تاوريرت بريس :

الخضير قدوري

 

بعد أكثر من نصف قرن ومنذ فجر الاستقلال ،يبدوان حكوماتنا المتعاقبة على تدبير شان هذا القطاع كأنها تجد في العمل على إصلاحه ، إلا أنها مازالت إلى اليوم لم تبدأ بعد ،و بالأحرى تهتدي الى سبيل يؤدي الى إصلاح حقيقي لهذه المنظومة، رغم الفشل والإحباط التي منيت بها على مدى هذه العقود الطويلة ،التي تدعي كل حكومة أنها أحرزت خلالها تقدما منقطع النظير حتى في مختلف القطاعات الأخرى ،فلم تلبث ادعاءاتها سوى أياما قليلة عندما تكشف لنا عن حقيقة فشل ذريع تدرؤه بشبهات واهية وتخفي حقائقه باردئة شفافة ، وبعد خمسين عاما الخالية انعكس فشل هذا القطاع على كل القطاعات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ،وألقى بضلاله على كل أجهزة الدولة .إلى أن طلع علينا السيد وزيره مع مطلع سنة 2015 بخبر مفاده ان 76 بالمائة من تلاميذ الأقسام الابتدائية لا يحسنون الكتابة والقراءة ،وهو لا يعلم ربما يكون مثل هذا العدد في الأقسام الثانوية والإعدادية لا يحسنون تركيب الجملة المفيدة ،ومثلهم في الجامعات أيضا ربما لا يفرقون بين الجملة الاسمية والفعلية . ولا يعلم ما كان لذلك من الأثر السلبي على أجهزة الدولة بشكل عام والإدارات العمومية التي يديرها مدراء قلما يستطيعون تحرير رسالة أو رد جواب بلغة سليمة، كما يتجاهل أغلبية من يمثلون الأمة تحت قبب الغرفتين الذين يشرعون للشعب المغربي ،وهم لا يحسنون القراءة والكتابة ناهيك عمن وكل إليهم أمر تدبير الشأن المحلي في المجالس المنتخبة، على مستوى المدن والقرى . باستثناء قلة ممن تتلمذوا على معلمين وأساتذة سنوات أواخر الخمسينات ،وجلهم متشبعين باللغة الفرنسية التي مازالت تحتل المكانة اللائقة وتتربع على عروش الإدارة المغربية إلى يومنا هذا ،حيث بدا أثرها السلبي يطفو على السطح وينكشف الفساد بعد رحيل بعض هؤلاء ومغادرتهم لمواقعهم في الإدارة المغربية ،ثم تفشت الجريمة بأنواعها في الوسط الاجتماعي ،وانتشرت الرذيلة بأشكالها وألوانها في مجتمع أمسى مريضا ،وقد استعصت مداواته ومعالجته كما باتت المدرسة المغربية شبه عقيمة منذ خمسين سنة ،قلما أنجبت لحد الساعة رجالا أكفاء ونساء في مستوى تطلعات الشعب المغربي كيفما كان الحال يكون السيد الوزير قد اكتشف هذا العطب الذي عطل محرك هذا القطاع منذ خمسة عقود الماضية وأنهكنا البحث عن الأسباب والمسببات نلقي باللائمة على المعلم والأستاذ تارة، وأخرى على الأسرة والمجتمع ككل ،عاجزين او متعاجزين عن تحديد مسئولية هذا الفشل ،بل متملصين من قول الحقيقة بان أهل مكة هم أدرى بشعابها واعرف بمسالكها قبل الغريب ، والمريض وحده من يمكنه تحديد مواقع الألم في جسمه قبل الطبيب .يوم كان المعلم في القسم الابتدائي يرسخ في فكر التلميذ حبه لوطنه ودينه ،ويغرس فيه روح الأخلاق الحميدة .حتى كانت التربية الوطنية والإسلامية والأخلاق من المواد الأساسية الضرورية التي تشكل القاعدة الصلبة التي تبنى عليها شخصية التلميذ، الذي سيصبح ذات يوم الرجل المناسب في مكانه المناسب ،تحاشيا للاختلالات التي تنخر أجهزة الدولة في الوقت الراهن ،لو ابقي على الامر كما كان لما أصبح الكل ينادي بعد فوات الأوان بضرورة إعادة التربية الوطنية والإسلامية والتخليق الإداري والاجتماعي ،ولما أصبح الكل يدعو بضرورة تقويم الاعوجاجات ولكن هيهات ان يتم إصلاح ما أفسدته السنين في يوم او شهر او حتى عشر سنين .واذا كان قطاع الصحة على غراره قد مر بنفس التجربة ،وعانى بدوره من نفس الاختلالات ،حينما كانت الأمور تسند لغير أهلها وتفرض على الطبيب ان يرتق جسم المريض بإبرة الخياط مرة ومرات استعماله لشتى الآليات التي لا تمت لمهنة التطبيب بصلة ، إلا أن بوادر الإصلاح تجلت بعد تربع الأستاذ الوردي على عرش هذا القطاع ، باعتباره ابن الدار بغض النظر عن انتمائه السياسي والحزبي ، وربما يكون الوزير الوحيد في هذه الحكومة الذي استطاع إلى حد ما إصلاح قطاع الصحة رغم الإمكانيات المحدودة ،ولكنه كرجل الميدان قد استطاع الإصلاح متى توفرت لديه إرادة الإصلاح .
