الشمس ما يخفيه ، تلك احدى مصائب الدنيا حينما تضع الرفيع وترفع الوضيع ، ومن سخريات القدر ان ينزل من علا ويعلي من سفل ، وقد تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت، واذا تولت فبالأشرار تنقاد