بقلم : الخضير قدوري 

large_1238157310

 

حينما نتحدث عن الجهوية المتقدمة والدولة الراقية ،لا ينبغي أن نتغافل عن القاعدة الأساسية التي يجب أن تتأسسا عليها كنموذج يحتذي بها، ودور المقاطعة الإدارية في المدينة المغربية التي يترأسها رجل السلطة ” القائد” ومجموعة من أعوانه من خليفة وشيخ ومقدم وتقنيين وكتابا ورجالا من القوة المساعدة كل هؤلاء يمثلون الدولة داخل دائرة مصغرة لا تمتد لأكثر من بعض ألاف الأمتار، ويشكلون طاقما يسهرون فيها على امن مجموعة من السكان يمثلون شعبا يحرصون على خدمة مصالحه الإدارية والاجتماعية والثقافية والصحية وغيره ، ويعتبر رئيس المقاطعة أو القائد مسئولا أولا في إدارة شئون هذه الساكنة بمعية طاقمه سياسيا وإداريا واجتماعيا وثقافيا وغير ذلك في إطار القانون العام ولا يتميز عنهم إلا بما حصله من دربة وتجربة وحنكة وخبرة في كل المجالات التي تحتويها إدارته .
للعلم أن القائد أو رئيس إدارة هذه المقاطعة أحيانا قد يتوفر على هامش واسع من السلطة التقديرية التي تخول له معالجة المشاكل الاجتماعية للمواطنين التي لا يشملها القانون والتي قد تعالج أحيانا في إطار العرف السائد ، وهو مطالب ببذله كل المجهودات والمحاولات الممكنة من اجل إصلاح ذات البين بينهم ومعالجة قضاياهم ومحاولة احتواء النزاعات القائمة بين الأفراد والجماعات في هذا الإطار ليكون بذلك قد حال دون دفعهم إلى تجاوزه ولجوئهم إلى المحاكم التي أحيانا قد تعمق الهوة بين المحتكمين وتوسع الخلافات وتنمي الأحقاد وتؤجج الضغائن ،كل ذلك قد يؤثر على كفاءة القائد وقدراته الثقافية والسياسية ،كما ينبغي له أيضا ممارسة هذه السلطة من اجل إحداث أو اقتراح مشاريع تنموية ومجمعات ثقافية ورياضية ،وتشجيع مواهب الشباب بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في هذه الحالة نكون قد لمسنا المفهوم الصحيح للقيادة الرشيدة ولسياسة القرب الحكيمة التي ستفرز لنا مجتمعا فاضلا خاليا إلى حد ما من مواصفات الرذيلة
.في حين يضل بعض هؤلاء القادة العاجزين عن إدارة شئون إدارتهم سلبيين لا يرغبون في كسر الرأس مقيدين بالقانون العام ملتزمين بحرفيته كذريعة لتبرير فشلهم فيقضون عهدتهم مكومين على كراسيهم ،منزوين بمكاتبهم وراء أبواب مغلقة في انتظار يومهم الأخر بخيره وشره نتيجة عدم انفتاحهم على محيط مقاطعاتهم وإحاطتهم بما يدور حول نفوذ إداراتهم ،فكم من الأولين بصموا على ذاكرة مقاطعة إدارتهم ببصماتهم الذهبية ،وظلوا بذكرهم في أذهان ساكنتها خالدين ،في حين بقي للآخرين سوء الذكر إلى حين.
رغم أن دور امرأة أو رجل السلطة في الوقت الراهن لم يعد امنيا أكثر ما هو تنمويا، مما ينبغي أن ينجزه بداخل إدارة نفوذه من المرافق الضرورية للمواطنين، كمخفر للأمن ومستوصف صحي ومدارس ومكتب للماء والكهرباء وصيدلية وملعب رياضي ومركب ثقافي وتجاري أو سوق أسبوعي ومساجد وغيره كلها مرافق قد تحد إلى حد كبير من ظواهر التطرف والعنف وكل أسباب الرذيلة ودواعي الفوضى ، كما يجب على رئيس المقاطعة أيضا أن يحتك بالطاقات الإبداعية والثقافية والفكرية التي يستفيد منها ويستعين بها إذا اقتضى الأمر، ثم يسهر على تنظيم الأنشطة المهنية والحرفية والتجارية والاجتماعية والثقافية التابعة لنفوذ إدارته في إطار قانون المنافسة البناءة دون إفراط ولا تفريط ، في هذه الحالة ستكون هذه الدائرة أو المقاطعة الإدارية بفضل قائدها قد كرست بالفعل سياسة القرب بمفهومها الصحيح ،ووفرت لمواطنيها آليات وأدوات محفزة على التنمية فحق عليها أن تكون نموذجا داعما للجهوية المتقدمة التي يراهن عليها بلدنا والتي من المفروض لإنجاحها أن تتوفر على كل الطاقات الثقافية والإبداعية في كل المجالات والتي بدونها لا يمكن تأسيس هذه الجهوية بخصوصيتها التي تفرض عليها الاعتماد في قيامها على مواردها البشرية والطبيعية والاقتصادية .
وعندما أتحدث عن قائد المقاطعة الإدارية فكأني أريد بالقول مفهوم القيادة والريادة والرئاسة والزعامة بشكل عام في كل المجالات على رأس كل مجموعة نشيطة تهتم بالشأن المحلي للقرية أو المدينة سواء كانت جماعة حضرية أو قروية أو مؤسسة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية تهدف إلى تنمية محيطها وتدبير شئونها المحلية .
لكن في الوقت الراهن مع الأسف، فان مفهوم سياسة القرب مازالت بعيدة عن فهم المواطنين ، مادام هناك تمركز إداري يعود إليه الأمر في كل شيء ،ويجعل من ألأجهزة التابعة له مجرد آليات متحكم فيها عن بعد متوقفة عن الحركة في انتظار الأوامر الفوقية ،في هذه الحالة ستبقى هذه الآليات شبه معطلة قلما تدفع بركب التنمية إلى الأمام ،أو توفر للمواطنين ما يطمحون إليه من امن وأمان واستقرار واطمئنان. فلا سبيل إذن للتطلع إلى سياسة جهوية متقدمة أو متوسعة يتولاها وال من المفروض فيه أن يكون ملما الماما واسعا بكل مناحي حياة الساكنة اليومية قادرا على تلبية مطالبهم المشروعة وقد لا يتسنى له ذلك ما لم يكن ناشئا في صلبها ومنحدرا من رحمها مترعرعا في وسطها ،وما لم تتأسس هذه الأخيرة على قاعدة أساسية تتربع عليها مقاطعة إدارية يديرها قائد بنفس الإلمام والقدرة والشجاعة والكفاءة واستقلالية القرار في إطار سلطته التقديرية كامرأة أو رجل سلطة أو سياسة أو فكر أو أعمال لتتحدد على ضوئها الكفاءة والجدارة التي تؤهل صاحبها للرقي والتقدم في مساره الإداري أو الاجتماعي أو الفكري أو السياسي أو الاقتصادي أو في أي مجال يخدم المصلحة العامة للمقاطعة في المدينة أو الدوار في القبيلة أو المدينة في الإقليم أو الإقليم في الجهة أو الجهة في الوطن .
وبالتالي سيبقى أهل مكة أدرى بشعابها وقائدهم اعلم بطبيعة عقل ساكنتها خبير بتدبير شئونهم العامة كمسئول يجب أن تقارن مسئوليته بالمحاسبة فيعز أو يهان .