كل هذه الاختلالات وما نتج عنها من تطرف ديني ،وشعور ببرودة الحس الوطني ،والانحلال الأخلاقي والانخراط في العمل الإرهابي ، ما زال نظام تعليمنا المنقول والمستورد يحمل إلينا في طياته مزيدا من الرذائل المدمرة لخلايا الفضائل في جسم هذا الوطن وتعرضه إلى نكسات تعود بأجيالنا إلى ما قبل العصور الوسطى. باعتبارها أنظمة لم تمت بصلة إلى عروبتنا وقوميتنا ،ولا تتلاءم بتاتا مع عاداتنا وتقاليدنا او تواكب ركب التمدن والحضارات التي نتعايش معها ، بقدر ما تبعدنا عن بعيد ولا تقربنا من قريب . قد يقال انه الفكر الاستعماري الذي ترسخت جذوره في مجتمعنا وتأصلت في أعماقنا ،وقد استطاع أن يغير وجهتنا نحوه فضيعنا عن سبيل الهداية .وإذا كان الأمر كذلك وسلمنا به فما فائدة استقلالنا وما معنى تحررنا إذا لم تتحرر أفكارنا ونتحرر من التبعية ، ما هي إلا شبهات واهية لا تنفع في درء الأحكام علينا بخلونا من الروح الوطنية ،وانعدام إيماننا بالحقوق والواجبات تجاه بعضنا ،في ظل المساواة والعدالة الاجتماعية . ودليلا على فشل دور المنظومة التربوية والتعليمية في القضاء على الجهل والأمية في وسطنا
منذ أكثر من خمسين سنة ما زالت اللغة الفرنسية تعتبر أساسية في تسيير دواليب الإدارة المغربية رغم الإعلان عن مغربتها منذ فجر الاستقلال ،إلا أن دعاة التعريب وإصلاح التعليم مازالوا يبحثون هناك عن مقاعد للغات أخرى ،كالانجليزية والاسبانية ثم الصينية على حساب لغة الأم، التي ستعزل وتطرد بصفة نهائية من المدرسة المغربية وإخراجها من بيت الزوجية ، حالما يتم عقد القران بالامازيغية والعامية، كما انهم مازالوا يسهرون على استيراد المناهج التربوية والمدونات التنظيمية، فإذا كانت اللغة العربية لم تستطع حجز مقعدها في المنتديات العالمية والدولية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا الا ان تكون مضلة للشعوب العربية وراية ترفرف فوق سقف الوطن العربي ،فكيف يمكن للغة تتمخض ولم تولد بعد ان ترقى بأهلها الى رقي الأمم الراقية ،وتواكب ركب العولمة وتتجاوب مع التكنولوجية الحديثة ،ام شاءت هذه الأخيرة ان تمزغ العربية كما عربتها وتروم الى استرجاع نفوذها واستجماع شتاتها وتوحيد صفوفها كل ذلك سيتطلب منها مئات السنين الأخرى ويكلفنا الثمن غاليا ، ومن ثم ستعود بأجيالنا إلى عهود الانحطاط والتخلف والانعزال عن العالم باسم إصلاح وانفتاح قد لا يراهما الراسخون في علوم السياسة والكياسة سوى ذرا للرماد في عيون الشعوب ،وضحكا على أذقان الأجيال ولهوا بمستقبل الأوطان ،في حين ما يزال أبناؤهم ينهلون من مدارس البعثات ،ويوجهون للدراسة في المعاهد الخاصة خارج الوطن بعد ان حجزوا مقاعدهم في الصفوف الأولى، ليعودوا إلينا بعد أيام فقط بشواهد عليا تبوءهم مكانتهم اللائقة في الحكومة ،وتمكنهم من مناصب هامة في أجهزة الدولة، وقد لاتهمهم بعد ذلك المردودية ولا ما يسمى ارتباط المحاسبة بالمسئولية
آما آن الأوان لتتحرك الضمائر الحية في الصدور الأبية ، كفاية من الاستهتار بقضايا المواطنين والمتاجرة بمعانات ألأجيال ،واستغلال أمية الأميين وجهل الجاهلين ،أما آن الأوان ليستجيب هؤلاء لقدرهم، فيكسرون قيود العبودية ويحطمون حواجز الاتكالية ثم يعانقون الحياة وينهضون بأوطانهم نهضة عصامية ، ويسيرون في اثر الشعوب الناهضة ام ترى كان أمر الله أتاه لمترفيها حتى يفسدوا فيها فيحق عليها قوله ثم يدمرها تدميرا وكان أمره مفعولا .؟